أحب أيامه وأحببنا إبداعه.. وحيد حامد «كل هذا الحب» في وداع صاحب «آخر الرجال المحترمين»: موهبة أقوى من القمع (ملف خاص)

جملة حوار وحيد تفوقت على عناصر اللغة السينمائية الأخرى رغم مشاركة نجوم كبار وبدايته في الإذاعة ساعدته على كتابة جمل قوية  

تنبأ حامد بعدة أحداث أبرزها حبس قيادات الإخوان والحزب الوطني.. ولجنة سيادية اعترضت على البريء وأصيب بأزمة قلبية بعد أوان الورد

إبراهيم عبد المجيد: ركب الصعب ليقدم لنا فنًا راقيًا.. وعزت القمحاوي: نسينا أنه واحد من أصحاب الكلمات الرشيقة في المقال

يسري نصر الله: موهبته وإحساسه بالناس كانت أقوى من أي قمع.. أحمد فوزي: كان نصيرا للتحرر والتقدمية ومؤمن بحق الإنسان في حياة كريمة

جمال عيد: كنا بنحترمك واحنا متفقين.. وبنحبك واحنا مختلفين.. البقية في حياة الملايين اللي حبوه وحبوا إبداعه

عبد الرحمن بدر

ودعنا اليوم السيناريست والكاتب الكبير وحيد حامد أحد أهم المبدعين في تاريخ السينما والتليفزيون، لكنه أعماله ستظل باقية لتستمتع بها الأجيال المتعاقبة، فخلال عقود مضت قدم الكثير من الأعمال الشهيرة، لأنه أخلص لمشروعه وفنه، فنال احترام وحب الجميع حتى من اختلفوا معه، ليبقى رحيله خسارة كبيرة للفن في مصر والوطن العربي لكن عزاء محبيه أن المبدعين لا يرحلون وإن غابت أجسادهم عن عالمنا.. لذلك أعددنا هذا الملف ونحن نودع أحد أعمدة السينما والدراما في العقود الأخيرة:

جملة الحوار تتفوق على عناصر اللغة السينمائية الأخرى:

وحيد حامد هو الوحيد الذي تتفوق عنده جملة الحوار على كل العناصر الأخرى في العمل الفني، فعندما تشاهد الإنسان يعيش مرة واحدة أو اضحك الصورة تطلع حلوة أو طيور الظلام أو كشف المستور والإرهاب والكباب وغيرها من أعمال متميزة تدرك أن الحوار هو البطل حتى في وجود عمالقة أمثال عادل إمام وأحمد زكي أو أحمد راتب ويسرا يبقى الحوار في المرتبة الأولى، وهي سابقة لم يصل لها كاتب من قبل.

وربما ساعد وحيد حامد في كتابة حوار قوي وكلمات منسوجة بعناية أن بدايته كانت في الإذاعة من خلال عدة مسلسلات كتبها من بينها طائر الليل الحزين الذي تحول لفيلم سينمائي حمل نفس الاسم فيما بعد، وقانون ساكسونيا الذي تحول لفيلم حمل اسم الغول بعد ذلك.

ولأن الإذاعة تعتمد على الصوت وجملة الحوار وبعض المؤثرات الصوتية فقد تميز حامد بأنه صاحب كلمات لها وقع مختلف، يحفظها الناس ويرددونها في الشوارع والأماكن الراقية والحارات الشعبية.

مع الوقت استطاع وحيد أن يطور من من أدواته وابتعد عن المباشرة ولغة الخطاب التي ظهرت في بعض مشاهد العائلة مثلا، لنجد في مسلسل مثل بدون ذكر أسماء وقد وصل إلى درجة من الدهشة والمتعة، فحتي الجمل والأفكار التي أراد توصيلها زرعها بخفة وسط المشاهد وعلى لسان بعض الأبطال، وكانت النتيجة تحفة فنية نادرة، ونفس الشيء يمكن أن نلحظه في أعمال أخرى كثيرة ولعل أبرزها وأقربها إلى قلب الكاتب (اضحك الصورة تطلع حلوة).

بحبكم وحبيت أيامي.. رسالة وداع في الظهور الأخير

“بحبكم وحبيت أيامي وأمنيتي مصر تفضل منورة بالفن والسينما”، كانت هذه هي كلمات وحيد حامد في آخر ظهور الأخير الشهر الماضي أثناء تكريمه بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي وقبل أقل من شهر على رحيله.

كان الراحل وحيد حامد، الوجه الأبرز، وتم تكريمه واستقباله بحفاوة شديدة، أمام جموع من الفنانين والكتاب وغيرهم من المثقفين، وبكى كثير من الفنانين والحضور أثناء تكريم المبدع الكبير وسط تصفيق حاد استمر عدة دقائق.

وقال وحيد حامد في كلمته أثناء تكريمه: “أنا بشكر حضراتكم جدًا، علشان انتوا من عشاق السينما، إلى أنا حبيتها بقدر كبير جدًا من الإخلاص والتفاني، وأعتقد إن أنا ممكن تفتكروني بأفلام أسعدتكم بقدر ما، أنا بشكر كل الذين تعلمت منهم، وكل واحد اتعلمت منه أو علمني، هما كتير علشان المشوار طويل، وكان من الصعب جدًا، إن أنا أقف في مكاني ده لولا حبكم، ولولا دعمكم، ولولا حبكم للسينما وللمخلصين للسينما”.

وتابع: “أنا بشكر فرسان وقفوا جنبي في مشواري الطويل، أسماء عظيمة في مجال التمثيل والإخراج والنقد، تحية للراحل يوسف شريف رزق الله، إلى اتعلمنا، أنا أذكر أنه أول واحد اصطحبني إلى مهرجان كان لمدة سنوات طويلة وكان صاحب فضل كبير جدًا”.

وأضاف: “”أذكر من أصحاب الفضل مصطفي أبو حطب اللي علمني أكتب كلمة حوار، أشكر المنتج والمؤلف المسرحي سمير خفاجة صاحب الفضل عليا، يا جماعة أنا حبيت أيامي، علشان اشتغلت مع نجوم كبار ومحترمين، أنا عشت في زمن جميل، زمن فيه صلاح منصور، وأمينة رزق، ومحمود مرسي، واشتغلت مع مخرجين كبار أفادوني واتعلمت منه سمير سيف وعاطف الطيب، انا لو عديت النجوم الكبار الي اشتغلت معاهم، يسرا، نبيلة، نادية، منه، مني، أنا الحمد لله عشت أجيال متعددة وليا صديق الى شاركني اغلب افلامي أستاذ شريف عرفة وطول عمره كان سند قوي جدا بالنسبالي”.

واختتم حامد حديثه قائلاً: “لو انا ذكرت كل الناس، مش هفتكر، أنا بحبكم جدا وحبيت أيامي وأنا عايش في السينما الجميلة، وأتمنى للكل التوفيق والنجاح، وتفضل مصر منوره بالفن والسينما الجميلة”.

يعد وحيد حامد أحد أشهر نجوم الكتابة في مصر والعالم العربي، وتعاون مع كبار نجوم التمثيل والإخراج، وقدم للسينما عشرات الأفلام المميزة والمهمة، ودخل في معارك رقابية متعددة بسبب جرأة أعماله في مناقشة ورصد الواقع.

ومن أشهر أفلامه: طيور الظلام، والبريء واضحك الصورة تطلع حلوة والغول وكشف المستور، وعمارة يعقوبيان.

وتم تكريمه في الدورة الـ42 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي انقضت فعالياتها قبل أيام، وحصل على جائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر، وهو التكريم الذي أسعده، وأهداه لكل من ساعدوه ووقفوا إلى جواره في بداية المشوار.

صراع مبكر مع الرقابة:

خاض المبدع الكبير الراحل وحيد حامد العديد من المعارك مع الرقابة، وقدمت الكثير من أعماله استشرافًا للمستقبل، وصارت جمل الحوار بالعديد من أعماله أمثله يرددها الناس في الشارع، مثل أنت ابن مين في مصر، وإحنا غلابة قوي يا سيد، وغيرها.

بدأ حامد صدامه مع الرقابة في فيلم “الغول” بطولة عادل إمام وفريد شوقي ونيللي بسبب الحديث عن دعوة الفيلم لحدوث ثورة في البلد، ولجوء البطل إلى الحل الفردي للدفاع عن الضحايا بعدما عجز عن أخذ حقهم بالقانون، كما أن مشهد مقتل الفنان فريد شوقي تم تشبيهه بمشهد مقتل الرئيس الراحل أنور السادات في المنصة، وأن الكاتب يريد أن يقول بأن السادات يستحق ما حدث له، لكن وحيد حامد نفى في وقت لاحق قصده السادات في المشهد الشهير، وأن التشابه جاء بالمصادفة.

في فيلم البرئ 1986 تحدث وحيد حامد عن القمع وانتهاك حرية الإنسان، من خلال شخصية أحمد سبع الليل الفلاح البسيط الذي يدخل الخدمة العسكرية، لينقل لنا وحيد حامد وعاطف الطيب صورًا جرئية أثارت غضب جهات سيادية من بينها وزارة  الدفاع، وتدخلت الرقابة لحذف العديد من مشاهد الفيلم.

كانت البداية اعتراض من وزارة الدفاع، بعد أن تقدّم أحد الأشخاص بشكوى يتهم فيها صناع الفيلم بتصويره داخل معتقل حقيقي، وهو ما يعد إفشاءً لسر عسكري، وبعدها طالبت أيضًا وزارة الداخلية منع العمل، بحجة أن أبطاله يرتدون نفس الملابس التي يرتديها جنود وضباط الأمن المركزي. وظل الفيلم ممنوعًا من العرض لسنوات عديدة، قبل أن يتم عرضه كاملا بعد ثورة 25 يناير.

في فيلم كشف المستور دخل الكاتب منطقة شائكة فجميع الأفلام التي كانت تتحدث عن انحرافات المخابرات والأجهزة الأمنية في عصور زمنية سابقة، لكن المفاجأة في هذا الفيلم أن الأزمة التي تتعرض لها البطلة نبيلة عبيد تقع في زمن معاصر، وأن الأجهزة تريد أن تعيد تجنيدها للإيقاع بشخصية هامة لممارسة الجنس معه، وهنا يبدأ الصراع الذي ينتهي بمقتلها، وخلال الفيلم نرصد عالمًا من الاستغلال واتخاذ الدين غطاء لتحقيق أرباح.

ويتطرق الفيلم للعبة التسريبات وكيف يتم استخدامها مع الخصوم السياسيين، وذلك على لسان يوسف شعبان بقوله: “كلنا لينا تسجيلات بس بتظهر في وقت معين محدش فينا من غير أخطاء”.

وفي 2006 شكل مجلس الشعب لجنة برلمانية لتقييم فيلم “عمارة يعقوبيان” أثناء عرضه في يوليو 2006، بعد أن تقدم 112 نائبًا بطلب إحاطة، يطالبون فيه بوقف عرضه لاحتوائه على مشاهد جنسية صارخة تنافي القيم الأخلاقية للمجتمع المصري، بحسب قولهم.

“أنا موظف مزلقان غلبان لو حصل أي مصيبة هشلها أنا، أنا من الشعب يا ست هانم أنا مش منكم”، بهذه الكلمات لخص السيناريست وحيد حامد حوادث القطارات في مصر، على لسان عادل إمام في فيلم “المنسي” وهي الواقعة التي تكررت في أغلب حوادث القطارات في السنوات الأخيرة، حيث يتم تحويل بعض العمال ليكونوا كبش فداء وترك المسؤولين الكبار.

في مسلسل العائلة تعرض وحيد حامد لهجوم عنيف بسبب جملة حوار عن عذاب القبر، قالها محمود مرسي، وتدخل وزير الإعلام وقتها صفوت الشريف، وتم إضافة مشهد لشيخ أزهري يشرح المسألة كحل لاستئناف عرض المسلسل.

أصيب الكاتب الكبير وحيد حامد عام 2000 بمرض القلب، بسبب الضغط الكبير والهجوم الذي تعرض له في بسبب مسلسل “أوان الورد”.

حيث ناقش المسلسل قصة فتاة مسيحية تحب مسلم وتتزوج منه” أدت بطولته الفنانة يسرا وعبدالرحمن أبوزهرة وسميحة أيوب وتولي إخراجه سمير سيف، ثار رجال الدين المسيحي على وحيد حامد وقالوا إنه يحرض الفتيات المسيحيات على الحب والزواج من مسلمين، وانتهت الأزمة بتدخل البابا شنودة الذي أقنع الغاضبين أن المسلسل لا يسئ للمسيحيين.

نبؤات تتحقق بعد سنوات:

للمبدع الراحل الكثير من النبؤات التي تحققت ففي فيلم طيور الظلام بتسعينيات القرن الماضي توقع أن يدخل يقبع رموز نظامي حسني مبارك والإخوان السجن في وقت واحد، وهو ما تحقق بعد 30 يونيو 2013.

ويحكي فيلم طيور الظلام عن ثلاثة أصدقاء منذ الطفولة، أصبحوا فيما بعد محامين: فتحي نوفل (عادل إمام) يتحول من صاحب موقف إلى انتهازي قافز على سلالم الفرص المتنوعة، وأهمها المالية، ليصبح مدير مكتب أحد الوزراء النافذين بالحزب الوطني الحاكم، فيغنم ويصبح شهيرا بعد أن كان يجهد ليحصل على لقمة العيش، أو ”غير ذلك” من المتع.

وعلي الزناتي (رؤياض الخولي) الذي يعمل محاميًا لدى الجماعات الدينية، ومحسن، الذي يتمسك بمبادئه ويرفض أن يشارك في أي من عمليات الخداع أو النصب، ورغم التناقض الشديد إلا أن علاقة الصداقة بينهم لم تنقطع.

واعترض الإخوان على الفيلم وتم رفع دعاوى قضائية ضد وحيد حامد وضد العمل.

وفي فيلم النوم في العسل، تنبأ حامد بالتظاهر أمام البرلمان والصراخ بكلمة (آآآه) وهو الهتاف الذي تحقق في نفس المكان بعد عدة سنوات عقب ثورة 25 يناير بطريقة مقاربة تمامًا للطريقة التي تم عمل الفيلم بها، وحكي وحيد أن التصوير كان مقررًا له أن يكون في ميدان التحرير لكن دواعي أمنية منعت ذلك.

وعقب 30 يونيو زار وفد من حقوق الإنسان سجن طرة لتفقد أحوال المحبوسين، وكانت المفارقة تكرار مشهد الإشادة بالطعام وتناول الأرز بنفس الطريقة والكيفية التي قدمها وحيد وعاطف الطيب في فيلم البريء، وهي الواقعة التي أثارت وقتها الكثير من الانتقادات، وتم تداول صورًا من الفيلم والواقعة لتبين حجم التشابه بينهما.

ومع بداية أزمة الوباء الذي نعاني منه العام الماضي لجأ متابعون على مواقع التواصل لفيلم النوم في العسل، وطريقة تعامل وزير الصحة في ذلك الوقت مع الأزمة بالفيلم، مع طريقة تعامل المسؤولين.

وزير الصّحة (نظيم شعراوي) في خطابه داخل الفيلم أنكر فيه ما يشاع عن القدرة الجنسية للمصريين، ويلجأ للحديث عن نظرية المؤامرة ونشر الشائعات، ويطالب بالوقوف أمام المرأة وترديد أنا كويس أنا زي البمب أنا زي الحديد وترددها 3 مرات في الفيوم.

أمام ضابط المباحث عادل إمام فيمرّ بعطّار يبيع خلطة سريّة (من الفول السوداني وجوزة الطيب والجنزبيل والقرفة) يُوهم بها الناس أنّ لها مفعول السّحر، وينتهي به الحال عند دجّال يبيع للناس “ريش دجاج” بـ 20 جنيه. أمّا العيادات، فقد غصّت برجال منكوبين أمام ذكورة تتسلّل من بين أيديهم.

