عبـد المجيد المهيلمي يكتب: حقائق غائبة في حديث السيد محافظ البنك المركزي بالمؤتمر الاقتصادي
حقائق غائبة في حديث السيد محافظ البنك المركزي بالمؤتمر الاقتصادي
ذكرتنا كلمة محافظ البنك المركزي الجديد حسن عبد الله في المؤتمر الاقتصادي بالحديث الشائن للمحافظ السابق طارق عامر مع المذيعة لميس الحديدي عام 2016 الذي قال فيه:”عايزين نقوي البورصة زي ما قلنا.. أحنا.. مصر بورصتها لازم تبقى من أقوى البورصات الموجودة.. ودي حاجة قابلة للتحقيق”.
وأكد مكررا: “قابلة للتحقيق.. آه.. ودي حتفرق.. حتعمل وضع، وسمعة، وتدفقات”. وأنهى حديثه مقهقها: “وبعد كده يبقى الدولار بأربعة جنيه، والا حاجة ونرتاح من القصة دي”!
المفترض في محافظ البنك المركزي التحفظ في كلامه، وألا يلقيه على عواهنه، والبعد تماما عن الدردشة، والمتوقع أن يكون كلامه مدروسا ومبنيا على معلومات وبيانات حقيقية وأرقام دقيقة.
بداية أود أن أثمن على ما قاله السيد المحافظ في بداية حديثه بالمؤتمر بإن: “أحنا عايزين مصداقية البنك المركزي تبقى في أعلى درجة في السوق.. لأن ده جزء مهم قوي”، إلا أن ذلك لا يستقيم مع ما ذكره بعد دقائق قليلة بأن: “عملتنا زادت مثلا على الليرة التركي مائة في المائة، زادت على الإسترليني، زادت على اليورو. لكن الناس ما بتشوفش ده كله!”
فيا ترى ماذا يرى الناس البسطاء؟
انظر رسم بياني (١)
يعبر المحور الرأسي عن السعر بالجنيه المصري لوحدة واحدة من كل عملة، أما المحور الأفقي فيعبر عن الزمن.
ويحتوي الرسم البياني على أسعار صرف العملات الأربعة التي تحدث عنها السيد المحافظ، وذلك في أربعة تواريخ تمثل محطات مهمة في تاريخ مصر الحديث، وتنتهي الخطوط البيانية بأسعار الصرف الرسمية المعلنة (وليست الأسعار الفعلية المتداولة بسوق الصرف) في تاريخ انعقاد المؤتمر الاقتصادي. يشير الخط البياني لليرة التركية بأنها العملة الوحيدة بالرسم التي انخفضت قيمتها مقابل الجنيه، والمعروف أن سعرها انهار انهيارا كبيرا مقابل جميع العملات في السنوات القليلة الماضية، ولا يصح أن تكون مرجعا لنا في المقارنات. ولكن ماذا عن الإسترليني واليورو؟ بنظرة سريعة على المنحنى يتضح جليا أن الجنيه المصري لم يرتفع بل تدهورت قيمته مقابل الإسترليني واليورو تدهورا كبيرا.
بالجدول (٢) أسعار صرف العملات بالجنيه المصري في التواريخ التي حددناها.
ففي ظل حكم مرسي ارتفع الإسترليني بنسبة 14%، واستمر في الارتفاع منذ تولي الرئيس السيسي الحكم وحتى تاريخ المؤتمر بنسبة 85%. أما اليورو فقد تضاعف سعره من 9.7 ج إلى 19.4ج منذ 3 يونيو 2014. صحيح أن سعري الإسترليني واليورو وصلا، في بعض الأوقات، إلى مستويات أعلى من سعرهما مؤخرا، ولكن لا يمكن القول علميا عن التراجع الطفيف لهما بإن قيمة الجنيه “زادت على الإسترليني، زادت على اليورو”، فهذه مقولة خاطئة مائة في المائة لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال.
ومن ضمن ما قاله سيادة المحافظ عن الجنيه في تعجب: “مش شايف ليه في مخ الناس دائما مربوط بالدولار؟!”. ونحن هنا نقدم لسيادته بعض الأسباب، في شكل تساؤلات، ربما ساعدته على رؤية الأمور بوضوح أكثر.
أين العجب في ذلك يا سيادة المحافظ، أليس الدولار الأمريكي هي العملة الأكثر استخدامًا في التجارة الدولية للسلع والخدمات؟ ألا تتم السياحة العالمية مثلا في معظمها بالدولار؟! ألا يتم تسعير شتى عملات العالم في سوق الصرف الأجنبي بين البنوك مقابل الدولار؟! وألا تتم معظم التداولات به مقابل الدولار؟! أليس للدولار نصيب الأسد في متحصلات مصر من العملة الصعبة (الصادرات، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، والسياحة، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، ورسوم عبور قناة السويس)؟!
وأخيرا وليس آخرا، ألا يحتفظ البنك الذي ترأسه بالدولار، ككل البنوك المركزية الأخرى في العالم، كأكبر عمله في احتياطي النقد الأجنبي، كما يقوم بتقييم احتياطي الدولة به؟! إن الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تريد أن تحل عملتها اليوان محل الدولار الأمريكي كعملة عالمية، وهي تسعى حثيثا منذ عدة سنوات إلى أن تجعل من عملتها عملة عالمية، وعلى الرغم من تفوقها الاقتصادي الكبير وحجم ونسبة اقتصادها في الناتج الإجمالي العالمي فهي مازالت بعيدة جدا عن بلوغ هدفها. ومن المرجح أن يظل الدولار العملة العالمية المفضلة في المستقبل المنظور نظرا لثقة العالم في قدرة أمريكا على الوفاء بالتزاماتها بالرغم من ديونها الخارجية المقدرة بتريليونات الدولارات. وعليه فأننا لا نعتقد أن الذي “حنبتدي نعمل حاجة اسمها مؤشر الجنيه المصري.. المؤشر ده حيبقى ياخد بعض العملات.. وبعض الـ..الـ.. ويمكن الذهب و.. وإلي آخره” سيغير شيئا على أرض الواقع، بخلاف كونه بالطبع مادة جيدة لمانشيتات جذابة تتصدر الصفحات الأولى للصحف المصرية.
عبد المجيد المهيلمي