كورونا تفجر اختلافا حول طقس «التناول» بين الطوائف المسيحية.. كنائس توصي بالتغيير والكنيسة القبطية تلتزم الصمت
بطريركية السريان الأرثوذكس: التناول بواسطة اليد عادة قديمة تناسب تفشى كورونا..
الأنبا رافائيل: سر التناول هو سر الحياة.. وهو الشافي من مرض الخطية.. وأمراض الجسد والنفس والروح
كمال زاخر: الطقس ممارسة ظاهرية للتعبير عن الإيمان الداخلي والمسيح لم يستخدم ملعقة أو الأدوات التي تستعملها الكنيسة حاليا
كتبت/ حنان فكرى
كشفت جائحة كورونا عن تباين شديد فى ردود افعال الأقباط، حول تغيير طريقة ممارسة طقس التناول، فى الكنيسة، والتناول هو أحد الاسرار الكنسية السبع، ويسمى تاج الأسرار، حيث يؤمن المسيحيون فيه بتحول الخبز و الخمر لجسد ودم حقيقي ليسوع المسيح،ويقف المؤمنين فى انتظار التناول على يد الكهنة، عبر ملعقة واحدة تستخدم للجميع تسمى “الماستير”، الامر الذي خلق جدلاً شديداً حول امكانية انتقال فيروس كورونا، عبر الملعقة الموحدة في التناول، وبناء عليه غيرت بعض الطوائف طقس التناول، والتزمت الكنيسة القبطية الارثوذكسية الصمت، لكن ذلك لم يحسم الجدل الذي نشب بين بعض الاطراف القبطية.
ذلك التباين الذي تطرف البعض فيه، حتي انهم اعتبروا أن مجرد طرح فكرة انتقال فيروس كورونا عبر “الماستير” هو حرباً موجهة ضد الإيمان والعقيدة!! وهو ما يجافي الواقع الذى اقرته كنائس ايطاليا، التي انصاعت لقرارات الدولة بالاغلاق حماية للناس، والكويت ايضاً، وكل طوائف الكلدان والموارنة اعلنوا تغيير طريق التناول حتى لا يتم استخدام الماستير لجميع المؤمنين، معتبرين الامر مجرد اجراء وقائي، طبقا لتعليمات منظمة الصحة العالمية، وهنا يجب التفريق بين ما هو طقسي، وما هو عقائدي، فالطقس هو تعبير ظاهري تتم ممارسة العقيدة من خلاله، يضعه الآباء الأوائل ويسلمونه لبعضهم البعض طبقا للظرف. بينما العقيدة هى لٌب الإيمان. لا تتغير بتغير الزمان والظرف.
تضارب فى الاحتياطات
دفع وباء كورونا المستجد الكنائس في مصر والمهجر إلى اتخاذ احتياطات إضافية لتجنب تفشي المرض بين المصلين، واضطرت الكنيسة القبطية إلى إغلاق كنائسها في إيطاليا تطبيقا لقرار الحكومة الايطالية، وعملت على اتخاذ بعض التدابير في مصر تخص طقس التناول لكن ليس بينها منع استخدام ملعقة واحدة لمناولة جميع المؤمنين، إيبارشية اليونان للأقباط الأرثوذكس للإعلان عن اتخاذ احتياطات تشمل وقف استخدام لفافات عامة توضع على الفم بعد التناول، وعلى كل فرد أن يأتي بلفافه خاصة به وحده، وكذلك وقف استخدام الأغطية العامة الخاصة برؤوس السيدات، بحيث ينبغي على كل سيدة أن تحضر غطاء الرأس الخاص بها، حيث كانت الكنيسة من قبل توفر أدوات يتم تداولها بين المصلين، كما شملت إجراءات الكنيسة في اليونان منع تداول أكواب الشرب.، بينما لم تعلق على استخدام ملعقة واحدة لكافة المؤمنين تنتقل من فم إلى فم أثناء التناول من السر المقدس.
وحول موقف الكنيسة القبطية، نفي القس بولس حليم المتحدث الرسمى باسم الكنيسة القبطية الارثوذكسية، التصريحات المنسوبة له ، والتي تفيد بانه لا تغيير فى طقس التناول، مشيرا الى ان بعض الأساقفة ادلوا بتصريحات حول الموضوع لكنه لم يفعل.
أما الأنبا رافائيل، الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة، فقال على الفضائية المسيحية “سى تى فى “نؤمن أن سر التناول هو سر الحياة، وهو الشافي من مرض الخطية، وأمراض الجسد والنفس والروح، وأرجو أن نقترب إلى سر التناول بهيبة وليس بفحص علمي”.مشيراً إلى أنه “في أثناء انتشار أوبئة مثل الكوليرا والطاعون لم نسمع في كل تاريخ الكنيسة أن أشخاصاً ماتوا نتيجة التناول”، ودعا إلى الكف عن الأحضان والقبلات عند التحية وضرورة غسل اليدين باستمرار.!!
الموارنة يغيرون طقس التناول
الكنيسة في لبنان كان قراراها سريعاً وحاسماً بالاتجاه إلى المناولة باليد، وأعلن الأب عبدو أبو كسم، رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام، أن هذا القرار اتخذه مجمع المطارنة الموارنة، لتجنب تفشي المرض بين الرعية. وجاء قرار مجمع المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، في لبنان بتغيير طريقة تناول الأسرار المقدسة “الإفخارستيا” في نهاية القدّاس لتكون باليد، بحيث يعطي الكاهن القربان والنبيذ للرعية يداً ليد من دون ملامسته، بدلاً عن وضعه بنفسه في الأفواه.
السريان الارثوذكس يغيرون الطقس
اما بطريركية بابل للكلدان،فاصدرت توصيات للكهنة، شملت التناول باليد وليس عن طريق الفم، وتلتها بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس بياناً حول تفشي فيروس كورونا تنصح فيه بتغيير طقس التناول بما يناسب الوقاية من الوباء، حتى انها اصدرت بيانا دعت فيه من يتشكك فى اصابته بملازمة البيت ودعوة الكاهن لمناولته فى المنزل،وتفادي لمس الأشخاص والأيقونات والإنجيل المقدّس، والاكتفاء في هذه الظروف الراهنة بإحناء الرأس كعلامة خشوع واحترام. والاستعاضة عن تبادل السلام اليدوي بإحناء الرأس أو وضع اليد على الصدر.الاستعاضة عن تقبيل صليب المطران أو يد الكاهن بإحناء الرأس أمامهما.واوصت البطريركية السريانية بالتناول بواسطة اليد؛ وهي عادة قديمة وُجِدت في الكنيسة السريانية الأرثوذكسيّة المقدّسة في العصور الأولى، مستشهدة بكتابات آباء الكنيسة أمثال مار أفرام السرياني ومار فيلوكسينوس المنبجي. ما يفيد التناول باليد ، وفي هذه الحالة، يتقدّم المتناوِل بخشوع كامل أمام الكاهن واضعًا كفّه اليمين فوق كفّه اليسار بشكل صليب، فيقوم الكاهن بوضع الجمرة المقدّسة (القربان المقدّس) في يد المؤمن الذي يقوم بتناولها مباشرةً أمام امام الكاهن.
التناول لا يمنع الموت أو المرض
وقال المفكر القبطي كمال زاخر :”الناس غالباً ما يخلطون بين العقيدة والطقس، فالعقيدة هي ما نؤمن به، بينما الطقس هو تعبير عن الإيمان بممارسة معينة، وما نؤمن به لا خلاف عليه، أما الممارسة فتخضع لظروف الكنيسة واحتياجها وظروف الزمن، فالمسيح لم يستخدم ملعقة أو الأدوات التي تستعملها الكنيسة في وقتنا الحاضر، لكن حسب ما هو مذكور في الكتاب المقدس “أخذ خبزاً وشكر وكسر وأعطى”، وهي الأمور الثلاثة التي تتمسك بها الكنائس التقليدية، كما يذكر الكتاب المقدس قول المسيح خلال العشاء متحدثاً عن يهوذا “الذي يغمس يده معي في الصفحة يسلمني”، ما يعني أن التلاميذ تناولوا بأيديهم ولم يعطيهم المسيح في الفم”.
وتابع “التغير حدث مع توسع الكنيسة والتطور الزمني، وبينما كان يمكن للمؤمنين في القرون الأولى أن يأخذوا بعضاً من القربان والنبيذ إلى البيت من أجل المرضى ممن لم يتمكنوا من حضور القداس، حيث كان يُقام في ذلك الوقت قداس واحد أسبوعياً، بدأ البحارة وأصحاب المراكب والسفن في أخذ البعض من القربان على اعتبار أنه تميمة تحفظ سفنهم، ما أثار قلق الكنيسة من تحول الأمر إلى عبادة وثنية، وهو أمر يتعارض مع العقيدة، لذا صدر قرار بمنع خروج الذبيحة (الخبز والخمر) خارج الكنيسة، وأن تكون بيد الكاهن فقط يناولها للشعب، والقول بأن التناول لا ينقل المرض هو نوع من الفكر الشعبوي، لأن التناول لا يمنع الموت أو يشفي أمراض الجسد، وهذا لا يقلل من قدسيته، بل بحسب قول المسيح فإنه يُعطى لغفران الخطايا ولمنح حياة أبدية لمن يتناول منه، وبهذا يرفع تفكيرنا من المستوى المادي إلى الروحي.وتابع “أيضاً عندما يذهب الكاهن لمناولة شخص مريض في المنزل أو المستشفى لا يأخد معه (الماستير) والكأس، ولكن الكاهن عندما يذهب لمريض لمناولته لا يأخذ معه قنينة بها النبيذ انما يأخذ القربان (الجسد) مغموساً في الخمر (الدم). ومن ثم فإن الكنيسة تجيز الاستثناء في وقت الحاجة”.
ودعا الباحث القبطي مجمع الأساقفة إلى حسم الأمر سريعاً، لأن ما يحدث الآن بلبلة ليست في صالح الكنيسة.