أجور عادلة وحقوق وحماية قانونية وضمانات جدية: ماذا يريد العمال من الحوار الوطني؟

ضوابط للفصل و تفعيل الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصرووضعها داخل قانون الحريات النقابية


توحيد قوانين وحماية ضرورية للعمالة غير المنتظمة.. وتحديد الحد الأدنى للأجور سنوياً بقانون ملزم لكافة وتعديل قوانين التأمينات


مشاركة النقابات العمالية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني ومختلف أطياف الأطراف ‏الاجتماعية


وقف التصفية وزيادة المعاشات بما يناسب معدلات الغلاء والمحاكم العمالية والإفراج عن المحبوسين.. مطالب غير قابلة للمساومة

كتب- عبد الرحمن بدر

ألقت أزمات الشطب والاستبعادات والانتهاكات التي شهدتها انتخابات النقابات العمالية مؤخرا بظلالها على المشهد العمالي الحالي، حيث جاءت متزامنة مع أزمات أخرى يشهدها القطاع بين سياسات فصل وتشريد وخصخصة وبيع أصول دولة، وحبس عدد من العاملين، فضلا عن الإشكاليات المستمرة بشأن القوانين المنظمة للعمل، في الوقت الذي طرح سياسيون وممثلون للعمال والنقابات والمنظمات رؤيتهم بشأن آليات حل مشاكل القطاع، كضمانات لإثبات جدية الحوار الوطني الذي دعت إليه الرئاسة.

الاتحاد “الرسمي” ترحيب على طول الخط

جبالي المراغي رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر الذي تلقى دعوة رسمية لحضور الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال حفل إفطار الأسرة المصرية، اعتبر أن مشاركة الاتحاد “شبه الحكومي” تثمين لدور المنتمين إلى التنظيم العمالي، وتأكيد لمكانتهم في “الجمهورية الجديدة”، ورغبة “صادقة” في المشاركة الفعالة بين “الأطراف الوطنية”، لوضع أسس وآليات تضمن مجالاً عاماً آمناً ومستقراً تُحل فيه مشكلات الفئات والطبقات كافة من خلال آليات التفاوض والحوار الاجتماعي.

الانتهاكات التي شهدتها الانتخابات النقابية – التي وثقها مرشحون وأحزاب ومنظمات مهتمة بالشأن النقابي والعمالي – والتي اقترب عدد الطعون المقدمة في مرحلتيها من 2000 طعن، بعثت ببوادر تشكك بين صفوف العمال بشأن جدية تمثيلهم في الحوار الوطني، بعد استبعاد عدد كبير من ممثليهم بالفعل بفعل الشطب والاستبعاد والتهديدات الأمنية، حسبما أوضح كثير منهم، في الوقت الذي رأى المراغي، في حديث سابق له، أنها “جرت في ظل مناخ ديمقراطي، وتم السماح فيها للعمال باختيار ممثليهم بحرية ودون توجيه”، حسب قوله.

عقبات على طريق “التمثيل” والحريات النقابية
في الوقت الذي أكدت منظمات نقابية وعمالية وأحزاب سياسية وممثلون للعمال أهمية وجود حوار حقيقي بشأن أوضاع العمال، يستعرض همومهم وشواغلهم ويستهدف حلها، طالبوا بعدد من الضمانات لتوفير بيئة عمل آمنة لعشرات الملايين من أبناء القطاع وأسرهم، والمضي قدما في سبيل حصولهم على حقوقهم وضمان استدامتها.

دار الخدمات النقابية والعمالية شددت على ضرورة وجود ضمانات فعلية لتأكيد جدية الحوار، من بينها مشاركة النقابات العمالية والمهنية، ومنظمات المجتمع المدني، ومختلف أطياف الأطراف ‏الاجتماعية، وتمثيل أبناء القطاع بشكل حقيقي، دون احتكار من الاتحاد شبه الحكومي لتمثيلهم بزعم أنه ‏الأكبر، بينما يأتي تضخمه – من العضويات الأوتوماتيكية ‏وشبه الإجبارية، وتدخل بعض الأجهزة الحكومية لحمايته، وإكراه المنظمات النقابية على الانضمام ‏إليه.‏

وأوضحت الدار – في بيان صادر عنها بشأن الدعوة للحوار الوطني – أن المنظمات النقابية العمالية المستقلة التي يكونها العمال لا يمكن أن تكون بحال ‏مصدراً لتهديد الأمن القومي، بل أنها على العكس من ذلك ألية هامة من آليات تحقيق السلم والأمن ‏المجتمعيين من خلال الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية، بل إن تهديد أو ترويع النقابيين أو ‏حرمانهم من حقهم في الترشح للانتخابات هو ما يضر بالأمن القومي والسلام المجتمعي.‏

تكوين المنظمات النقابية بحرية وإزالة كافة القيود والمعوقات القانونية ‏والإدارية التي تحول دون ممارسة هذا الحق كاملاً غير منقوص، ضرورة غير قابلة للمساومة أو التأخير، وفي هذا الصدد طالبت الدار تعديل ‏قانون المنظمات النقابية العمالية رقم 213 لسنة 2017 لتنقيته من بعض النصوص المأخوذة عن ‏القانون الملغى والتي تنتقص من الحريات النقابية، ونؤكد أيضاً على المطالبة بامتناع السلطات ‏والأجهزة الحكومية عن التدخل في الشأن النقابي.‏

اتحاد أمانات العمال، الذي يضم أمانات العمال في عدد من الأحزاب، فضلا عن قيادات نقابية وعمالية، طرح رؤيته بشأن الخطوات التي من شأنها التأكيد على جديدة الحوار، مشيرا إلى أن وجود حوار حقيقي يستلزم بالضرورة وجود ممثلين يعبرون عن أطراف الحوار، ولهذا الحرية النقابية ضرورة لا غنى عنها.

وأضاف الاتحاد، في بيان مشترك عن ممثليه، أن ذاك يترتب عليه تعديل قانون النقابات العمالية رقم 213 لسنة 2017 وتعديلاته، بما يوفر معايير الحريات النقابية التي أقرتها اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي وقعت عليها مصر، ووقف جميع أشكال التدخلات الإدارية في الشأن النقابي ووضع كل معايير الرقابة اللازمة لتوفير الحريات النقابية والرقابة على الأداء النقابي.

الكاتب الصحفي والمنظم العمالي، وعضو أمانة العمال في التحالف الشعبي الاشتراكي، وائل توفيق، يرى أن التشريعات التي تنظم شؤون العمال، القانون الحالي أو المشروع المقدم للتصديق عليه ‏يتسمان بانحياز شديد لأصحاب العمل، ولا يراعيان الظروف الاقتصادية والاجتماعية للعمال، على ‏الرغم من أنهم الطرف الأضعف داخل العملية الإنتاجية،.

يضيف القيادي في “التعاونية القانونية لدعم الوعي العمالي”: “نحتاج إلى تفعيل الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، ووضعها داخل قانون الحريات النقابية ‏‏213 لسنة 2017، الخاص بالتنظيمات النقابية، وعلى الرغم من أنه يحمل عددا من المكاسب ‏الصغيرة، إلا أنه العديد التعديلات التي من شأنها توسيع مجال الحركة النقابية وعملها بحرية أكبر، ‏وعلى رأسها رفع يد الجهة الإدارية الممثلة في وزارة القوى العاملة.”.

يتطرق توفيق إلى أهمية فتح مساحات أفضل للمفاوضة الجماعية للعمال، بحيث تكون اللجان النقابية المصنعية هي ‏ممثلتهم الحقيقية، بالإضافة إلى اعتماد تأسيس اللجان النقابية بالإخطار، مع تعديل التشريعات الخاصة باللائحة التي أصدرها وزير قطاع الأعمال مؤخرا، التي تخص شركات قطاع الأعمال، ‏والتي عمدت إلى تقليل عدد ممثلي العمال في مجالس الإدارات، فضلا عن انتقاص العديد من ‏حقوقهم ومن بينها الحق في نسبة من الأرباح، أو الحق في الحافز أو الزيادات السنوية، أو حتى منحهم ‏الأمان الوظيفي، الذي من المفترض أن يضمنه قانون العمل أيضا، ويغل أيدي أصحاب الأعمال من ‏سياسات التخلص من العاملين.

توحيد قوانين وحماية ضرورية للعمالة غير المنتظمة

دعا اتحاد أمانات العمال إلى اعتماد قانون عمل موحد يجمع كل فئات الطبقة العاملة بما يحفظ المبادئ التي نص عليها الدستور، في الوقت الذي طالبت دار الخدمات بإلغاء القيود والشروط التعجيزية التي يضعها قانون العمل الحالي ومشروع القانون المقدم من الحكومة على ممارسة حق الإضراب، رغم الإقرار بحق العمال فيه تماشياً مع الدستور، ونزولاً على الاتفاقيات الدولية الموقع عليها من الحكومة المصرية

وبشأن قانون للعمل، أكدت دار الخدمات ضرورة أن يكفل للعمال المصريين الأمان الوظيفي والأجر العادل الذي يكفي احتياجاتهم الأساسية، وحقهم ‏في علاوة دورية سنوية لا تقل عن 7% من أجرهم الشامل، رافضة الاستجابة لجنوح أصحاب العمل إلى ‏استخدام العاملين بعقود مؤقتة دون قيد أو شرط.

وطالبت أيضا بالنص على عدم جواز إبرام عقد العمل لمدة محددة إلا ‏فى حالة القيام بأعمـــــــال مؤقتة أو عرضية أو موسمية، كما نرفض إفراد نصوص قانونية لتنظيم إنهاء علاقة العمل من ‏جانب صاحب العمل والعامل خلافاً للنصوص التي تنظم أحكام الفصل والاستقالة.‏

كما طالبت الدار – التي سبق لها التقدم بمشروع قانون للعمالة المنزلية تبناه 66 نائباً من أعضاء مجلس النواب – بسريان القانون على العمالة المنزلية المستبعدة من نطاقه أو سن قانون منفصل ينظم علاقات عمله،

وتابعت: “هناك ضرورة لتوفير الحماية القانونية والاجتماعية للعمالة غير المنتظمة، التي يبلغ تعدادها أكثر من 13 مليون عامل، خاصة أن الآلية التي ينص عليها قانون العمل الحالي ومشروع القانون المقدم من الحكومة لم تُجدِ نفعاً في توفير هذه الحماية، ولم تقدم لها شيئاً لأبناء هذه القطاع سوى عدد من الإعانات التي يتم صرفها في أضيق الحدود لعدد محدود جداً من العاملين، حيث يبدو الأمر للأسف وكأن الشغل الشاغل للحكومة هو تحصيل الرسوم المقررة من أصحاب العمل، دون أن تقدم حلاً للمشكلة الأكبر والأهم فى هذا الصدد، وهي كيفية احتساب وتسجيل أيام العمل الفعلية التي يعملها العمال غير المنتظمون لدى أكثر من صاحب عمل واحد ؟، لكي يمكن توفير الحماية القانونية، والمظلة التأمينية لهم”.

وربما يبدو إصدار قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2183 لسنة 2020 تشكيل اللجنة الوزارية لحماية العمالة غير المنتظمة التي تضم في عضويتها ممثل عن كل من وزارة القوى العاملة، ووزارة المالية، ووزارة الصحة والسكان، وهيئة الرقابة الإدارية، والهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، والهيئة المصرية لسلامة الملاحة البحرية، وعدد من الخبراء، وتترأسها وزيرة التضامن الاجتماعي، أمراً داعياً للتفاؤل، إلا أننا لم نشهد دوراً فعالاً لهذه اللجنة في أعقاب اجتماعاتها المبكرة وإقرار استراتيجيات عملها، بحسب الدار، التي دعت إلى تمكين العمال غير المنتظمين من تكوين منظمات نقابية فاعلة تدافع عن حقوقهم، وتتبنى مطالبهم.

الحد الأدنى للأجور.. حق “مع وقف التنفيذ” ومقايضة بالعلاوة

خلال سبتمبر الماضي، تم التوافق من خلال المجلس القومي للأجور على تطبيق الحد الأدنى للأجور على العاملين بالقطاع الخاص بما قيمته 2400 جنيه شهرياً، غير أن ذلك قد انطوى عدد من الإشكاليات أبرزهاأن التوافق على الحد الأدنى للأجور رغم أنه قد عُد إنجازاً -كونه يحدث للمرة الأولى- إلا أنه قد تم فيما يبدو بما يشبه المقايضة حيث ترافق مع خفض العلاوة الدورية إلى ( 3% ) من الأجر التأميني· على خلاف ما ينص عليه قانون العمل الحالي، وهو ما استتبع تقدم الحكومة بتعديل لمشروع قانون العمل المقدم منها لخفض العلاوة الدورية، حيث يرفض عمال القطاع الخاص هذا التعديل.

قرار المجلس القومي للأجور بالحد الأدنى للأجور تضمن حق أصحاب العمل في التقدم بطلب استثناء منشآتهم من تطبيق الحد الأدنى للأجور إذا كانت وأوضاعهم الاقتصادية لا تحتمل تطبيقه، ما ترتب عليه استثناء أكثر من 3 آلاف منشأة من تطبيقه، شملت على الأخص المنشآت كثيفة العمالة، والمنشآت المُصدرة لمنتجاتها، وفقا لدار الخدمات.

في مطلع العام الحالي، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا برفع قيمة الحد الأدنى للأجور إلى 2700 جنيه، إلا أنه لم يتم تفعيل القرار سوى على العاملين في الجهاز الحكومي والإداري، بينما ما يزال القطاع الخاص لم يشهد تطبيق الـ2400 السابقة بعد.

من هذا المنطلق، دعت الدار إلى تحديد الحد الأدنى للأجور سنوياً بموجب قانون ملزم لكافة الأطراف بتطبيقه على أن يكون عادلاً كافياً للوفاء بمتطلبات المعيشة الأساسية يتناسب مع زيادة أسعار السلع والخدمات الأساسية، ويعاد النظر فيه بما يتلاءم مع معدلات التضخم.

اتحاد أمانات العمال بدوره طالب بتفعيل المجلس القومي للأجور والأسعار، ليقوم بدوره في تحديد الحد الأدنى للأجور ونسبة العلاوات الدورية التي يجب أن يصرفها العمال في كل قطاعات التشغيل، وإلزام القطاع الخاص بصرف الزيادات المقررة للأجور والعلاوات الدورية والاجتماعية.

يوضح وائل توفيق أن قرارات الحد الأدنى للأجور على جميع العاملين بأجر في مصر، التي على الرغم من رفعها إلى 2700 جنيه في ‏الفترة الأخيرة، إلا أنها ما تزال لا تمثل الحد الأدنى من احتياجات الأسرة المصرية في ظل الارتفاعات المتواصلة للأسعار، ‏خاصة ما يتعلق بالسلع والمواد الأساسية، كما أن عدم تطبيق هذه القرارات ذاتها على شركات القطاع الخاص والعاملين بها، ‏وحصرها على العاملين في الجهازين الحكومي والإداري يعد ظلما واضحا للعاملين في القطاع الخاص، وقد يؤدي بدوره إلى ‏اضطرابات شديدة في المستقبل.‏

تعديلات التأمينات والمعاشات.. أمان وظيفي “غائب”

في مصر، هناك 13,6 مليون شخص مؤمن عليهم اجتماعيا، بينما توضح بيانات منظمة العمل الدولية أن 63٪ من القوى العاملة تعمل في الاقتصاد غير الرسمي، المحروم من أي حماية تأمينية أو قانونية.

دار الخدمات شددت على ضرورة تعديل قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019، وسرعة مناقشة مشروع القانون بتعديله، الذي أعدته وقدمه إلى مجلس النواب ستون نائباً من نوابه.

ووفقا لمشروع الفانون المقدم بالتعديل- فإن الكثير من العاملين غير المنتظمين الذين بلغوا سن الخامسة والستين تضرروا بعد إعمال قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019 من إلغاء القانون رقم 112 لسنة 1980 دون أن يقدم القانون الجديد بديلاً لكفالة الحماية التأمينية ولو في حدها الأدنى.

وأشار المشروع إلى صعوبة توافر مدة اشتراك في تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة لا تقل عن 120 شهراً فعلية على الكثيرين من العاملين عملاً غير منتظم، خاصة في ظل الصعوبات التي اكتنفت عملية تسجيل العمالة غير المنتظمة لحصولهم على المنحة التي تقررت لهم إزاء أزمة جائحة كورونا، على الرغم من تضافر جهود العديد من الأجهزة التنفيذية للقيام بهذه العملية.

لذا طالبت الدار باستثناء فئات العمالة غير المنتظمة من شرط توافر مدة اشتراك فعلية 120 شهراً على الأقل لاستحقاق المعاش.

واستطردت: “نصوص القانون في شأن المعاش المبكر تنطوي على عوار يستوجب المعالجة، فمن غير الجائز في أي حال أن ينص القانون على أحقية بعض العاملين في استحقاق المعاش المبكر ثم يضع شرطاً يحول عملياً دون هذا الاستحقاق”.

وفي ذلك، يتناقض القانون مع قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 فيما تضمنه من تشجيع للعاملين الخاضعين لأحكامه على إنهاء خدمتهم بنظام المعاش المبكر بعد تجاوزهم سن الخمسين وتحفيزهم على ذلك بإضافة 5 سنوات إلى مدة اشتراكهم في نظام التأمين الاجتماعي.

الممارسة العملية أثبتت على أرض الواقع الإشكالية التي تثيرها هذه النصوص، فعدد من شركات قطاع الأعمال العام التي تقرر تصفيتها واجهت إجراءات تصفيتها تحدياً كبيراً، حيث الأغلبية الساحقة من عمالها الذين يتم الاستغناء عنهم لا يُستحق لهم معاشٌ وفقاً لأحكام قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019، وكشفت إجراءات صرف تعويض شهري عن المعاش، عن عوار أحكام القانون في هذا الصدد.

مؤخرا تزايدت الأعباء الاقتصادية على العمال وأسرهم، بعد تعويم الجنيه المصري للمرة الثانية، والزيادات المتواصلة في أسعار السلع والاحتياجات الأساسية، بالإضافة إلى زيادة أسعار الوقود.

ويرى ممثلو الأحزاب والمنظمات العمالية والنقابيون في اتحاد أمانات العمال، أن الحوار الحقيقي يستلزم بالضرورة مناقشة الأوضاع الحياتية التي تزداد سوءاً يوم بعد يوم لأصحاب المعاشات، وما يتطلبه ذلك من زيادة المعاشات بما يناسب معدلات الغلاء وارتفاع الأسعار.

ودعا الاتحاد إلى رفع قيمة معاشات “تكافل وكرامة”، مع قانون التأمينات الاجتماعية رقم 148 لسنة 2019 وما يتضمنه من مشاكل اتضحت مع بدء التطبيق، وعلى رأسها وضع فترة انتقالية لتطبيق القانون لا تقل عن 5 سنوات وحل مشاكل المعاش المبكر وحقوق العمال وكذلك مشاكل التأمين على العمالة في القطاع غير المنظم.

المحاكم العمالية والإفراج عن المحبوسين.. مطالب غير قابلة للمساومة

التعسف والفصل والحرمان من المستحقات والأجور، وصولا إلى الحبس، أزمات مستمرة يعاني منها العمال، قادت إلى تشريد الآلاف وضياع مستقبل أسرهم، بل قادت بعضهم إلى الانتحار، على غرار عاصم عفيفي، العامل في شركة يونيفيرسال، الذي تراكمت عليه الديون، في الوقت الذي تهربت الشركة من منحه مستحقاته المالية، وهي الأزمة التي واجهها العديد من زملائه، وآخرين في شركات أخرى.

في هذا الصدد، أعادت دار الخدمات التأكيد على مطالب إصلاح مرفق القضاء التي تبنتها العديد من القوى السياسية، حيث رحبت بتشكيل المحاكم العمالية الوارد في مشروع قانون العمل المقدم من الحكومة، مبدية أملها في تفعيل هذه المحاكم ضمن منظومة قضائية متكاملة تكفل حسن سير مرفق العدالة وكفالة حق الدفاع للأطراف كافة، وتفعيل آليات التفتيش القضائي، وتعديل قانون مجلس الدولة بما يكفل حيدة إدارات الفتوى بالوزارات.

كما دعت إلى ضرورة الإفراج الفوري عن المحبوسين احتياطياً والعفو الرئاسي عمن صدرت بحقهم أحكام من سجناء الرأي، خاصة المحبوسين على خلفية نشاطهم وإبدائهم الرأي في القضايا العمالية والنقابية.

المطالب ذاته شدد عليه اتحاد أمانات العمال، داعيا إلى إطلاق سراح كل سجناء الرأي، وفى مقدمتهم هؤلاء الذين تم حبسهم بسبب دفاعهم عن لقمة عيشهم، مع التوقف عن استخدام الحبس الاحتياطي أداة لمعاقبة العمال الذين يدافعون عن حقوقهم في مواجهة أصحاب العمل.

وأكد المنظم العمالي وائل توفيق أن “ما حدث في يونيفيرسال والقاهرة للزيوت والصابون ويونيون إير أو غيرهما، من فصل وتشريد عمال، والامتناع عن منحهم ‏أجورهم مستحقاتهم المالية، فضلا عن إجراءات التعسف الأخرى ضدهم، ووقوف الجهات الإدارية والحكومية ضدهم لصالح ‏أصحاب الأعمال، يعبر بالضرورة عن حجم المعاناة التي يعيشها أبناء الطبقة العاملة بمباركة الجهات الرسمية والحكومية”.‏

وقف التصفية وبيع الأصول و”مجلس حوار دائم”
يعاني المواطنون بالفعل من ندرة فرص العمل، فيما تمثل شريحة الشباب أو من لم يتجاوز عمره 30 عاما، حوالي 60 % من إجمالي سكان البلد العربي الأكثر تعدادا للسكان بأكثر من 103 ملايين نسمة، وتسجل نسبة البطالة بين هذه الشريحة نسبة 26 %، حسب بيانات البنك الدولي، كما أفادت إحصاءات منظمة العمل الدولية أن نسبة البطالة بين حملة المؤهلات التعليمية في مصر بلغت 14,5 % عام 2020.

مع ذلك، نجد سياسة تصفية شركات قطاع الأعمال العام التي تمتلكها الدولة تجرى على قدم وساق، ونتيجتها إهدار فرص عمل موجودة بالفعل! هذا غير إهدار حقوق العاملين في هذه الشركات أيضاً، وفق اتحاد أمانات العمال، الذي طالب بالإيقاف الفوري لسياسة تصفية شركات قطاع الأعمال العام وبيع الأصول ووقف تحويل المرافق والخدمات العامة إلى القطاع الخاص، على أن تحل محلها سياسة جديدة تقوم على معالجة التحديات التي تواجه هذه الشركات.

يوضح وائل توفيق أن التخلص من المنشآت التابعة للدولة بالإغلاق والخصخصة والتصفية وغيرها، من شأنها طرد وتشريد عدد كبير من العمالة الماهرة، فضلا عن تأثيره السلبي على الاقتصاد العام للدولة، بإطلاق أيدي رجال الأعمال والشركات الخاصة للتحكم في السوق بشكل مباشر، وهو ما بدوره يعزز الاحتكارات، ويزيد من وتيرة ارتفاع الأسعار بشكل جنوني.

ويضيف: “في ظل عدم اهتمام الدولة بالصناعة كأحد روافد الاقتصاد وجذب العملة الصعبة من المتوقع زيادة الاقتصاد العشوائي والطفيلي، الذي لم تعد الدولة أو المواطنين قادرين على تحمله”.

دار الخدمات أشارت إلى إدراكها التأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية الراهنة- التي تداعت من جائحة كورونا ‏وتعاظمت في الآونة الأخيرة – على رجال الأعمال المصريين، مطالبة بأخذ هذه التأثيرات في الاعتبار والعمل على ‏معالجتها، غير أنها -في الوقت نفسه- تأخذ عليهم اتجاههم إلى التخلص من أزماتهم أو الحد منها فقط من خلال ‏حملهم على العمال والانتقاص من حقوقهم على النحو الذي يسلمهم وعائلاتهم – حرفياً – إلى الجوع.‏

وتابعت: “إن التناقض في المصالح بين العمال وأصحاب العمل هو أمرٌ بديهيٌ ومفهوم، لذلك كان الحوار والتفاوض ‏الاجتماعيين بين الطرفين ضرورة لا غنى عنها لتحقيق السلم الاجتماعي، على أن يتسع الطرفين وصولاً إلى التوازن ‏المجتمعي، ولكي يتحقق ذلك ينبغي أن يُمثلا من خلال منظماتهم الحقيقية الفاعلة”.‏

جددت الدار مطلبها المتكرر بتشكيل المجلس الاقتصادي الاجتماعي باعتباره أداة فاعلة لتنظيم حوار مجتمعي دائم ‏حول القضايا الاقتصادية الاجتماعية بما من شأنه أن يحقق درجة من التوافق حول كيفية معالجة هذه القضايا، مطالبة في الوقت نفسه، بتصديق الحكومة المصرية على اتفاقية العمل رقم 190 بشأن مناهضة العنف في عالم العمل، كضرورة لتوفير بيئة عمل آمنة.

لم تختلف المنظمات النقابية والقيادات العمالية على الحاجة الملحة إلى حوار مجتمعي يتسع لكافة الأطراف السياسية والاجتماعية باعتباره ضرورة لازمة للسلم والأمن المجتمعي، إلا أنه يستوجب بالضرورة رغبة حقيقية في الحوار والاستجابة لمطالب الفئة الأكثر عددا وتأثيرا في المجتمع “من أجل وطن يتسع لنا جميعا حقا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *