أحمد النجار يكتب: الجنيه والروبل ومصلحة الاقتصاد المصري
تواترت الكثير من التصريحات والأنباء عن إدخال البنك المركزي المصري للعملة الروسية الروبل ضمن العملات الرئيسية التي تتعامل بها البنوك المصرية في نهاية الشهر الجاري، دون أن يكون هناك إعلان رسمي من البنك المركزي المصري حتى الآن. ولو تم اتخاذ هذا الإجراء فإنه سيؤدي إلى تشجيع السياحة الروسية في مصر بشكل هائل خاصة في ظل إصرار روسيا على الإسراع في اتجاه تسوية علاقاتها الاقتصادية الدولية بعيدا عن الدولار وبالاعتماد على عملتها وعملات شركائها التجاريين. وتعتبر روسيا كدولة منفردة هي أكبر مورد للسياح لمصر في الأوقات العادية التي لا يكون فيها حظر سفر لأسباب طارئة. كما سيؤدي ذلك الإجراء إلى تشجيع تدفق الاستثمارات الروسية المباشرة إلى مصر، وإلى تنشيط التجارة السلعية وبخاصة الصادرات المصرية إلى روسيا بما ينطوي على مصلحة كبرى للمصدرين المصريين والاقتصاد المصري عموما. وإضافة لكل ذلك فإنه يشكل خطوة حتى ولو كانت صغيرة لإنهاء الهيمنة اللصوصية للدولار على تسوية العلاقات الدولية التي تمكن الولايات المتحدة من نهب سلع وخدمات العالم مقابل مجرد أوراق لا تتمتع بأي غطاء ذهبي منذ عام 1971، ولا تتمتع بغطاء إنتاجي منذ ثمانينيات القرن الماضي.
لكن تفعيل وتعظيم تلك المصلحة المصرية من إقرار استخدام الروبل في تسوية العلاقات الاقتصادية مع روسيا يحتاج لبعض الضوابط قبل اتخاذ هذا الإجراء وأهمها ضمان استقرار سعر صرف الروبل والجنيه أو تحركهما في مدى محدود لأن العملات شديدة الاضطراب صعودا وهبوطا لا تصلح لتسوية الالتزامات الدولية أصلا. وبالتالي فإن استقرار سعر صرف الجنيه والروبل هو أمر حاسم في تحديد إمكانية وجدوى وفعالية استخدام العملتين في تسوية العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا.
وتتركز العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا في التجارة السلعية والسياحة، بينما تعتبر العلاقات في مجال الاستثمارات المباشرة قزمية رغم أن روسيا هي سادس أكبر دولة في العالم تدفقت منها استثمارات مباشرة للدول الأخرى في عام 2021، حيث تدفقت منها استثمارات مباشرة قيمتها 63,6 مليار دولار لمختلف دول العالم في العام المذكور وفقا لتقرير الاستثمار العالمي (2022) الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. ولم يكن لمصر نصيب من تلك التدفقات الاستثمارية الروسية للخارج!
أما بالنسبة للتجارة السلعية التي يمكن لهذا الإجراء أن يؤدي لتطويرها بشكل سريع، فإن قيمة صادرات مصر لروسيا في التسعة أشهر الأولى من العام المالي 2021/2022 بلغت 159,1 مليون دولار، بينما بلغت قيمة الواردات المصرية من روسيا في الفترة نفسها نحو 2665 مليون دولار. أي أن العجز التجاري المصري مع روسيا بلغ نحو 2505,9 مليون دولار في الفترة المذكورة.
ورغم أن الاختلال في التجارة السلعية بين البلدين يبدو غير عادل أو تجسيد لتجارة غير عادلة، لكنه في الحقيقة يعبر في ظل انفتاح السوق الروسية، عن ضعف قدرة مصر على تصدير السلع نتيجة ضعف القطاع الإنتاجي وبالذات في الصناعة التحويلية، وضعف القدرة على ترويج وتصدير السلع الزراعية مثل الخضر والفاكهة التي تملك مصر فائضا كبيرا فيها. كما أن بعض الدول التي قبلت بالتعامل بالروبل في التجارة مع روسيا مثل تركيا، تمكنت من إزاحة بعض الصادرات المصرية لأن المستورد الروسي يفضل الشريك التجاري الذي يقبل عملته المحلية بدلا من الدولار.
وتعول مصر دائما على صادراتها من الخدمات السياحية وخدمات المرور عبر قناة السويس، لتحقيق درجة من التوازن في ميزان تجارة السلع والخدمات مع روسيا. لكن المعيار الأكثر أهمية في توازن العلاقات بين الاقتصادين المصري والروسي يبقى هو التوازن في التجارة السلعية المختلة لصالح روسيا بما يستدعي تطوير القدرات الإنتاجية لمصر ليكون لديها ما تصدره لروسيا في مجال السلع الصناعية، ويستدعي تطوير القدرة على تحسين وترويج وتصدير السلع الزراعية الخام والمصنعة. كما يستدعي أيضا بحث الصيغة التي يمكن من خلالها تسوية التعاملات بينهما بعملتيهما وهو أمر ينطوي على فوائد عظيمة لكلتيهما، لكن لابد وأن يسبقه ضمان استقرار سعر صرف العملتين أو تحركهما في مدى محدود ومحدد.