د. أحمد حسين يكتب: أشكيف الأطباء في سوهاج
لمن لم يقرأ أو يشاهد أعمال ألف ليلة وليلة، فالأشكيف المخيف هو من خطف ست الحسن واحتجزها داخل قفص حديدي حتى حررها فارسها زعفران وقتل الأشكيف.. ولمن يريد أن يختصر قراءة قصة الأشكيف أو لا يهوى مشاهدة التلفاز، فأقص عليه رواية مشابهة ربما تكون أشد قسوة، ولكنها حقيقية ولم تنتهي فصولها بعد.
منذ حوالي عشرين عامًا استقطع أطباء وطبيبات قسم النساء بمستشفى سوهاج العام من رواتبهم، ما أقاموا به غرفتين من الإنشاءات الخفيفة (المونتال) في ردهة القسم، تستطيع فيهما الطبيبة أو الطبيب خلع ملابسه الخاصة وارتداء زي العمل المتواصل لمدة 12 ساعة على الأقل، أو يبدل ملابسه إذا اتسخت من متابعة المرضى أو إجراء عملية، مر مديرون كثيرون على إدارة المستشفى بما لهم وما كان عليهم، وقسم النساء وغيره مستقر وكذلك غرف الإستراحات، إلا أنه منذ أيام فوجيء أطباء وطبيبات النساء والذين يزيد عددهم عن الستين طبيب وطبيبة، بفرمان من مدير المستشفى (الحاكم بأمره) بإزالة الغرفتين ومصادرة دواليب الملابس والتكييف الذي اشتراه الأطباء بأموالهم الخاصة، ثم تبعه فرمان آخر بنقل مرضى قسم النساء الذي يزيد عددهن على العشرين مريضة، إلى قسم الجراحة العامة نساء الذي يضم مريضتين فقط!
تبرير ربما كان للبعض منطقيًا أطلقه مدير المستشفى، وهو أنه سيطور استراحة الممرضات الحالية وأنه مضطر أن ينقلهن إلى قسم النساء مؤقتًا لوجود باب حديد على مدخل القسم تأمينًا للمرضات، لاحظ أن استراحة الممرضات تقع في مبنى يفصله مبنى ثان عن المبنى الثالث الذي يقع فيه قسم النساء، هذا المبرر تلاشت منطقيته عندما عرضت على المدير تبرعي بتدعيم مدخل قسم غير مستخدم بباب حديد، هذا القسم يقع أسفل استراحة الممرضات الحالية، وبالفعل قمت بالتواصل مع مهندس وأكد لي أنه سينهي تركيب هذا الباب الحديد قبل البدء في تطوير الاستراحات، لم أستغرب كثيرًا لرفض المدير هذا الحل المثالي والإصرار على إزالة استراحتي أطباء وطبيبات النساء، فالسبب ليس تطوير المستشفى.
يرى مدير المستشفى أن أحد أطباء النساء قد تنمر عليه وانتقد طريقته في الإدارة، وأخرى ادعت أن دولاب ملابسها الذي أزاله المدير به نقود، وطبيب شاب لم يطاطيء الرأس عندما صاح به المدير أمام العمال والمرضى ناهرًا إياه عن وجود مخلفات طعام في غرفة بالقسم، فقد أخطأ الطبيب من وجهة نظر مدير المستشفى عندما رد عليه بأن ذلك من واجبات العمال ومعاون المستشفى وليس الطبيب.
خلط للأمور وانتقام لا يحدث من صاحب عزبة من العاملين لديه، مدير مستشفى حكومي يختلف مع بعض الأطباء فيقرر أن ينتقم من جميع أطباء التخصص كلهم، يقفون 12 ساعة على أقدامهم ويستبدلون ملابسهم في غرفة كشف المرضى ويحتاطوا لعدم دخول دورات المياه طول مدة نوباتجيتهم.. اقترحت أنا على المدير أن يعد ضمن أعمال التطوير غرفتين إحداهن لصلب الأطباء وصعقهم بالكهرباء ومثيلتها للطبيبات.
تذكرت أثناء معايشتي لتلك النكبة، قصة تعذيب أخرى شهدتها قبل ثورتين، في عام 2010 عندما لم يكتف محافظ أسيوط بخصم 10 أيام من رواتب خمسة أطباء من منفلوط، فأرسلهم إلى رئيس قطاع مكتب حاتم الجبلي وزير الصحة وقتها، فألزمهم حينها أن يجلسوا على مقعد في طرقة بين درجات السلم من التاسعة صباحًا حتى الخامسة مساءً لمدة 5 أيام، تلك القصة التي كتب عنها العراب د.أحمد خالد توفيق مقاله” الطبيب ذلك المجهول.
المدير حتى الإنتهازي ولكن الذكي، هو من يعي أن الفريق الطبي مكبل بالضغوط المهنية والإجتماعية، وحقوقه لا ينال منها إلا الفتات مقارنة بدول مماثلة لأحوال مصر الإقتصادية، يدرك هذا المدير”الذكي” أنه عندما يُحسن معاملة مروؤسيه سيكونوا له سلاحًا يطهر عيوبه بدلًا من أن يكونوا سلاحًا ضده يُظهر تقصيره في ظل منظومة منهكة الإمكانيات.
تقدم أطباء وطبيبات النساء والتوليد بمستشفى سوهاج العام بشكوى إلى السيد محافظ سوهاج والسيدة وكيلة وزارة الصحة بالمحافظة، وأرجو أن يتفضلا بزيارة المستشفى بجميع أقسامها ومبانيها وعدم الإكتفاء بقسمين يبرزهما المدير لكل زيارة، ربما يقررا بعد تلك الزيارة تغيير الإسم من “مستشفى” إلى إسم يليق بمحتوياتها.
عزيزي القارىء، عزيزي الطبيب، إذا دار بخلدك سؤال عن نقابة الأطباء فأحيطك علمًا أن إثنين من نواب مدير المستشفى عضوان بمجلس نقابة أطباء سوهاج!.
عزيزي القاريء، هل علمت من الأشكيف.. سأتابع عن كثب مع الأطباء والطبيبات نكبتهم عسّانا أن نجد فارسًا مخلصًا كـ”زعفران”.