د. آمال سيد تكتب: نحو قانون موحد للتعاونيات

تعد المؤسسات والجمعيات التعاونية، أحد العوامل الرئيسة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأي دولة، وتلعب الحركة التعاونية دورا مهما في الحد من اختلال اقتصاد السوق، خاصة في القضاء على الاحتكار والمعوقات التي تواجه المشاريع الصغيرة والمتوسطة، هذا بالإضافة إلى مساهمتها في القضاء على ظاهرة ارتفاع الأسعار الذي انتشر الفترة الأخيرة.

وتعرف التعاونيات على أنها نوع من أنواع التنظيم يرتبط فيه جماعة من الناس ارتباطا اختيارياً بصفتهم الإنسانية على قدم المساواة لإعلاء شأن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية. ويعمل قطاع التعاونيات في دول العالم على تأمين حاجات المواطنين الاستهلاكية بأجود الخامات وأقل الأسعار، بالإضافة إلى تنمية المجتمع المحيط بالجمعية ثقافيا واقتصاديا، والقضاء على الممارسات الاحتكارية الملازمة للرأسمالية الشرسة.

هذا وتشير وثائق منظمة العمل الدولية لإمكانيات التعاونيات، فيما يتصل بالخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي تقدمها والدور الأكبر الذى تستطيع التعاونيات القيام به في مجالات تحقيق اللامركزية.

فقد سجلت المنتجات الدوائية التي تنتج من خلال مؤسسات تعاونية في بلجيكا 19.5 % من إجمالي الناتج المحلي، وأعلنت البرازيل أن 37.4% من أجمالي الناتج المحلي يتم انتاجه بالمؤسسات التعاونية. وكشفت فنلندا أن المؤسسات التعاونية مسئولة عن 74 % من إنتاج اللحوم ومصنعاتها، وانتاج 96 % من المنتجات الغذائية اليومية، وانتاج 50 % من البيض، و34.2% من التعاملات المصرفية.أما في فرنسا فإن استثمارات القطاع التعاوني تبلغ 181 مليار يورو، حيث يتعامل في 60 % من تجارة التجزئة المصرفية، و40% من الانتاج الزراعي والغذائي، و25% من تجارة التجزئة.وبالنسبة للكويت فان القطاع التعاوني يتعامل في 70% من تجارة التجزئة، في نيوزيلاندا شارك القطاع التعاوني في 22 % من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، حيث يسيطر على 95% من سوق المنتجات اليومية، و95% من صادرات المنتجات اليومية، و70% من سوق اللحوم، و70% من سوق الاسمدة , 75% من سوق تجارة المنتجات الدوائية بالجملة، و62% من سوق البقالة.

وتكمن أهمية القطاع التعاوني في أنه يمكن أن يمثل الضلع الثالث والرئيسي في الاقتصاد القومي والمتمثل في القطاع الخاص وقطاع الأعمال والقطاع التعاوني، كما أنه يعتبر مصدر لتوفير عدد كبير من الوظائف في المجتمع، أيضا يعتبر القطاع التعاوني بميزته الفائقة في المرونة والتكيف مع أوضاع السوق المحلى وتقلباته فرصة جيدة لدمج الفئات الضعيفة في المجتمع مثل المرأة وذوي الإعاقة. كما أنه يمكن للمؤسسات التعاونية أن تكون مؤسسات تمويلية لغيرها من التعاونيات، كما أن التعاونيات بفضل مرونتها الاقتصادية يمكن ان تساهم بقدر كبير في عمليات نقل التكنولوجيا وتطبيق التجارب الحديثة في كل المجالات فضلا عن توفير السلع ومستلزمات الإنتاج بأسعار مناسبة. كل هذا يبين أن التعاونيات بوصفها منظمات تعمل في بيئة تنافسية لها دور مميز كمنشآت اقتصادية ضمن المجتمع المدني.

ويوجد في مصر خمسة قطاعات تعاونية: إسكاني، واستهلاكي، وزراعي، وإنتاجي، وثروة سمكية، وجميعها تعاني مشكلات متراكمة على مر سنوات وسنوات، وتنتظر الحل على يد الحكومة، بشأن مشاكل التطوير والاهتمام بها ولذا تعاني التعاونيات في مصر من ضعف هياكلها، وسوء استغلالها وإدارتها، وتحتاج إلى سن التشريعات وقوانين جديدة وتوفير فرص الدعم لها.

وقد لعبت الدولة دوراً هاماً في سبعينات القرن الماضي، في دعم التعاونيات الزراعية فتبلغ المساحة الزراعية 5.7 مليون فدان جميع الحائزين هم أعضاء في الجمعيات التعاونية الزراعية.وكانت الدولة تقوم بالتسويق الزراعي وضمان حقوق الفلاحين، فظهر التسويق التعاوني الإجباري، وكانت الدولة تتعاقد على تصدير حاصلات معينة كالبرتقال والبصل، وكانت تصدر البرتقال لروسيا في الغالب والبصل يصدر كمحصول أو مجفف في مصانع كانت تملكها الدولة وتم تصفيتها ونعاني الآن بسبب ذلك بالطبع حسب تصريحات ممدوح حمادة رئيس الاتحاد التعاوني الزراعي المركزي.وحالياً انسحبت الدولة من منظومة التسويق وطالبت التعاونيات أن تؤدي مهمتها الأساسية وهي تسويق المحاصيل وإنشاء المشروعات التنموية وهو ما لم ولن يحدث لأن الجمعيات لا تملك السيولة المالية لتسويق أي محاصيل إلى جانب أن تصرفها في الأصول التي تملكها لن يوفر لها السيولة للتسويق أو الإقراض، إلى جانب أن الجمعيات لا تملك إدارات للتسويق الخارجي يمكنها من إبرام تعاقدات مع الدول المستوردة. الجمعيات الزراعية تحولت في السنوات الأخيرة إلى “دكاكين” لبيع الأسمدة فقط، وفي حال تحرير سعر الأسمدة فإن تلك الجمعيات ستغلق أبوابها في الحال، مشيرا إلى أن العاملين بالتعاونيات لم يتخلصوا من التبعية للحكومة رغم أن القانون يعطيهم حرية التحرك وفتح مجالات إنتاجية تساعد في تسويق المنتجات الزراعي.

أما بالنسبة لقطاع الجمعيات الاستهلاكية فإنه يعاني من المنافسة الشرسة من السلاسل التجارية الكبرى للقطاع الخاص، هذا بالتزامن مع عدم وجود أي دعم حقيقي من قبل الدولة لنشاطها.ويبلغ عدد منافذ بيع الجمعيات الاستهلاكية في مصر إلى الآلاف موزعة على مستوى الجمهورية. هذا وتقوم الجمعية التعاونية العامة للسلع الاستهلاكية بتسويق البضائع على جميع الجمعيات ومنافذ البيع المنتشرة بالمحافظات، وتمتلك بطاقة تصدير واستيراد، وتقوم باستيراد سلع غذائية من الخارج مثل علب التونة والشاي الهندي والأرز وغيرها.

وبالنسبة لجمعيات الإسكان فإنها نشطت في أوائل السبعينات وحتى أوائل الثمانينات حيث توسعت الدولة في إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة وتخصيص الأراضي لجمعيات الإسكان. ولكن تعثرت تدريجيا بعد إطلاق مشروعات الإسكان الاجتماعي وإسكان الشباب مثل أبني بيتك وغيرها حتى بلغت قيمة الاستثمارات في المشروعات التعاونية المتعثرة إلى أكثر من 20 مليار جنيه.

أما عن تعاونيات الثروة المائية فتعتبر الغالبية العظمي من الصيادين المالكين أو غير المالكين لمراكب صيد أعضاء بتعاونيات الثروة المائية التي تساهم في انتاج أكثر من 90% من حجم الناتج السمكي ويبلغ عدد تعاونيات الثروة المائية حوالي 93 جمعية تعاونية للثروة المائية، ويبلغ حجم العضوية حوالي 89713 عضواً، وتواجه تعاونيات الثروة السمكية مجموعة من المشكلات أهمها ضعف التمويل والمنافسة الشرسة من القطاع الخاص وقيام جهاز المشروعات للقوات المسلحة بإنشاء مزارع سمكية ضخمة تنتج ما لا يقل عن 100ألف طن سنويا من الأسماك، وضعف الإمكانيات المادية والبشرية والتنظيمية وتداخل الاختصاصات وتضاربها بين العديد من الجهات الحكومية وحرمان القطاع التعاوني من المنح والقروض الميسرة التي توفرها وزارة التعاون الدولي للقطاعين الخاص والاستثماري.

ويواجه القطاع التعاوني المصري العديد من التحديات تتمثل في:

• أولها التحديات التشريعية: والتي تتمثل في تعدد القوانين الحاكمة لجمعيات التعاون بأنواعها. فضلا عن إصدار بعض القوانين التي تعوق الحركة التعاونية مثل قانون الضرائب الجديد، وقانون الجمارك والحد من الإعفاءات الجمركية وغيرها من القوانين.

• وثانيها التحديات الإدارية: المتمثلة في زيادة النفقات، والمرتبات، وضعف تدريب العاملين في التعاونيات، فضلا عن غيات تكنولوجيا المعلومات والمعلومات السوقية عن القطاع التعاوني.

• وثالثها التحديات التمويلية: والمتمثلة في ضعف مصادر تمويل القطاع التعاوني.

• وآخرها التحديات الاجتماعية: والمتمثلة في الصورة النمطية للمجتمع حول التعاونيات وسيادة روح الوظيفة الحكومية عليها وسلبية الحكومية تجاه القطاع التعاوني وعدم تطويره.

ويمكن أن يكون هناك حلولا لتطوير القطاع التعاوني يتمثل في:

إصدار القانون الموحد للتعاونياتـ، إنشاء بنك التعاون كجهة إقراضية وادخارية لغيره من التعاونيات. وإعادة بناء الصورة النمطية للتعاونيات من خلال الإعلام والأكادميين.اأيضا التوسع في التدريب واستخدام التكنولوجيا للعاملين بالتعاونيات. والاهتمام بإنشاء منظومة تسويقية تهتم بالمعلومات السوقية وإصدار دوريات لهذا الشأن. فضلا عن الاهتمام بنقل التجارب الحديثة في العالم ونقل التكنولوجيا من خلال بروتوكولات التعاون بين مصر وغيرها من الدول.

ولكل ما سبق تكمن أهمية أن يكون هناك قانونا موحدا للتعاونيات تستطيع الدولة من خلاله وضع سياسات عامة في مجالات الإنتاج وحماية المستهلك والإسكان والثروة السمكية وغيرها حيث يمكن أن يمثل القطاع التعاوني الموحد قفزة في الاقتصاد القومي وقفزة في تحقيق رفاهية المجتمع.

د. آمال سيد *خبير الإدارة المحلية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *