د. محمد مدحت مصطفى يكتب: الاتفاقيات الدولية وحوض نهر النيل (3).. القانون الدولي الجديد
القانون الدولي الجديد:
بعد المجهودات الكبيرة التي بذلتها لجان القانون الدولي على مدى 27 عاماً (1970-1997م) اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 مايو 1997م الاتفاقية الدولية الجديدة لاستخدام المجاري المائية الدولية في غير أغراض الملاحة النهرية. وقد جاءت هذه الاتفاقية بموافقة 104 أصوات، واعتراض ثلاث دول هي “الصين – تركيا – بوروندي”، وامتناع 27 دولة عن التصويت من بينها “مصر – فرنسا – إثيوبيا”، وما زال الباب مفتوحاً للتوقيع عليه من قِبَل باقي دول العالم. ورغم هذه الفترة الطويلة من المناقشات فلم يحظى القانون الجديد بموافقة جميع دول العالم، حيث جاءت بعض بنوده إن لم تكن مخالفة لقواعد القانون الدولي التي استقرت في وجدان الضمير الإنساني فإنها جاءت في غير ترتيبها الصحيح من حيث الأهمية، مع ما يترتب على ذلك من انعكاسات في التطبيق العملي.
I– المعالم الرئيسية للقانون:
يُمكن القول أن الاتفاقية الجديدة هي اتفاقية إطاريه بمعنى أنها تضع القواعد العامة والأصول الكلية المتعلقة باستخدامات الأنهار في غير شئون الملاحة والقواعد الأساسية التي يتم بمقتضاها تقاسم الموارد المائية للأنهار بوجه عام. ثم تأتي بعد ذلك اتفاقية خاصة لكل نهر من الأنهار يتم إبرامها بين الدول النهرية التي تتقاسم مياهه فيما بينها، بحيث تنطلق من القواعد العامة والأصول الكلية التي تضمنتها الاتفاقية آخذة في الاعتبار الأوضاع الخاصة بالنهر من جميع النواحي.
تأتي المادة الثالثة من القانون الجديد لتؤكد على ثبات الاتفاقيات القائمة إلا أنها أعطت الحق للدول الأطراف في هذه الاتفاقيات أن تنظر – إذا ما رغبت وعلى أساس اختياري تماماً – في إمكانية تحقيق اتساق الاتفاقيات القائمة مع القواعد العامة الواردة في الاتفاقية الجديدة . ورغم أن مبدأ التقاسم المُنصف والعادل والمعقول لمياه الأنهار الدولية كان من الركائز الأساسية في قواعد القانون الدولي “العرفي” في هذا الشأن، وكان مُقيَداً بوجوب عدم التسبب في ضرر الدول الأخرى نجد أن مشروع القانون الجديد أعلى من مبدأ التقاسم العادل والمُنصف وجعله المبدأ العام، ثم أورد مبدأ عدم التسبب في الضرر وجعله في مرتبة أدنى بعد أن اشترط أن يكون الضرر جسيماً. وبعد اعتراض كبير من عدد من الدول في اللحظات الأخيرة ومن بينها مصر تم وضع المبادئ الثلاث في مادة واحدة أي على قدم المساواة بحيث تضمنت “التقاسم المُنصف والعادل وعدم التسبب في الضرر الجسيم مع إلزام الدولة المُتسببة بالعمل على تخفيف الضرر وإزالته والتعويض عنه عند الضرورة “، ولكن ظلت كلمة الجسيم مرتبطة بالضرر ولم يُمكن إزالتها. وعلى الجانب الآخر أكدت الاتفاقية الجديدة على ضرورة الالتزام بالتعاون بين دول الحوض وتبادل المعلومات بشكل منظم، وجاء الجزء الثالث من الاتفاقية ليضع ضرورة تقديم تفصيلات واسعة حول المشروعات التي تزمع إحدى البلدان القيام بها مع توضيح آثارها السلبية على البلدان الأخرى.
–دول حوض النيل والقانون الجديد:
باستعراض مواقف دول حوض نهر النيل من الاتفاقية الجديدة نجد أن بوروندي قد اشتركت مع الصين وتركيا في الاعتراض علية، كما أن إثيوبيا تراجعت في اللحظات الأخيرة عن الموافقة عليه بسبب القيود الواردة في الجزء الثالث بخصوص المشروعات الجديدة بعد أن كانت سعيدة بإضافة صفة الجسيم إلى كلمة المخاطر التي تتعرض لها الدول الأخرى ومن هنا فقد تحفظت إثيوبيا على القانون. أما السودان وكينيا فقد وافقتا على الاتفاقية، بينما لم تشترك كل من أريتريا وأوغندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية “زائير” في التصويت، كما امتنعت كل من رواندا وتانزانيا عن التصويت. ومن هنا نجد مدى الانقسام الذي ظهرت عليه دول حوض النهر أمام القانون الجديد مما يتطلب مزيد من الجهد لتقريب وجهات النظر حول القواعد الأساسية للقانون الدولي، وكذلك العمل على تفعيل دور منظمات التعاون الإقليمي في المنطقة. وقد جاءت موافقة مصر على القانون مع التحفظ، وأصدرت مصر بياناً في هذا الشأن هذا نصه “إن جمهورية مصر العربية التي كانت منذ فجر تاريخها وحضارتها هبة لنهر النيل الخالد قد دعت دائماً وحرِصَت على التعاون مع شقيقاتها من دول حوض النيل على أساس قواعد القانون الدولي المُستقرة تأمل أن يكون إقرار هذه الاتفاقية حافزاً لمزيد من التعاون بين دول حوض النيل في إطار الاتفاقيات الدولية المُبرَمة بشأنه والأعراف الإقليمية المُستقرة بينها، وكذلك العرف الدولي المُستقر العالمي الذي قننت هذه الاتفاقية بعض قواعده وأحكامه، وذلك في إطار من الاحترام الكامل والمتبادل للحقوق والالتزامات، وفي ظل التعاون المُثمر البناء الذي يجعل من نهر النيل شرياناً للحياة يربط شعوبه ويدفعها إلى التطلع لتحقيق تنمية موارده والحفاظ عليها لصالح أجيال الحاضر والمستقبل”. ولا شك في أن الاتفاقية الجديدة بوصفها إطاريه لن يكون لها تطبيق مباشر على دول الحوض، حتى لو أصبحت جميعها من أطراف الاتفاقية الجديدة ما لم يتم إبرام اتفاقية خاصة بين دول حوض النيل تعكس القواعد والأحكام العامة التي وردت بالاتفاقية الإطاريه، وتقوم بإنزالها على خصوصيات النيل وأوضاعه الهيدرولوجية والجغرافية والسكانية واقتصاديات دوله ومدى اعتمادها على موارده المائية والموارد المائية الأخرى المُتاحة لهذه الدولة.