سارة حجازي تكتب: كورونا وأزمة الرأسمالية.. إلى أين يتجه النظام العالمي؟

منذ بدء الأزمة وتفاقم الوضع الذي تمر به الإنسانية اليوم بسبب انتشار وباء” كورونا” أبدى لنا العالم أن هناك تغييرا يحدث في بنية الاقتصاد العالمي الرأسمالي، لكن لا نعلم ملامحه بعد، وإلى أين يتجه هذا التغيير، لكن ما نعلمه جيدا كاشتراكيين أن تلك الأزمة والكارثة الإنسانية قامت بتعرية الرأسمالية وأظهرت جشعها وهشاشتها.

إن التنبؤات تتجه إلى طريقين، أحدهما تغيير في جذور النظام الاقتصادي العالمي الرأسمالي، والاتجاه إلى بعض السياسات الاشتراكية، وهذه الرؤية بسبب الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الرأسمالية والنيوليبرالية، وهي اجراءات نادى بها الاشتراكيون لعقود، فعلى سبيل المثال: قامت الحكومة الاسبانية بتأميم جميع المستشفيات الخاصة، وقامت كذلك الحكومة الكندية بتوفير أجهزة حاسب آلي وحاسبات لوحية للتلاميذ غير القادرين ماديا لاستمرارية التعليم من المنزل، كما قامت امريكا بتوفير ٥٠٠ دولار لكل طفل وتوفير إعانات للعاطلين والمهمشين، وإجبار شركات الانتاج الحربي بوقف صناعة الاسلحة والبدء بصناعة مستلزمات طبية كأجهزة تنفس صناعي وتجهيز مستشفيات ميدانية مثلما فعلت ألمانيا، وتكفلت الحكومة الفرنسية خلال تلك الازمة بدفع فواتير الكهرباء والإيجار المنزلي وغيرها من الخدمات لغير القادرين ماديا.

ومع مرور الوقت حتى الآن تتخذ الحكومات الرأسمالية والنيوليبراليةK اجراءات اشتراكية في جوهرها، وفي قول اخر -توفر الحكومات الرعاية وحقوق الانسان خلال الأزمات والكوارث الانسانية.

هذه القراءة قد تبدي في ظاهرها تفاؤلا ساذجا وأحلاما طوباوية، لكن في باطنها هي قراءة وتحليل يعتمد على الجماهير وقدرتهم على الحفاظ على تلك المكتسبات بعد انتهاء الأزمة، فالجماهير وحدهم هم القادرون على تحويل ذلك التنبؤ إلى استنتاج صحيح وحقيقي ليضع حداً للجشع الرأسمالي والذي لا يرى في الانسان إلا اداة لجمع المال، وانه حتى وقتنا هذا ومع ازدياد عدد ضحايا الوباء لا يفكر الرأسماليون إلا في ممتلكاتهم واقتصاد الدول النيوليبرالية كأمريكا والذي قال رئيسها دونالد ترامب نصاً:  وسائل الاعلام الزائف يريدون أن اخسر الانتخابات عن طريق مكوث الناس ببيوتهم، انما الناس الحقيقيون هم من يريدون العودة إلى أعمالهم بأسرع وقت” ، ومن قبله قال رجل الاعمال المصري نجيب ساويرس : ندعو الاطباء بأن يخبرونا كيف يعود الناس إلى اعمالهم! الحياة يجب أن تستمر .

هكذا يرى الرأسماليون البشر; أدوات لحصد المال وتقوية الاقتصاد وأصوات للفوز في الانتخابات، أما أرواحهم فهذا أمر ثانوي أو ربما غير مطروح على الطاولة من الأساس.

أما القراءة والتنبؤ الثاني فيرى أنه بعد انتهاء الأزمة قد تتحول الرأسمالية لتكون أكثر توحشا من ذي قبل لتعويض الخسارة الاقتصادية الفادحة التي مني بها الرأسماليون، حيث أن معظم خطوط الانتاج والشركات العالمية توقفت عن العمل وخسرت المليارات من وراء تلك المحنة الإنسانية، لكن النظام الرأسمالي لديه تاريخ في القدرة على التكيف مع الأوضاع وإعادة نفسه.

 قد يبدو هذا التنبؤ تشاؤمي في ظاهره، ولكن iأيضا في باطنه، يعتمد على الجماهير وطاقتهم بعد انتهاء تلك الأزمة، حيث سيقف الناجون من ذلك الوباء فرحين بنجاتهم، عطاشى إلى العودة إلى حياتهم وروتينهم، متقبلين ما قد تؤتيه الرأسمالية من استغلال أكبر وتوحش أعمق بغرض تعويض الخسارات المادية، فيكون دور الاصلاحيين بعد انتهاء الأزمة هو الوقوف أمام الجماهير وتبني خطاب أن الدولة/ النظام في أزمة وعليكم تقديم تنازلات حتى يمكن الاصلاح والعبور من تلك الازمة الاقتصادية.

ان الصراع الطبقي أصبح مكشوفا الآن بين عمال وفئات اجتماعية مطحونة من تدهور أوضاع بعد سنوات طويلة من التنكيل وسياسة الافقار، وبين طبقة رأسمالية قائمة على الاستغلال والتفرقة بين الجماهير.

إن انتهاء الرأسمالية وأفولها ليس له فوائد اقتصادية وسياسية وحسب! بل أيضا سينتج عن هذا الأفول تحلل اجتماعي وثقافي حيث سيتحلل الخطاب الرأسمالي بأن “البقاء للأقوى”،  ليتجه الى البقاء للجميع ، فالضعيف له ايضا الحق في توفير الصحة والعلاج ولا نتركه أمام “مناعة القطيع” التي انتهجها بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا خلال أزمة الوباء مخاطبا الجماهير الانجليزية ، ملمحا بأن “البقاء للأقوى”، وبذلك تصبح( الصحة – التعليم – السكن) هي حقوق انسان اساسية، وتتحلل الثقافة العامة المنتشرة الآن والتي روج لها الإعلام الرأسمالي بأن ما تتبناه الاشتراكية غير واقعي ويوتوبيا وغير قابل للتطبيق عملياً ، موجهين العقل الجمعي بأن الرأسمالية هي فطرة الحياة وغير ذلك هو غير واقعي، ليبدأ خطاب اخر جديد وهو العدالة الاجتماعية للجميع دون اَي تمييز.

إن فيروس كورونا ضرب النظام العالمي في مقتل، فقد فتح الباب للهدم، فالآن وما بعد المحنة هو دور الاشتراكيين في استمرارية هدم النظام الرأسمالي وبناء نظام عالمي اخر لا يقوم على الاستغلال .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *