كريم محمد الجمال يكتب: دير قانون بلدة الشهداء
تعرف بلدة دير قانون النهر الجميلة في قضاء صور بجنوب لبنان ببلدة أو ضيعة الشهداء والعلماء لكثرة ما خرجت هذه الأرض الطيبة منهم ،وقد عرف عن أهلها الكرم والترحاب وحسن الأخلاق.
دير قانون النهر يحدها من الغرب بلدتي العباسية وكفر رحال، ومن الشمال بدياس
وتقع مدينة صور عموماً بعد صيدا التي تعتبر بوابة الجنوب اللبناني وتبعد عن العاصمة بيروت حوالى ساعة أو أكثر، أهالي الجنوب لهم خصوصية عن باقي اللبنانيين تخص التوجه السياسي وقبله الطائفة وهو ما ينعكس على النسيج الاجتماعي مع احتفاظهم بإرث ثقافي مميز ،المتجه من بيروت جنوباً وبعد المرور بميناء صيدا المذهل تبدأ شعارات ولافتات لحركة أمل أو أفواج المقاومة اللبنانية وحزب الله بأعلامهما ورموزهما في الظهور مع صور للإمام السيد موسى الصدر والسيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله ،وأحيانا الشيخ راغب حرب والسيد عباس الموسوي الشهيدين والأمينين السابقين لحزب الله ،والرئيس نبيه بري رئيس مجلس النواب في لبنان .
أهالي البلدة مثل أغلب سكان البلدات في وطننا العربي حيث التمسك بالعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية الأصلية وحب الجار واحترام الكبير والتكافل الاجتماعي ،فيشعر الزائر أنه بين أهله وأن الضيعة كلها أسرة واحدة في الغالب يكون عائلتين كبار )بيوت( أو ثلاثة تتشكل منهم غالبية السكان وبينهم المصاهرة والنسب .
دير قانون النهر وغيرها من البلدات الجنوبية تتميز بطبيعة خلابة فهي تجمع ثلاث مميزات الجبل والبحر والمساحات الخضراء من المزروعات والمحاصيل من الموالح والزيتون الذي يكون موسمه فيمثل هذا التوقيت من السنة، وربما انعكس هذا على طبيعتهم في بساطتهم وشموخهم واعتدادهم بأنفسهم وتراثهم بالأخص لأنهم قدموا شهداء كثيرين على مدار سنوات الاحتلال الإسرائيلي حتى التحرير ومن بعده حرب تموز 2006.
أهم ما اشتهرت به البلدة كسائر أهل الجنوب حبهم للعلم والمعرفة والثقافة وحرصهم على تعليم أبنائهم سواء العلم الشرعي في الحوزات الدينية أو في الجامعات ،ولهذا حبا الله عز وجل هذه المنطقة وأهلها بذكاء فطري فيخرج منهم المتفوقون دراسياً والشعراء والأدباء والفنانين ،ولهذا سميت بلدة الشهداء والعلماء ولكن درة التاج هو فاتح عهد الاستشهاديين الشهيد أحمد جعفر قصير الذي نفذ عملية استشهادية قلبت موازين الصراع العربي الإسرائيلي فلم يحسب المحتل أن من الممكن خروج بطل من هذه الأرض يقلبها عليهم راساً على عقب
قان الشهيد أحمد قصير بعملية نوعية لم تغير فقط مسار الاحتلال في لبنان بل في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، فتحرير لبنان بعد سنوات الاحتلال وضع حد لفكرة المحتل أنه باق في لبنان وأن لبنان سيظل تحت سيطرته خاضعاً أبد الدهر ولكن هؤلاء الجنوبيين الذين تربوا على ثقافة الاستشهاد والثورة الحسينية لا يمكن ألا يلبوا نداء الوطن ، فكان تفجير مقر الحاكم العسكري في صور لينفجر بمن فيه ويعيد الاحتلال حساباته من جديد .
أهالي الجنوب وبالأخص دير قانون النهر في كل بيت شهيد أو أكثر ، ومن لم يتقدم للشهادة هو مشروع شهيد يستعد في أي ظروف للتقدم للاستشهاد دفاعاً عن بلده فقد ينشب الصراع مع الاحتلال ، ولهم في سلفهم الشهيد أحمد قصير خير مثال .
دير قانون النهر مثال للبلدة الطيبة الشاكرة لأنعم الله ،وأهلها صامدون صابرون محتسبون ورغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في لبنان بسبب الحصار المفروض عليه إلا أن الابتسامة لا تفارق وجوههم، تراث شهداءهم يتناقلونه من جيل لجيل ،وتظهر صور الشهداء في كل أنحاء البلدة والبلدات المحيطة ،والاحتفاء الكبير بالشهداء وأسرهم تقليد رائع يظهر قيم الوفاء والتضحية والفداء التي قدموها ومن قبلهم هذه الأسر الكريمة الشريفة المضحية ،وتتعدد المناسبات الاجتماعية لتكريم هؤلاء الشهداء وأسرهم واهمها بالطبع ذكرى استشهاد أحمد قصير في الحادي عشر من نوفمبر وهو ما اصطلح عليه بأنه يوم الشهيد.
رحم الله الشهداء وغفر لهم وألهم ذويهم الصبر والسلوان ،ليس في دير قانون النهر فقط بل في لبنان وكل وطننا العربي.