تحرش بـ«الأبيض».. انتهاكات جنسية تطال نساء في غرف العلاج
تحقيق – إسلام الكلحي
قبل ثماني سنوات، كانت سارة سعيد*، تعاني نوبة شديدة من آلام القولون العصبي فتوجهت إلى عيادة طبيب أمراض جهاز هضمي شهير في الإسكندرية، لكنها بدلا من أن تحظى بفحص طبي ورعاية لائقة تعرضت للتحرش الجنسي على يد الطبيب المعالج ما سبب لها صدمة لا زالت آثارها باقية إلى الآن.
هكذا روت سارة، عن تجربتها المؤلمة مع التحرش الجنسي الذي يحدث على يد بعض مقدمي الرعاية الطبية داخل غرف العلاج التي ينبغي أن تكون ملاذا للشفاء، لكن بعض النساء وجدن أنفسهن ضحايا لانتهاكات صامتة من قبل أطباء وممرضين، وهو ما دفعنا إلى إجراء هذا التحقيق الاستقصائي بهدف الكشف عن هذه الانتهاكات في مختلف المنشآت الطبية.
ونتيجة لغياب البيانات الرسمية، تتبع معد التحقيق الأخبار الصحفية بين 2018 و2024 والتي كشفت عن 30 واقعة تحرش جنسي داخل منشآت طبية في مصر، بين مستشفيات عامة وخاصة.

“الأمم المتحدة” تعتبر التحرش الجنسي أحد أشكال العنف ضد المرأة، وعرّفته بأنه: “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذىً ومعاناةً للمرأة، سواءً من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما فى ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفى من الحرية، سواء حدث ذلك فى الحياة العامة أو الخاصة” .
تحرش في عيادة طبيب شهير
تسبب التحرش الذي تعرضت له سارة سعيد، 48 عامًا، داخل عيادة طبيب شهير في الإسكندرية بصدمة نفسية جعلتها تتجنب زيارة الأطباء لسنوات.
تعمل سارة صيدلانية، ما يجعلها قادرة على التمييز بين الفحص الطبي والتحرش، كما تقول. تتذكر تلك الواقعة قائلة: “كنت أعاني من نوبة شديدة من آلام القولون العصبي، فاقترح خطيبي زيارة صديق له، وهو أستاذ أمراض كبد وجهاز هضمي بكلية طب الإسكندرية”.
وفق سارة، المكان المخصص للكشف ينقسم إلى قسمين؛ غرفة بها سرير للفحص الطبي، وأخرى للمكتب، والأخيرة كان يجلس فيها خطيبها حينما ذهب معها في أول مرة. بدأ الطبيب بفحص بطنها، ثم طلب فحص منطقة الصدر، مبررًا ذلك برغبته في التأكد من عدم وجود أورام سرطانية في الثدي.
رغم يقينها بعدم وجود علاقة بين حالتها الصحية وفحص الثدي، حاولت سارة تجاهل شعور الريبة، مطمئنة نفسها بأن خطيبها على بعد خطوات منها، لكن مع بدء الفحص، شعرت بعدم الارتياح للطريقة التي كان يتحسس بها جسدها. “ذهبت لعشرات الأطباء من قبل ولم يفعل أي منهم هذا الإجراء.. عقلي لم يكن مستوعبا للأمر؛ راجعت نفسي، لم أكن في حالة يمكن أن تثير رغبة أحد”.

تعود سارة للوراء، وتشير إلى أنها سبق وخضعت لفحص للثدي حينما كنت طالبة في الجامعة لكنها تؤكد: “في تلك المرة لم يحدث أي تحرش على الإطلاق. كان الطبيب يقوم بفحص طبي بحت”.
رغم ذلك، كذبت سارة نفسها وذهبت للطبيب مرة أخرى، والذي طلب مجددا الكشف على الصدر. تقول: “بدأ يضع يديه على صدري ويفعص ثديي في وقت واحد، في حين يُفترض عند الفحص بحثا عن ورم أن يتم فحص كل ثدي على حدى. كنت في حالة صدمة وفقدت النطق وغير مصدقة لما يحدث”.
وتضيف: بعد ذلك طلب أن اُدير وجهي عنه بحيث يكون ظهري له، ثم أمسك بيديه من أسفل ملابسي صدري وطلب أن أكون في وضع الركوع. فعلت ذلك، فالتصق بي من الخلف، حينها انفجرت من البكاء.. لقد أدركت وتأكدت أنه يتحرش بي لكن لم استطع فعل شيء سوى البكاء.
انصرفت سارة من العيادة وهي تفكر في تحرير محضر بقسم الشرطة، لكنها قررت الشكوى لنقابة الأطباء.. “اتصلت هاتفيا بنقابة الأطباء. رد شخص لا اتذكر اسمه، تحدث معي بشكل ودود وكان متعاطفا معي لكنه قال لي إن النقابة لا يمكنها فعل شيء لعدم وجود دليل، وأضاف بأنه إذا تقدمت ببلاغ للشرطة لن استطيع إثبات ما حدث وسيرفع ضدي قضية تشهير”.
لسنوات لم تستطع سارة دخول أي عيادة جراء الصدمة النفسية التي خلفتها تلك الواقعة. روت لخطيبها تفاصيل ما حدث إلا أنه لم يصدق روايتها، ملمحًا إلى أنها ربما أساءت فهم الموقف. وبعد خمس سنوات من الصدمة، ذهبت سارة إلى طبيب آخر لمتابعة حالتها الصحية. أثناء تدوين تاريخها المرضي، ذكرت اسم الطبيب السابق الذي فحصها من قبل، فجاء رد الطبيب مفاجئًا: “كل شخص يذهب له يخبره بأنه يعاني من المرارة”، فردت ساخرة: يا ليت الأمر يقتصر على المرارة فقط”. لم تكمل عبارتها، لكن الطبيب قاطعها: “أعرف.. كثيرات أخبرنني بما يفعله”. هنا أدركت سارة أنها ليست الوحيدة التي تعرضت لمثل هذه التجربة وشعرت بالارتياح لأنه تأكدت من أنها لم تكن مخطئة ولم تسيء فهم الموقف.
تواصل مُعد التحقيق مع الطبيب (ع) الذي تتهمه سارة بالتحرش بها جنسيا ولم نفصح له عن اسمها ولا ذكر تفاصيل تكشف هويتها، فقال إن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة وأنه سبق ونفاها.
إشارة الطبيب (ع) إلى أنه سبق ونفى هذه الاتهامات رغم علمنا بعدم تناول هذه الواقعة إعلاميا وعدم تحرير سارة بلاغ بالواقعة في مركز الشرطة أو شكوى رسمية في نقابة الأطباء دفعنا للتماشي مع حديث الطبيب الذي بدا أنه يتحدث عن واقعة أخرى وسألناه “ماذا حدث سابقا وأين نفى ذلك الاتهام؟”، فقال إنه لا يتذكر اسم هذه السيدة لكنها “مريضة نفسية يُهيئ لها أشياء لم تحدث”، لافتا إلى أنه نفى ذلك في قسم الشرطة “تقريبا” وأن “الموضوع انتهى” دون إدانته.
جرى تغيير صوت الطبيب لأسباب إنسانية وأسرية تتعلق بالحالة
وبسؤاله عند فحص الثدي هل يتم فحص كلا الثديين في آن واحد، أجاب الطبيب (ع) بنعم، وأنه لا بد من فحص كلا الثديين في وقت واحد، مضيفا بأن للمقارنة والفحص طرق عديدة.. “يمين ويسار وكلاهما في آن واحد”. وشدد على أن كل طبيب له أسلوبه في الفحص.
وعن سبب فحص الثدي لمريض يشكو من نوبة آلام قولون عصبي، قال الطبيب (ع) إنه في بعض الأحيان يكون هناك تشابه في الأعراض، موضحا “إذا كان هناك شيء جهة القولون مع ارتجاع المريء يكون هناك ألم في الثدي”. وأضاف أن أورام القولون يُمكن أن تنتشر في الثدي والعكس.
لكن الدكتور هشام الخياط، أستاذ أمراض الجهاز الهضمي والكبد وزميل جامعة هارفارد، أكد عدم وجود أي تشابه بين أعراض نوبة آلام القولون العصبي وأعراض أورام الثدي. وقال إن “هذا مرض، وهذا مرض آخر” ولا يوجد أي دليل علمي على انتقال الخلايا السرطانية بينهما.
وأكد الخياط أنه عند فحص الثدي لا يتم فحص الثديين في آن واحد – كما حدث مع سارة – ولكن يتم فحص كل ثدي على حدى، مضيفا أن من يُجري هذا الفحص هو الجراح المتخصص.