فنانون وكتاب وشخصيات عامة ينعون (آخر الرجال المحترمين):  

نعى عدد من الفنانين والروائيين والشخصيات العامة الكاتب والسيناريست الكبير وحيد حامد.

نجله مروان حامد، كتب في صفحته الرسمية بـ”فيس بوك”: “إنا لله وإنا إليه راجعون. تُوفي إلى رحمة الله- تعالى- أبي الغالي الكاتب الكبير وحيد حامد. البقاء والدوام لله وحده”.

وقال الأديب إبراهيم عبد المجيد: “وحيد حامد يترجل هو الذي ركب الصعب ليقدم لنا فنا راقيا.. وحيد حامد يرحل ليمتلئ الفراغ بالذكريات من أفلامه ولقاءاته وكتاباته.. يارب تغمده برحمتك لقد أسعد الملايين عبر الزمان وسيظل يسعدهم.. إذا كنت ناسيًا أو لم تعاصر وحيد حامد منذ بداياته بفيلم طائر الليل الحزين عام 1977 فادخل علي ويكيبيديا وانظر كم الأفلام والمسلسلات والمتثيليات الإذاعية والمسرحيات وموضوعاتها الجريئة وسيقف أمامك سؤال (شوف كنا فين وبقينا فين ياقلبي)”.

فيما قال الروائي عزت القمحاوي: “لم يكن كاتب دراما متميزًا فحسب، لكن الصحافة ماتت قبله فنسينا أنه واحد من أصحاب الأقلام الرشيقة في المقال، كتب في كل ما يهم الناس، وآخر قضاياه الكبيرة كان كشفه شبكات الفساد في مستشفى التبرعات الفخم، وأغلقت القضية على صديدها، ثم غمر الصمت كل شيء”.

وعبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي، نعت الفنانة هند صبري الكاتب الراحل قائلة: “أهم مؤلفي السينما العربية عبر خمسين عاما. عبرت أعماله عن كل قضايا الانسان العربي. وهو واحدا ممن جعلونا نحب السينما. شرفت بالعمل معه وقبلها كنت من عشاق أعماله، رحم الله الاستاذ #وحيد_حامد وخالص العزاء لأخي مروان حامد والأسرة الكريمة وأسرة الفن العربي كله”.

أما الفنانة كنده علوش فقد قالت: “البقاء لله في الأستاذ العظيم وحيد حامد المبدع الكبير الذي فتح بكتاباته للسينما العربية آفاق جديدة ومختلفة وخلف وراءه روائع خالدة لن تنسى.. الأستاذ وصاحب الفكر التنويري الذي نهل منه كل صناع وعشاق السينما في مصر والعالم العربي.. عزائي لابنه الصديق الأستاذ مروان حامد ولكل محبيه وعشاقه”.

وقال المخرج يسري نصر الله: “مافيش كلام يقدر يعبر عن إحساسي بخسارة وحيد حامد.. حزن؟ أكيد. بس هي حاجة بتتجاوز الإحساس بالحزن. زي فقدان بوصلة أو فقدان توازن.. واحد كان بيديني إحساس بالقوة لما يكتب فيلم أو مسلسل ويتعمل وألاقي فيه كل إللي بيوجعني ويوجع ناس كتيرة، وألاقي الموهبة المهولة اللي بيحكي بيها الحاجات دي ويبقى مبهج، وذكي، ولامع، ودمه خفيف. حاسس بالدنيا وحاسس بالناس.. واحد وفي لأصدقائه، ووفي لكل الناس اللي حبت أعماله ومواقفه..واحد دخل في وجدان الناس بموهبته وفنه”.

وأضاف نصر الله: “وغصب عن أي حد كان وحيد حامد بيلاقي الطريقة إللي شغله وفنه يشوفوا النور، فنه وموهبته وكرمه عملوله أصحاب كتار جدا، وعملوله أعداء طبعا، كان بيعرف يسحقهم أو على الأقل يحيدهم بفروسيته، وحيد يمكن آخر واحد من الفنانين والمثقفين الكبار اللي موهبتهم وإحساسهم بالناس كانت أقوى من أي قمع، نوع من الفنانين اللي عاش زمن فيه الموهبة والفروسية يتعمل لهم ألف حساب. زمن كان لسة بيشوف وبيسمع.. مع السلامة ومعاك كل الحب يا وحيد.. يا أستاذ وحيد حامد”.

النعي تجاوز الفنانين والأدباء والمخرجين، فتأثير وحيد حامد امتد إلى كثير من الفئات.. لقد دخل الراحل قلوب كل المؤمنين به وبأعماله، ولن يخرج.

الإعلامي شريف عامر، قال في نعيه للراحل الكبير، “المشكلة أنهم لا يعوضون، يتركون مساحة لا يملؤها إلا الفراغ، ثم نهبط بالمعايير، ونرضى بقليل، ونبقى على افتقادهم و وحشتنا”.

 فيما قال جمال سلطان: “غادرنا الكاتب الفذ، صاحبته في سفرات وندوات فوجدته نقي القلب والضمير، صاحب البريء، والذي أهدانا عبارته الحالمة : إلى عشاق الحرية والعدالة في كل زمان ومكان، ولو كتب هذا السيناريو ورسالة ختامه هذه الأيام ، لصنفوه إرهابيا ، وقضى ما تبقى من عمره في سجن العقرب، يرحمه الله”.

الصحفي والكاتب أنور الهواري نعى الراحل قائلا: “أستاذنا النبيل الأصيل وحيد حامد عاش من أجل رسالة، ومات على مبدأ، ولقي وجه ربه معززًا مكرمًا، تقبله الله بوافر رحمته ومثوبته ومغفرته وبره وكرمه، وهذا عزاء خالص لأهله الأقربين وتلاميذه ومحبيه وجمهوره الكريم”.

الإعلامية إيمان أبو طالب قالت: “إنا لله وإنا إليه راجعون.. الأستاذ الكبير وحيد حامد في ذمة الله.. ما أصعب أن يرحل عن عالمك صاحب القلم الحر والرؤية الصادقة والفكر المستنير الذي يبني الأمم، الموت مشيئة الله وليس من الرحيل يد ليس في الفجيعة أقسى من الغياب، وليس في الغياب أوجع من رحيل القامات الحقيقية والصادقين في هذا الزمان.. لقد قلت يا أستاذ في تكريمك (أنا أحببت أيامي) ونحن أحببناك وأحببنا أيامك وقلمك وفكرك وصدقك في زمن عز فيه الصادقين”.

بينما قال محمود نصار: “وحيد حامد في أواخر لقاءاته التليفزيونية لما كان بيتسأل (ليه مش بنشوف لحضرتك أعمال مؤخراً؟).. الراجل كان بيجاوب بمنتهى الأريحية: (بحكم السن، أنا مَعين الكتابة نضب عندي خلاص).. كنت بحزن كل ما أسمع منه الإجابة دي لأني كنت بحس إنه بيرثي نفسه على الملأ..بس يشاء صاحب المشيئة إن ماتكونش دي أخر ما نفتكره بيه..ويختار لحكايته قفلة شبه كتاباته جداً..كأنه هو اللي كاتبها لنفسه..بجملة واحده فيها من الرقة والبساطه والذكاء تخليها تلمس قلبك وتشبط في دماغك ماتنسهاش..وتطمنك على بطل الحكاية إن قصته خلصت وهو راضي ومبسوط.. (أنا حبيت أيامي)”.

سياسيون وحقوقيون ينعون السيناريست الشهير:

ولم يتوقف نعي الكاتب الكبير عند حدود الروائيين والفنانين، وإنما امتد كذلك إلى الحقوقيين ورموز عدد من الأحزاب السياسية الذين عبروا عن حزنهم العميق لخسارة أحد أبرز صناع السينما.

مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، قال: “لروحة السلام، وداعًا الكاتب الكبير وحيد حامد، مبدع المنسي واللعب مع الكبار والإرهاب والكباب وطيور الظلام، وآخر الرجال المحترمين، وعشرات الأعمال الرائعة التي عبرت عن رسالة الفن والفنانين في معالجة وهموم الشعب والوطن”.

جمال عيد، المحامي الحقوقي، قال “الله يرحمك، كنت مبدع وفنان، كنت دايما بشوفه صنايعي سيناريو وبيفكرني بفؤاد حداد في الشعر، وفيه أجمل ما في كل إنسان مبدع، عنده موقف بيدافع عنه، سواء اتفق أو اختلف معه الآخرين.. وحيد حامد راح لعاطف الطيب ومحمد خان، كنا بنحبك ونحبهم، كنا بنحترمك واحنا متفقين. وبنحبك واحنا مختلفين.. البقية في حياة الملايين اللي حبوه وحبوا ابداعه.. مع السلامة يا استاذ وحيد.

وكتب الدكتور حسن نافعة: “حزنت لرحيل الكاتب الفنان وحيد حامد.. لم نلتقِ وجها لوجه ولكن كانت بيننا حوارات مطولة عبر الهاتف بين الحين والآخر، اتفقنا في أشياء كثيرة واختلفنا في أخرى ولكن الاحترام المتبادل ظل متصلا.. رحم الله وحيد حامد وغفر له واسكنه فسيح جناته.. عزاءي لأسرته ولاصدقاءه ومحبيه”.

المحامي الحقوقي أحمد فوزي، والأمين العام السابق للحزب الديمقراطي الاجتماعي، عبر عن صدمته في الرحيل قائلا: “جيل وحيد حامد، اه انا بعتبر نفسي من جيل وحيد حامد مولود أول السبعينات وطفلها، ومراهق الثمنينات، وشاب التسعينات، لم يكن وحيد حامد بالنسبة لجيلنا سينارست أفلام و مسلسلات فقط، بل كان شريك في رسم شخصيات تأثرنا بها كثيرًا، كان حوار وحيد حامد بالنسبة لي الأروع، من إبراهيم الطائر، وأحمد سبع الليل، وأبو المعاطي شمروخ، وخميس سفر الأحلام، لحد مولانا فى فيلم الأولة في الغرام، وبينهم أساطير تانية، كل جملة قالها على لسان كاركتر عنده كنت بستمتع بها، ولم يكن شعبويا، و نصير للتحرر و التقدمية، ومؤمن بحق الإنسان في حياة كريمة يعيش فيها بكرامته الله يرحمك، على قد ما حرضتنا على التفكير و المتعة و الانبساط”.

المهندس أكرم إسماعيل، عضو حزب “العيش والحرية – تحت التأسيس”، كتب يقول “دراما وحيد حامد كانت من أهم الشبابيك المفتوحة على الواقع الاجتماعي المصري من أرضية تقدمية.. وبلا أكليشهات أو حنين.. لكن النجاح مش بس في تقديم الدراما النقدية القاسية من إبراهيم الطائر للبريء للعب مع الكبار والنوم في العسل والمنسي ومعالي الوزير واضحك الصورة تطلع حلوة.. لكن النجاح في فرض ده على أهم نجوم السيما وإقناعهم إن ده مكانهم مش الهلس والحنجله.. واقناع الدولة وأجهزتها بترك المساحة دي لنقدها قدام الناس.. وحيد حامد فرض مشروعه على main stream سينما وانتزع مساحة من الأجهزة في صيغة تحسب له.. الفن والثقافة الجادة عشان يفرض نفسة للدرجة دي في واقع بائس وقمعي زى بلدنا عايز عقول مش بس فنانين.. عقول بتشوف الفرصة وتنتزعها بالموهبة والسياسة والتفاوض وتقنع بيها الجميع.. وحيد حامد هو أحد أهم هذه العقول في الأربع عقود اللي فاتوا إن لم يكن اهمهم.. لكن كل حاجه بنت زمنها وتقييم الناس لازم يتحدد بزمنها مش بأداءها في أزمنة لم تعد تناسبها.. وداعا يا عم وحيد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *