أمير متى يكتب: التنمية وقانون الطوارئ
في كتابه المليار السفلي علق بول كوليير علي علاقة الحرب بالاقتصاد قائلا، لا تسقط بلد لانها قامت بحرب، بل تنهار لانها اعتادت علي حالة الحرب. فالكاتب يفسر انهيار دول بأن الدول اعتادت وضعية الحرب واستنزاف الموارد دون البحث عن حلول سياسة لانهاء حالة الحرب. فتحول الاقتصاد من اقتصاد يهدف إلى تنمية المجتمع و تقدمه إلى اقتصاد حرب يهدف إلى إضافة موارد بشكل مستمر إلى القوات المتحاربة.
فالدول التي تنتهج أنظمة اقتصادية تهدف إلى عسكرة الاقتصاد فيختفي المواطن والتنمية تباعا.. وتصبح المقومات الأساسية للاقتصاد لا تهدف إلى استثمار حقيقي.
اذا نظرنا إلى الخطط التنمية في مصر منذ الانفتاح الاقتصادي في السبعينات، سوف نجد أن أهم مورد للاقتصاد كان تحويل الأموال من الخارج، و كان نصيب مصر من تحويل الأموال في عام ٢٠١٨ ما يقرب من ٢٩ مليار دولار (خامس دولة في الترتيب العالمي لتحويل الأموال من الخارج). و هذا أكثر من ١٠% من الناتج القومي و٦ أضعاف دخل قناة السويس خلال نفس العام. فكانت النتيجة من كل الخطط للتنمية طوال ٥٠ عاما هي تحويل الأموال من الخارج. من أول “عنق الزجاجة” إلى “اصبروا عليّ”.
بنفس القياس فنحن اعتدنا (حاله الطوارئ)، فوزارة الداخلية لا تستطيع ان تعمل بكفاءة سوي في ظل قانون الطوارئ، والذي يسهل وضع القانون الطبيعي جانبا، لتتحول التحريات الروتينية إلى أدلة، حتى لو اكانت قائمة على التلفيق، وتصير قضايا (الارهاب والانضمام الي جماعة ارهابية) تهما عادية، تطال كل من يقول رأيا مختلفا، ويتحول الحبس الاحتياطي لوضع طبيعي. ومع الوقت يتحول الوضع الاستثنائي إلى وضع اعتيادي و يتعايش المواطنون معه في الحياة اليومية بينما يفقد الجهاز الأمني قدراته لصالح الاجراءات الاستثنائية.
الأغرب وسط ذلك جدال المؤيدين لحاله الطوارئ بأنها تطبق فقط علي الارهابيين و ليس لها تأثير علي الأنظمة الاقتصادية!!
بنظرة سريعه علي تقرير الاستثمار المباشر الصادر من بنك santand trade سوف تجد أن أول مخاطر الاستثمار المباشر في مصر هو (ضعف النظام السياسي)، واللي طبعا من ظواهره استمرار حاله الطوارئ و التعايش معها. فالانظمة الهشة سياسا تعتمد علي الطوارئ لبقائها.
هنا نحن لا نتحدث عن استقرار طبيعي سياسي لوطن، هنا نتحدث عن وضع غير مستقر ممتد تحت الطوارئ.
النمو الاقتصادي يتطلب ان يتحول الاقتصاد من اقتصاد يهدف إلى تنمية القطاعات العسكرية أو اقتصاد (حاله الحرب) إلى اقتصاد يهدف إلى تنمية القطاع المدني، تحت مظلة داخلية تجيد العمل بالقانون الطبيعي وليس قوانين الوضع الاستثنائي.