د. محمد مدحت مصطفى يكتب: النمط المصري للإنتاج (6- 11) نمط الإنتاج الاقطاعي

 

يُعَد نمط الإنتاج الإقطاعي من أكثر الأنماط الإنتاجية التي تناولها الباحثون بالعرض والتحليل خاصة الأوربية منها.

وقد ظهر نمط الإنتاج الإقطاعي في أوربا في أعقاب انهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي، وفي ذلك الوقت توسع كبار المُلاّك في مساحات ضياعهم، كما انتقلوا للإقامة بها بعد أن أصبحت الإقامة في المدن غير آمنة.

ومن منطلق الأمن كان التفكير في إنشاء المقر الآمن داخل الإقطاعية عن طريق بناء القلاع المتسعة ذات الأسوار الحصينة  بحيث يسمح هذا الاتساع بإقامة مسكن السيد الإقطاعي، ومخازن الضيعة الخاصة بالغلال، وثكنات الفرسان، ومساكن الخدم، بل وأحياناً كانت الطواحين وعصارات الزيوت تقام داخل القلعة، وتسمح أيضاً بإقامة بعض الحرفيين الضروريين داخلها. وبشكل عام لم تكن هناك تقريباً إقطاعية بدون قلعة، أو إقطاعية بدون فرسان.

هذا الوضع الجديد (التلازم بين السطوة الاقتصادية والسطوة العسكرية) دفع العديد من صغار ومتوسطي المُلاك ـ خلال مرحلة الانهيار التي اجتاحت أوربا إلى طلب حماية السيد الإقطاعي مقابل التنازل له عن أراضيهم، كما طلبت ذلك قرى بأكملها، ومن ثم امتد سلطان الإقطاعي على مساحات واسعة مما تطلب الاهتمام بزيادة قوة الفرسان التابعين له.

أما بالنسبة لعلاقات الإنتاج داخل الإقطاعية فقد أخذت عدة أشكال وُجدت معاً في بعض الأحيان وتلاشت بعضها مع التطور في أحيان أخرى. ولكن ظل النمط الأساسي لها على النحو التالي: ذكرنا أولاً أن الإقطاعي كان يمتلك أرض الإقطاعية، وذكرنا ثانياً أن هناك فرسانا تحت إمرة الإقطاعي. ونذكر الآن أنه ظل لديه بعض العبيد من بقايا النمط السابق، بالإضافة إلى هؤلاء المُلاّك الذين قبلوا التحول إلى أقنان.

ولإدارة الإقطاعية قام السيد الإقطاعي بمنح هؤلاء قطعا من الأراضي يكفي إنتاجها للوفاء بحاجتهم وأسرهم، وسمح لهم بإقامة مسكن عليها، وامتلاك عدد ضئيل من الحيوانات، بالإضافة إلى أن هذه الأسر كانت تمتلك أدوات العمل اللازمة لقطع الأرض التي مُنحت لهم. وفي مقابل هذا كان الفلاح يدفع ريع الأرض التي يستخدمها على هيئة عمل يقدمه هو وأفراد أسرته في الأرض الخاصة بالإقطاعي ويستخدمون في ذلك أدواتهم الخاصة، أما إذا احتاج الأمر لأدوات أكبر فإنهم يحصلون عليها من السيد. أما عدد الأيام التي يعملون فيها في أرض السيد فإنها كانت تتباين وفقاً لعدد من الالتزامات الأخرى. وقد تطور شكل ذلك الريع بعد ذلك حيث أصبح يُقدم عينياً في صورة محاصيل زراعية وعند نهايات ذلك النمط كان ريع الأرض يُدفع نقداً.

كما ظهر في البداية حق السيد الإقطاعي في قضاء الليلة الأولى مع العروس الجديدة، ثم استُبدل بعد ذلك بدفع مبلغ من المال إذا رغِبَ الفلاح في ذلك الاستبدال.

ومن القيود الأخرى المفروضة على الفلاحين الأقنان حرمانهم من حق مغادرة الإقطاعية، وفي بعض الأحيان كانت تُدمغ جلودهم بخاتم الإقطاعية حتى يمكن إعادتهم للإقطاعية في حالة فرارهم. وكان من خصائص هذا النمط أيضاً أن الإقطاعية كانت مكتفية ذاتياً، حيث تواجد بها عدد الحرفيين اللازمين لعمليات الإنتاج والإعاشة المختلفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *