ليس هناك نهاية تلوح في الأفق| تقرير لـ”سي إن إن” يسأل: مع استمرار التدهور المالي.. كيف أصبحت مصر أكبر دولة عربية “مدمنة على الديون”؟
التقرير: بدون الإصلاحات المناسبة قد لا تتمكن مصر أبدًا من التخلص من مشاكلها المالية المزمنة وكسر إدمانها المتزايد على الديون
سي إن إن: مصر كانت على طريق الإدمان منذ 2016.. والمحللون يؤكدون أن المشكلة تكمن في العجز الواضح عن تغيير طريقة عمل اقتصادها
تنفق الدولة التي تعاني من ضائقة مالية أموالها على مشاريع ضخمة وفاخرة.. بينما تحتاج قطاعات أخرى للدعم بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية
كتب – أحمد سلامة
نشر موقع “سي إن إن” تقريرًا، قال فيه إن مصر حفرت لنفسها “فجوة هائلة من الديون”، مشيرًا إلى أن قرض صندوق النقد الدولي الأخير بقيمة 3 مليارات دولار هو رابع حزمة مساعدات خلال ست سنوات في ظل “استمرار التدهور المالي”، حسب الموقع.
وتم الإعلان، السبت، عن قرض صندوق النقد الجديد والذي تصل مدته إلى 46 شهرًا على أن يكون القسط الأول 347 مليون دولار أمريكي، مرتبطًا بعدة شروط أبرزها سعر صرف مرن وخفض التضخم و”إدارة الديون” وإصلاحات هيكلية للحد من تأثير الدولة وتسهيل نمو القطاع الخاص وتعزيز الحوكمة وضبط الأوضاع المالية وزيادة الإنفاق الاجتماعي وإدارة المشاريع الوطنية بطريقة تتماشى مع الاستقرار الاقتصادي.
وحسب “سي إن إن”، يقول الخبراء إن القرض، إلى جانب مليارات الدولارات من التدفقات النقدية الواردة من أبو ظبي والرياض، عبارة عن مساعدات إسعافية، تهدف إلى الحفاظ على أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان. ومع ذلك ، فبدون الإصلاحات المناسبة، قد لا تتمكن مصر أبدًا من التخلص من مشاكلها المالية المزمنة وكسر إدمانها المتزايد على الديون.
وأشار الموقع إلى أنه خلال الأشهر الأخيرة انخفض الجنيه المصري، حيث فقد 14.5٪ من قيمته مقابل الدولار في أكتوبر، فيما ارتفعت أسعار الخضار ومنتجات الألبان والخبز بشكل كبير، وتقيد بعض العائلات وجباتهم الغذائية مع تقلص قوتهم الشرائية، بينما يكافح آخرون للعثور على المنتجات المستوردة بمجرد توفرها في متاجرهم المحلية.
وحذر التقرير من أنه في بلد له تاريخ طويل من التوتر السياسي ويزداد عدد سكانه بسرعة – حاليًا 104 ملايين شخص- يمكن أن تكون تداعيات الألم الاقتصادي بعيدة المدى والأثر.
ويضيف التقرير “يدرك الداعمون الرئيسيون لمصر في دول الخليج العربي ما هو على المحك هنا، لذا تدفقت مليارات الدولارات من أبو ظبي والرياض على الاقتصاد المصري في السنوات الأخيرة، وشهدت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مكاسب هائلة غير متوقعة على خلفية ارتفاع أسعار النفط هذا العام، لقد استخدموا بعض هذه الأموال لدعم اقتصادات حلفائهم في الشرق الأوسط”.
لكن التقرير يستدرك “ومع ذلك، فإن الاقتصاد المصري يكافح للتخلص من مشاكله الاقتصادية، حيث بلغ التضخم أعلى مستوياته في خمس سنوات، مما جعل الغذاء والسلع الأساسية الأخرى بالكاد في متناول عشرات الملايين من المصريين الضعفاء”.
وكتب ستيفان رول، رئيس قسم إفريقيا والشرق الأوسط معهد الشؤون الدولية والأمنية (SWP) في برلين، “تدين الدولة الواقعة في شمال إفريقيا الآن بأكثر من 52 مليار دولار لمؤسسات متعددة الأطراف ، 44.7٪ منها على الأقل مستحقة لصندوق النقد الدولي وحده”.. ويضيف: “ليس هناك نهاية تلوح في الأفق”.
ويتساءل التقرير “لكن كيف وصلت مصر إلى هنا؟”، قبل أن يضيف “يقول المحللون إن المشكلة تكمن في عجز مصر الواضح عن تغيير الطريقة التي يعمل بها اقتصادها، بما في ذلك تخفيف القيود المشددة التي يمارسها الجيش وشركاته العديدة. ويقول الخبراء إن هذه مشكلة تعيق المنافسة في القطاع الخاص وتؤدي إلى الابتعاد عن الاستثمار”.
ويؤكد التقرير أن مصر “كانت على طريق الإدمان على الديون لعدة سنوات”، ففي عام 2016، أبرم الرئيس عبد الفتاح السيسي صفقة مع صندوق النقد الدولي لمنح قرضًا بقيمة 12 مليار دولار، وتم منح خطة الإنقاذ بشرط تعويم العملة المصرية بحُرية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى خفض قيمتها بمقدار النصف في غضون أسابيع، مما أدى إلى ارتفاع التضخم، فتم تطبيق إجراءات تقشف قاسية – بما في ذلك خفض الدعم على الوقود والكهرباء – في محاولة لاستعادة الموارد المالية الحكومية.
ويوضح التقرير “على الرغم من خطة الإنقاذ، كافحت مصر لاستعادة نفسها بالكامل، حيث عزا المحللون الإخفاقات المتكررة في إنعاش الاقتصاد إلى الاتفاقات الفضفاضة وسوء إدارة القروض”.
ونقلت “سي إن إن” عن تيموثي قلدس، زميل السياسات في معهد التحرير، قوله “لا يقتصر الأمر على كونها [قروضًا] ضمادات مؤقتة، فهي ليست مشروطة بطريقة من شأنها أن تدفع فعليًا نحو الإصلاحات اللازمة للسماح للاقتصاد المصري بالتعافي”.
ويضيف: “مؤخرًا يبدو أنهم (المقرضون متعددو الأطراف) بدأوا يلاحظون ذلك أخيرًا، ويبدو أنهم يريدون رؤية بعض تلك الإصلاحات، لكنهم لم ينجحوا في إقناع المصريين بها”.
ويستكمل “كما تنفق الدولة التي تعاني من ضائقة مالية الكثير من أموالها على المشاريع الضخمة الفاخرة التي يصفها النقاد بأنها “غير ضرورية” عندما يبدو أن القطاعات الأخرى في حاجة ماسة إلى الدعم، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية”.. مشيرًا إلى أن البيانات المتعلقة بإنفاق الدولة على هذه المشاريع غير متاحة للجمهور.
ويلفت التقرير النظر إلى أن “السلطات المصرية تقول إن ما يقرب من 30٪ من سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر، فيما قدر البنك الدولي في عام 2019 أن “حوالي 60٪ من سكان مصر إما فقراء أو ضعفاء، مما يسلط الضوء على التفاوت المتزايد بين الأغنياء والفقراء”.