هل تتغير السياسات في 2023؟ | عام جديد من المخاوف الاقتصادية وتراجع الجنيه وارتفاع التكاليف المعيشية واستمرار مسلسل البيع
باحث اقتصادي: منذ سنة ٢٠١٦ ونحن نتبع برامج صندوق النقد وكلها تؤدي إلى رفع تكاليف المعيشة.. قد لا تتغير الأوضاع في العام الجديد
عمار علي حسن:اعتدنا ألا يتراجع النظام عن قرار إلا بضغط اجتماعي فإن تراجع هذا الضغط عاد لما قرر.. هذه السياسة ستستمر في العام المقبل
مؤسسة التجارة الخارجية الألمانية: الدين العام المصري يشكل حاليا 89% من الناتج المحلي الإجمالي.. والديون وصلت 177 مليار دولار
كتب – أحمد سلامة
عام جديد يبدأ، يحمل بلا شك بين طياته الكثير من الأحداث، يأمل كثير من المصريين في أن يكون عامًا أفضل من سابقه، بينما يتوجس آخرون مما تحمله الأيام المقبلة، فالأوضاع السياسية والاقتصادية على الساحة الداخلية عززت المخاوف من أوضاع أصعب خلال الشهور المقبلة.
لقد خسرت فئات عريضة من الشعب أكثر من ثلث قوتها الشرائية خلال أقل من سنة، وتواجه مصر العديد من التحديات الاقتصادية التي تزايدت حدتها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي، وما تلاه من نقص للإمدادات في مواد أساسية مثل النفط والغاز والقمح، وارتفاع أسعارها في الأسواق، خلال العام المنتهي عانى المصريون من تداعيات تعويم الجنيه وتراجع قيمته أمام العملات الدولية، وشح الدولار، وارتفاع فاتورة الواردات الأساسية.. وهو ما انعكس سلبيا على القدرة الشرائية للمواطنين.
واضطرت الحكومة المصرية الى التفاوض مجددا مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة 3 مليارات دولار خلال السنوات الأربع القادمة. وبالفعل تم التوصل الى هكذا اتفاق وجرى الإعلان عنه قبل أسبوع.
وبموجب الاتفاق التزمت الحكومة المصرية بتعويم جديد للجنيه المصري في وقت تزداد فيه حدة أزمة نقص الدولار في السوق، وتشير التوقعات إلى أن التعويم الجديد في الظروف الراهنة سيفضي إلى تراجع جديد في سعر الجنيه مقابل الدولار الأمريكي، بفعل أن الطلب على العملة الأمريكية من قبل التجار والمدخرين والحكومة سيرتفع لتمويل الواردات وحماية المدخرات من تقلبات أسعار العملة المصرية.
لذلك يقول الدكتور حسني كحلة، الباحث الاقتصادي، لـ”درب”، “نحن منذ سنة ٢٠١٦ ونحن نتبع البرنامج تلو البرنامج مع صندوق النقد الدولي وكلها تدور حول السياسة النقدية والمالية وسياسات الاستثمار العام وكلها تؤدي إلى رفع تكاليف المعيشة وتكاليف الاستثمار وبالتالي مزيد من الاقتراض”.. مضيفا “سيستمر الوضع على ما هو عليه إن لم يذهب للأسوأ.. فماذا تنتظر؟”.
في السياق ذاته يرى الدكتور عمار علي حسن، الباحث السياسي، أن النظام سيستمر في نهجه المتبع منذ سنوات ولن يتراجع عنه.. قائلا لـ درب “اعتدنا ألا يتراجع نظام الحكم عن قرار إلا بضغط اجتماعي، فإن تراجع هذا الضغط عاد إلى ما قرر من جديد، ونفذ ما شاء، وهذه السياسة ستستمر في العام المقبل، اللهم إلا إذا جاء هذا الضغط عارما، ووقع انفجار كبير، أنهى التصور الذي تقدره السلطة الحالية من أن الشعب قد خمد، ولن يقدر على الفعل أبدا”.
وحول تأثير الحوار الوطني على مسار الأحداث السياسية والاقتصادية خلال العام المقبل قال عمار علي حسن “إن ما يسمى بـ (الحوار الوطني) ولد ميتا، ولن ينتهي إلى شيء ذي بال، فأسباب فشله وتصدعه قوية، وإن استمر كحالة شكلية على النحو الذي يكون الآن، فإنه سينتهي إلى تأييد السلطة في أفعالها وأقوالها، وباسمه ستتخذ قرارات موجعة للشعب”.
الحكومة المصرية سارعت إلى طمأنة الرأي العام بالتأكيد على أن الاتفاق يهدف إلى “تحقيق الاستقرار المالي ودفع عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل وتحفيز النمو المستدام”، غير أن محللين كثيرين يشككون في إمكانية تحقيق ذلك الهدف ما دام الجنيه غير مستقر وجاذبية مناخ الاستثمار لرؤوس الأموال الخاصة ضعيفة.
ويجادل هؤلاء بأن دفعات القرض والتمويلات الإضافية المتوقعة متواضعة، وبالتالي ليست في مستوى حجم الأموال الضرورية لتحقيق تلك الأهداف. علاوة على ذلك بات حجم الديون الخارجية لمصر قريبا من 177 مليار دولار في حين أنه لم يزد عن 140 مليار دولار عام 2021. ثم إن الدين العام المصري يشكل حاليا 89% من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لمؤسسة التجارة الخارجية الألمانية للاستثمار والتجارة.
ويعني هذا أن خدمة الدين المصري الذي تزيد سنويا عن 20 مليار دولار وفاتورة الواردات من السلع الأساسية سترتفعان بشكل كبير فيما تتراجع احتياطات البنك المركزي المصري من العملة الصعبة.
ويقول موقع “بي بي سي” إن “المشكلة المستعصية تكمن عن الحل في استمرار تراجع قيمة العملة المصرية أمام الدولار رغم القروض الجديدة والتمويلات الخارجية السخية، وعزوف الاستثمارات الأجنبية الطويلة الأجل عن ولوج السوق المصرية. فكلما التزمت الحكومة باعتماد مزيد من المرونة في سعر صرف الجنيه، كلما اتجه سعره الى المزيد من التراجع بسبب زيادة الطلب على الدولار بشكل يرفع سعره ويفاقم من أزمة نقصه في السوق. وقد اقترب سعر الدولار هذه الأيام من 25 جنيها -رسميا- بعدما كان أقل من 19 جنيها في مارس الماضي، فيما يتراوح سعره في السوق السوداء بين 30 و 33 جنيها للدولار”.
وتواجه الدولة في الوقت الراهن أزمة حادة لتغطية تكاليف الواردات المتزايدة من السلع أولها المواد الأولية والأغذية والأدوية. ورغم محاولة الحكومة بيع المزيد من مؤسسات القطاع العام أو أسهم منها للقطاع الخاص يستمر النقص بشكل يضعف الثقة بمناخ الأعمال والاستثمارات الأجنبية التي تراجع تدفقها.
ويضيف بي بي سي “تتجه الحكومة في الوقت الراهن إلى اعتماد سياسة اقتصادية جديدة تطلق القوى الكامنة تستند إلى بيع المزيد من المؤسسات الحكومية وإفساح المجال أمام الاستثمار الداخلي والأجنبي في مجالات كانت حكرا على الدولة، وفي هذا الاتجاه جاءت الموافقة المبدئية للبرلمان المصري هذا الأسبوع على قانون إنشاء صندوق تابع للهيئة للاستثمار يجيز بيع أصول قناة السويس. غير أن القانون أثار جدلا إعلاميا واسعا ورفضًا من المعارضة”.
يذكر موقع بي بي سي أن مصر “تحتاج إلى حوالي 14 مليار دولار إضافية لإعطاء دفعة جديدة لإصلاح الاقتصاد وسد العجز الناتج عن نقص العملة الأجنبية في البلاد. لكن في المقابل تهدد القروض المتزايدة بإغراق مصر بالديون التي أوصلت بلدانا عدة إلى الإفلاس، خصوصا وأن واردات مصر من العملة الصعبة لا تفي بمتطلبات خدمة الدين”.
في ظل تلك الأزمات وتلك المخاوف، قال وزير المالية، محمد معيط، إن الحكومة تستهدف تسجيل معدل نمو بنسبة 5.5 بالمئة من الناتج المحلى الإجمالي، وتحقيق فائض أوَّلي مستدام يصل إلى نحو 2 بالمئة في المتوسط، وذلك في العام المالي 2023- 2024.
وأضاف الوزير في بيان، السبت 24 ديسمبر الجاري، أن الحكومة تعمل على وضع معدلات العجز والدين في «مسار نزولي».. لافتًا إلى أن المالية تستهدف خفض عجز الموازنة ليكون في مستويات 5 بالمتئة على المدى المتوسط، مع استهداف تراجع معدل المديونية الحكومية إلى أقل من 80 بالمئة من الناتج المحلى الإجمالي مع نهاية عام 2027.
وتابع معيط إن مشروع موازنة العام المالي الجديد يركز على الأولويات التنموية، وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية، والتعامل مع آثار التحديات الاقتصادية الدولية والمحلية، بما يسهم في الحد من تداعيات الموجة التضخمية العالمية على المواطنين في مصر بقدر الإمكان.