اتفق مع ذلك، الدكتور عبدالرحمن مصطفى، رئيس لجنة آداب المهنة بنقابة الأطباء، وشدد على أن ما حدث مع سارة إجراء غير طبي يستحق العقوبة، لافتا إلى أنه كان سيتم محاسبة الطبيب حال التقدم بشكوى ضده وإثبات الواقعة. لكنه قال إن سارة لم تتخذ الخطوة الصحيحة لمحاسبة الطبيب بالتوجه إلى مقر النقابة وتحرير شكوى.. “كان سيتم الاستماع لها والتحقيق في الشكوى”.
وأضاف أن لجنة آداب المهنة بالنقابة بها طبيبين وقاضي من مجلس الدولة.. “أي عبارة عن محكمة كاملة”؛ ورجح أن يكون هناك خطأ في إيصال الموظف للمعلومة أو فهم سارة لها.
وشدد مصطفى على أن هناك شكاوى تُقدم في النقابة كل يوم ضد أطباء. لكنه اعترف بأن إثبات حدوث هذه الجريمة “صعب” ولهذا يكون التحقيق في الواقعة متوازي مع تحقيقات النيابة.. “إذا أثبتت النيابة حدوث الواقعة يساعدنا ذلك في اتخاذ الحكم” لأن النيابة لديها أدوات مختلفة للتحقق والإثبات كسلطتها على التحفظ على كاميرات المراقبة ومراجعتها/ تفريغها.

تحرش عبر الهاتف
في 2021، بعد سنوات من الزواج دون إنجاب، توجهت أروى خالد*، 30 عاما، وزوجها إلى مستشفى شهير بالدقي متخصص في علاج تأخر الانجاب، لإجراء بعض الفحوصات الخاصة بالحقن المجهري. فحصها الطبيب في تواجد ممرضة، ثم طلب من زوجها إجراء بعض الفحوصات. أجرى الزوج الفحوصات وانصرفا على أن يستكمل باقي الخطوات بعد صدور نتيجة التحاليل.
تقول أروى: مساءً، وصلتني نتيجة التحاليل على هاتفي من المستشفى، وبعدها فوجئت بأن الطبيب قد حصل على رقم هاتفي من الاستمارة التي ملأناها قبل الكشف وأرسل لي عبر “واتس آب” يسأل “هل اطلعت على نتيجة التحاليل”، ثم أضاف بأنه يريد الحديث معي هاتفيا بشكل ضروري.

تضيف أروى: “عندما هاتفني الطبيب، سألني مجددًا إن كنت قد طالعت نتيجة التحاليل. أجبته بنعم، فقال إن الأمر ليس سهلاً، ولا بد من الإسراع في سحب العينات مننا (السائل المنوي من الزوج والبويضات مني) وتجميدها وفقًا للنتائج”.
شكرت أروى الطبيب وأكدت له أنها وزوجها سيقومان بالإجراءات المطلوبة، إلا أنه لم ينهِ المكالمة، حيث تقول: بدأ يتحدث في أشياء غريبة جدا، وبدأ يسألني عن العلاقة الحميمية بيني وبين زوجي.. كيف ومتى تحدث؟ وما الأوضاع التي نتبعها عند الجماع؟ ثم قال إنه شعر بأنني شخص لطيف ورقيق و”Cute/ جذابة”، ومنذ أن رآني أراد أن يطمئن علي بنفسه”.
تشير أروى إلى أنها كنت مستنكرة الاتجاه الذي ذهب إليه حديث الطبيب، لكنها كانت تخشى أن تكون مخطئة وسيئة الظن، فأخبرته بأنها لا تفهم ما يقصده بنصحه لها بنفسه وما النصائح التي من المفترض أن تتبعها، فرد قائلا: “يمكنني إعطاؤك نصائح حول عدد مرات العلاقة الجنسية والأوضاع التي يجب اتباعها”.
“أخذ الحديث منحنى جنسي تماما”.. تقول أروى، ولهذا قررت وضع حد لهذه المكالمة الهاتفية: “أخبرته بأن كلامك غير طبيعي وغير لائق وأن حديثه الذي يحمل دلالات جنسية يعد انتهاكا، ولا أعرف كيف يتحدث معي في مثل هذه الأمور، فرد بأنه لم يقصد إزعاجي، فأخبرته بأنني لا أريد أن يتحدث معي مرة أخرى وأنني سأتقدم بشكوى ضده مرفقة بتسجيل لهذه المكالمة الهاتفية”..
تستطرد أروى موضحة بأنها لم تسجل المكالمة حقا، لكنها أرادت أن يعتقد الطبيب ذلك؛ وعلى إثر ذلك التهديد أنهى الطبيب المكالمة لكن الشك تسلل إلى قلبها.. “ربما أكون مخطئة ويكون حديثه طبيعيا”.
للتأكد أنها ليست مخطئة وأن الطبيب يتحرش بها، لجأت أروى إلى مجموعة نسائية على موقع “فيسبوك” خاصة بالإنجاب والحق المجهري. وروت دون أن تكشف عن هويتها عما حدث معها والأسئلة التي وجهها لها طبيبها. جميع النساء اتفقن أن سلوك الطبيب غير طبيعيا ويعتبر تحرشا جنسيا، لافتين إلى أنه ليس من حقه أن يتحدث معها في هذه الأمور وإنما مع الزوج، وشجعنها أن تتقدم بشكوى ضده، لكن لم تفعل ذلك واكتفت بتحذير النساء من هذا المشفى لأنه “من أشهر المشافي المتخصصة في علاج تأخر الإنجاب والحقن المجهري”.

لمعرفة ما إذا كان سلوك الطبيب إجراءً طبيًا جائزًا أم انتهاكًا أخلاقيًا، تواصلنا مع طبيبة نساء وتوليد، رفضت ذكر اسمها، قالت: “ما فعله الطبيب ليس إجراءً مهنيًا بأي حال. ممنوع على الأطباء التواصل مع المرضى خارج غرفة الفحص أو العلاج. حتى الوصفات الطبية لا يجوز إرسالها عبر واتساب”.
وتضيف: “في حالات الحقن المجهري، لا يتم التطرق إلى العلاقة الحميمية إلا في سياق طلب الامتناع عن الجماع خلال فترة معينة لضمان تثبيت الحمل. أما الحديث عن الأوضاع وعدد المرات، فهذا غير مقبول إطلاقًا”.
أما الدكتور عبد الرحمن مصطفى، رئيس لجنة آداب المهنة بنقابة الأطباء، فأكد أن ما فعله الطبيب يعد “ممارسة خاطئة بالتأكيد.” موضحًا أن تواصل الطبيب مع المريض جائز، لكن فقط في إطار مصلحة المريض، مثل متابعة حالته بعد عملية جراحية، لكنه شدد على أن “استغلال المهنة لتحقيق مآرب شخصية أو جنسية سلوك مرفوض ولا يتم التسامح معه في نقابة الأطباء.”

السجن 3 سنوات لممرض تحرش بمريضة أثناء تلقيها العلاج
في فبراير 2021، حصلت مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، على حكم قضائي في الدعوى رقم 3735 لسنة 2020 جنايات ضد ممرض بالسجن 3 سنوات في اتهامه بالتحرش وهتك عرض مريضة في مستشفى حكومي. وهو الحكم الذي أيدته محكمة النقض لاحقًا، ليصبح نهائيًا وباتًا.
حول تفاصيل هذه الواقعة، تقول المحامية انتصار السعيد، رئيسة أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون: “بدأت القضية في يوليو 2020، حين دخلت (ج. م) مستشفى حكومي لتلقي جلسة أكسجين لعلاج حساسية الصدر. وبعد نقلها إلى غرفة العلاج برفقة الممرض (م. ص)، فوجئت بقيامه بملامسة جسدها بشكل غير لائق، متذرعًا بالحاجة إلى إجراء رسم قلب، رغم عدم وجود ضرورة طبية لذلك”.
وتضيف السعيد: أحالت الشرطة الواقعة إلى النيابة العامة، حيث أقر الممرض بملامسة صدر المريضة لكنه ادعى أن ذلك جاء في سياق الفحص الطبي، وهو ما نفته الضحية، مؤكدة أن حالتها لم تكن تستدعي مثل هذا الإجراء. وبعد التحقيقات، خلصت النيابة إلى أن الواقعة تمثل تحرشًا جنسيًا متعمدًا، وهو ما أيدته المحكمة بإصدار حكمها بالسجن، قبل أن يتم تأكيده في درجتي التقاضي اللاحقتين.
وتشير السعيد، إلى أن هذه القضية واحدة من بين عدة حالات تلقتها مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، إلا أنها الوحيدة التي وصلت إلى المحكمة وصدر فيها حكم قضائي، بينما واجهت قضايا أخرى عراقيل إما بسبب تردد الضحايا في الإبلاغ أو حفظ البلاغات في مرحلة التحقيقات الأولية.
تنص المادة 306 مكرر (أ) من قانون العقوبات على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز أربع سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية، أو أية وسيلة تقنية أخرى..”.
ووفق المادة رقم 306 مكرر (ب) من قانون العقوبات “يعد تحرشا جنسيا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة (306 مكررا أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجنى عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات”.
تحرش داخل مستشفى خاص
من جانبه، يقول الدكتور عبدالرحمن مصطفى، رئيس لجنة آداب المهنة بنقابة الأطباء، إن مثل هذه الحوادث لا تعكس ظاهرة عامة داخل القطاع الطبي، معتبرًا أنها تظل حالات فردية.

وأوضح مصطفى أن عدد الأطباء المسجلين في النقابة يبلغ نحو 200 ألف طبيب، بينما لا يتجاوز عدد حالات التحرش الموثقة سنويًا من 5 إلى 15 حالة، وهو ما وصفه بأنه نسبة ضئيلة جدًا. لكنه شدد على أن هذا لا يعني تجاهل المشكلة، مؤكدًا أن النقابة توفر قنوات رسمية لاستقبال الشكاوى والتحقيق فيها، مع إمكانية اتخاذ إجراءات تأديبية مثل سحب الترخيص أو الشطب النهائي من سجلات المهنة. وذلك بخلاف آلية المحاسبة من خلال السلطة القضائية.

وأكد مصطفى أن “الأطباء أصابهم ما أصاب المجتمع” ودعا إلى ضرورة فرض عقوبات صارمة على جرائم التحرش، مطالبًا وسائل الإعلام والدراما بتسليط الضوء على عواقب هذه الجرائم لردع المخالفين، مؤكدًا أن مواجهة التحرش مسؤولية مجتمعية تتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني.

اعتراف وغياب للإحصائيات الرسمية
لا يوجد تقرير رسمي أو رصد سنوي من نقابة الأطباء بعدد حالات التحرش التي يرتكبها أطباء، بحسب رئيس لجنة آداب المهنة بالنقابة، الذي قال أيضا إنه ليس لديه أي رقم تقريبي لعدد حالات تحرش الأطباء لكنه اعترف بأنها موجودة، وهناك شكاوى ترد للنقابة من هذا النوع ويتم التحقيق فيها بجدية.

وبوجه عام، عدد حالات التحرش التي تصل إلى القضاء لا تعكس بشكل حقيقي حجم هذه المشكلة، حيث تخشى كثيرات من الضحايا الإبلاغ عن الجرائم التي يتعرضن لها بسبب ثقافة لوم الضحية المنتشرة في المجتمع، وخوفهن من عدم جدية التعامل مع شكواهن من قبل الأجهزة الأمنية. ويؤكد ذلك، تقرير لهيئة النيابة الإدارية، جرى نشره في العام 2018، كشف أن عدد قضايا التحرش والاعتداء الجنسي ضد المرأة في 2013 بلغ 74 قضية ، وفي 2014 (61) قضية ، وفي 2015 (51) قضية، وفي 2016 ( 116) قضية.

والتحرش الجنسي في غرف العلاج غير قاصر على النساء؛ إذ أنه يطال الرجال أيضا، حيث رصدنا خلال تتبعنا لحالات التحرش المنشورة عبر المواقع الصحفية تحرش طبيب أسنان بعدد من المرضى الرجال والذي صدر ضده حكما بالسجن. لكن – بالطبع – التحرش بالذكور أقل بكثير من الإناث.

الضحايا أيضًا ليسوا من المصريات فقط، إذ تعرضت بعض الأجنبيات لمثل هذه الاعتداءات. فإلى جانب واقعة تحرش طبيب أمراض جلدية بسيدة أجنبية تم توثيقها في الأخبار المنشورة، أفادت طالبة لجوء سودانية بأنها تعرضت للتحرش من قبل طبيب أمراض صدرية وحساسية في منطقة العشرين بفيصل. وروت أنها قصدت العيادة بعد شعورها بآلام في الثدي، لكن الطبيب لامس جسدها بشكل غير لائق، وحين حاولت منعه، تعدى عليها بالضرب.
في إطار محاولتنا لفهم موقف نقابة التمريض من قضايا التحرش التي ارتكبها ممرضون داخل المؤسسات الطبية، تواصلنا مع الدكتورة كوثر محمود، نقيب التمريض وعضو مجلس الشيوخ، لكنها رفضت التعليق، مهددة بملاحقة معد التحقيق قضائيًا في حال النشر أو “الإساءة” إلى مهنة التمريض.
كما أرسل معد التحقيق استفسارًا رسميًا عبر البريد الإلكتروني إلى النقابة العامة للتمريض في مصر، تضمن تساؤلات حول حجم الانتهاكات المرتكبة من قبل بعض الممرضين والإجراءات التأديبية المتخذة حيالها، مع إرفاق قائمة ببعض القضايا التي صدرت فيها أحكام بالسجن، إلا أنه لم يتلق أي رد حتى وقت نشر التحقيق.
(*) اسم مستعار بناء على طلب صاحبة القصة