رشا رفعت شاهين تكتب: الفسيخ والموت والحياة
اول مرة حسبما اتذكر أحضرت والدتي فيها فسيخا أصابني الذعر من الرائحة، رائحته كالموت، أحسست أن أمي قتلت شخصاً ما وتمسك بجثته فرحة بعد حرب شرسة، بينما علي النقيض كانت عملية تحضير وتنسيق السفرة وتقطيع البصل وفرش مفرش ملون، وانواع أخري من الطعام الحي وترمس اصفر جميل يشبه شروق شمس، كل ذلك جعلني أشعر بأن الموت ليس كل شيء وأن رائحته لن تغلب روائح الحياة، انها عملية تنكيل بالموت واستهزاء به وبما يفعله في الأجساد، وانه رغم افساده لتلك الأجساد إلا اننا مازلنا نستطيع أن نستمتع بها بشكل مختلف بل وعمل عيد للاحتفال بالانتصارعليه، وإعادة إحياء الجثث باعادة الاستفادة منها وتزيينها واحاطتها بالألوان وبالأشخاص المستهزئين السعداء، وقتها أيضا رأيت أن الموت قزم وضئيل واننا الأقوى بتجمعنا وفرحتنا وبهجتنا، وأن الفسيخة والجثة المهترئة نتنة الرائحة ربما ترمز للموت نفسه، وأكلت الفسيخ وأنا شاعرة بكل قوة وانني قد تجددت .
بداخلي الحياة بعد انتصاري عليه ، كطقس وثني تقوم به قبيلة إفريقية بالتهام موتاها حتي تستمر حياتهم في أجساد أولادهم حسب إعتقادهم، السر الأشد غرابة علي الإطلاق في موضوع الفسيخ والذي لم يلتفت إليه أحد هو أنه عند فتح الفسيخة فهي تكاد تشبه إلى حد التطابق الجهاز التناسلي الخارجي للإناث، وكأن الإحتفال بالانتصار على الموت ولادة جديدة للحياة، أو كأننا نستحضر ألهة الخصب والنماء في الحضارات القديمة والتي كان يُرمز لها أحياناً بالاعضاء الأنثوية، كأننا نخبر الكون بأننا نعرف تماما أن البداية كانت ربما أنثي وأنها واهبة للحياة.