د. زهدي الشامي يكتب: الوضع المأزوم لحقوق الإنسان والحريات.. كل الإصلاحات محدودة
مايزال وضع حقوق الانسان في مصر مترديا للغاية رغم بعض الخطط والوعود الإصلاحية التي لم تسفر سوى عن خطوات إصلاحية جزئية محدودة.
ورغم أن الحكومة في مصر قد أطلقت منذ نحو عام مضى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مسعى لإحراز تقدم، يرى غالبية المتابعين أنه مازال يغلب عليها حتى الآن الجانب الدعائي وتبيض وجه الحكم أكثر من إحداث تغيير ونقلة حقيقية.
وكانت الحكومة قد أطلقت هذه الاستراتيجية دون تشاور ومشاركة شعبية حقيقية مع المجتمع المدني والقوى السياسية ولذلك لم تحدد بشكل واضح أبعاد أزمة حقوق الإنسان في مصر ولا أسبابها ولا المسؤولين عنها.
وعلى الرغم من محاولة تحسين الصورة في سياق التحضير المؤتمر المناخ العالمي في شرم الشيخ، وما سبقه من الدعوة لحوار وطني داخلي، ارتبط به دعوة الرئيس لتفعيل لجنة العفو الرئاسي للإفراج عن سجناء الرأي، وارتبط بذلك بالفعل بالإفراج عن مئات من المسجونين في قضايا سياسية وقضايا خاصة بحرية التعبير، فلم يشمل العفو أو إخلاء السبيل جميع المدرجين على قوائم العفو المقدمة من الأحزاب والقوى المدنية، واستمر سجن مئات في ظروف سيئة وعلى رأسهم علاء عبد الفتاح، كما تواكب مع ذلك القبض على أعداد أكبر في مناسبات متعددة وبتهم مختلفة، ومن بين ذلك أعداد كبيرة على خلفية الدعوة الغامضة للتظاهر في ١١/١١. وللأسف فقد امتد الأمر لإعادة القبض على بعض من تم الإفراج عنهم حديثا كـ شريف الروبى وزياد أبو الفضل، وشمل الأمر سجن صحفيين وصحفيات كالمذيعة هالة فهمي.
ولم يحدث أي تقدم في باقي جوانب حقوق الإنسان ومن بين ذلك استمرار حجب مئات المواقع الألكترونية الإخبارية بشكل متعسف، وعدم حدوث أي نقلة حتى الآن في مجال القوانين المقيدة للحريات وفي مقدمتها الحبس الاحتياطي لعامين، وهو أمر يجري أيضا تمديده لسنوات أخرى بفضل ما يعرف بسياسة التدوير على قضايا جديدة بنفس الاتهامات.
ولاتزال كل القيود السابقة على الحريات العامة سارية والانتهاكات لها مستمرة، وتجلى ويتجلى ذلك في التدخل في حرية التنظيم السياسي والنقابي، وشطب المرشحين للانتخابات النقابية الأخيرة بالجملة، وهي سياسة امتدت أيضا لانتخابات الاتحادات الطلابية الأخيرة، بما لا يبشر بوجود تحسن حقيقى في مجال الحريات وحقوق الإنسان والممارسة الديموقراطية.
من موافق القول أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي يحاول الحكم في مصر التذرع بأنها هي الأهم بالمقارنة بحقوق التعبير عن الرأي، تتعرض هي الأخرى لانتهاكات يومية تتمثل في استخدام السلطة للقوة المفرطة والاعتقالات لمنع كافة الشرائح والفئات الاجتماعية من التعبير عن مصالحها وحقوقها المشروعة، وقد تجلى ذلك في التدخل الأمني المتكرر والتوسع ضد سكان العشوائيات والمناطق الشعبية لإجبارهم على ترك منازلهم ومناطقهم في أماكن متعددة كمثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق ونزلة السمان بالقاهرة ونادي الصيد بالاسكندرية، وساحل العريش وغيرها. وكذلك مع عمال العديد من المصانع والشركات الرافضين للخصخصة أو التصفية ، أو المطالبين بأجورهم وحقوقهم كعمال الحديد والصلب ، وسماد طلخا ، ويونيفرسال وغيرها.
وفي ظل هذا الوضع فإن مختلف البيانات الصادرة من الحكومة أو من مجلس النواب أو الشيوخ، لا تعدو للأسف أن تكون تبريرًا لهذه الممارسات والانتهاكات التي تعد تلك المؤسسات الحكومية ذاتها مسؤولة عنها سياسيا. ويدخل في ذلك رد البرلمان المصري على قرار البرلمان الأوروبي الذي حاول إنكار واقع القيود الغليظة التي يقر بها أي مراقب منصف، وعمليا إنكار وجود أي مشكلة لحقوق الإنسان في مصر أصلا، وبغض النظر عما يمكن أن يكون قد تضمنه هذا القرار أو غيره من بعض الأخطاء أو التحيزات.