ريهام الحكيم تكتب: الكاظمي في الولايات المتحدة.. “أمريكا حليف.. أما إيران فدولة جارة”
في خطوة مهمة للعراق نحو الإنفتاح على المحيط الدولي، التقى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بالرئيس دونالد ترامب الخميس الماضي في زيارة رسمية بمشاركة وفداً حكوميا ، تلبية لدعوة رسمية ، وهى الزيارة الأولى للكاظمي لواشنطن منذ توليه السلطة في مايو الماضي.
الوفد الحكومي المرافق ضم كلاً من وزراء الخارجية، والدفاع، والنفط، والهجرة، والكهرباء. زيارة تعد نهاية القطيعة والجمود في العلاقة العراقية مع واشنطن والتي دامت لنحو ثلاث سنوات.
الزيارة جاءت في وقتً يشتدُ فيه الصراع الداخلي العراقي بين طرفين، أولهم السياسيين مواليين لإيران داخل البرلمان ويدعمهم بعض الفصائل المسلحة داخل ” الحشد الشعبي”، وهى تلك الميليشيات المتهمة بالضلوع في انتهاك القانون العراقي و سيادة القرار الأمني للحكومة.
أما الطرف الثاني في الصراع فهم المعارضين للتدخلات الخارجية الإيرانية في العراق وعلى رأسهم الشارع العراقي الذي انتفض اكتوبر الماضي ، بالإضافة إلى مجموعة من السياسيين والمثقفيين.
يطالب معسكر الرفض بإستقلال العراق وعدم تحويله لمسرحاً تتصارع عليه الأطراف الخارجية سواء كانت إيرانية أو أمريكية.
بين المعسكرين تقف حكومة مصطفى الكاظمي التي تبنت خطاباً يحمل معنى استعادة هيبة الدولة واستقلال القرار السياسي. الكاظمي زار طهران الشهر الماضي مؤكدا على ضرورة إقامة علاقات قائمة بين البلدين وفق مبدأ عدم التدخل.
الصراع الإيراني الأمريكي كان محور اللقاء بين ترامب والكاظمي بالإضافة إلى قضايا تتعلق بدعم الإقتصاد العراقي ، مساعدات أمريكية بحوالي 200 مليون دولا ، وتعاون مع صندوق النقد لدعم الاستثمار في العراق وتخفيف حدة البطالة التي يعاني منها شباب العراق.
أبرز تصريحات
محطة التصريحات حملت خطاباً مباشراً لإيران والميليشيات التابعة لها في العراق وأهمهم:
تصريح فؤاد حسين وزير الخارجية العراقي بأن “الولايات المتحدة حليف قوي للعراق والحكومة الحالية تعمل على حماية هذا التحالف، أما إيران فدولة جارة والعراق سيقيم علاقات جيدة مع الجوار شريطة عدم التدخل وأن القرار العراقي يكون بيد العراقيين“
مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي قال ” لن ننسحب من العراق قبل انجاز المهمة المطلوبة، فالولايات المتحدة تريد عراق خالٍ من الفساد ورسالة المتظاهرين كانت للحصول على بلد حراً و مستقراً، واننا والحكومة العراقية الجديدة نبحث عن سبل لكبح الميليشيات في العراق”
أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فتحدث عن مستقبل القوات الأميركية في العراق والتحدّي الذي تمثله الفصائل المسلحة الموالية لإيران، إن لدى بلاده عدداً محدوداً من الجنود في العراق، حوالي 5000 جندي ، و هناك شركات أميركية تشارك في عددٍ كبيرٍ من مشاريع التنقيب عن النفط في العراق.
كما وقّعت خمس شركات أميركية، “هانيويل إنترناشيونال” و”بيكر هيوز” و”جنرال إلكتريك” و”ستيلر إنرجي” و”شيفرون”،اتفاقيات تجارية بقيمة تصل إلى ثمانية مليارات دولار، مع حكومة بغداد في مجال الطاقة.
الميليشيات بين الدولة واللا دولة
بضغط من زعماء التحالفات والاحزاب داخل البرلمان العراقي، يقف معسكر الموالين لإيران والميليشيات ليطلقوا تهديدات يومية بإستهداف قواعد عسكرية أمريكية في العراق بمعزل عن القرار السيادي للحكومة. سلسلة من الهجمات استهدفت معسكرات ومقرات ومؤن للقوات الأمريكية منذ أكتوبر 2019 – حوالي 39 هجوما – وتصاعدت وتيرة الضربات بعد تولي الكاظمي لرئاسة الحكومة مايو 2020.
تحدث زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق”، قيس الخزعلي، في كلمة مُتلفزة، بين إخلاء المدن من سلاح الميليشات وإخراج القوات الأميركية من البلاد، وهو ما فُسر بأن علاقات العراق الخارجية يجب أن تُصاغ وفق رؤية تكون للميليشيات كلمة الحسم فيها”.
الأسبوع الماضي، وصل إسماعيل قآاني ،قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ، إلى العراق لمقابلة الكاظمي في رسالة للولايات المتحدة مسبقاً مفادها ان اى مفاوضات تتعلق بقضية ضبط السلاح في العراق، الوضع الأمني أو الاستقرار وعدم قصف السفارة الأمريكية في العراق سوف يتم من خلال طهران وليس العراق.
وكالة فرانس برس عن مصدر مسؤول تقول الكاظمي أبلغ قاآني بأن علاقات العراق الخارجية شأناً داخلي عراقي والعراق لن يقبل بتدخل أى دولة في علاقاته مع الولايات المتحدة، والعلاقات بين بغداد وطهران يجب أن تكون دولة مقابل دولة وليس ميليشيات فاسدة مدعومة من إيران.
لم تقف يد الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري في العراق عند القواعد والمعسكرات الأمريكية، بل أمتدت لتطال من الشباب والنشطاء العراقيين العزل الذين تعالت أصواتهم بالتنديد والرفض لتوغل الميليشيات في حياة العراقيين وحماية الفساد.
فمن حادثة جسر السنك في بغداد ومقتل 25 متظاهر في ديسمبر 2019 واستهداف المتظاهرين في محافظة النجف في جنوب العراق ، مقتل 7 متظاهرين فبراير الماضي ، وصولا إلى اغتيال الباحث الأكاديمي هشام الهاشمي من أمام منزله وهو الباحث الذي عمل على الكشف عن الشبكات التنظيمية والمالية لفصائل ” الحشد الشعبي”.
الأسبوع الماضي عادت التظاهرات إلى محافظة البصرة جنوب العراق بعدعملية اغتيال للناشط تحسين أسامة و فتحت قوات الأمن الرصاص الحي على المحتجين الذين رموا منزل المحافظ أسعد العيداني بحجارة وقنابل حارقة وأغلقوا عدداً من الطرق الرئيسة.
الكاظمي ، لتهدئة الشارع، أقال قائد شرطة البصرة وعدد من مدراء الأمن في المحافظة ، فردت الميليشيات بمزيد من عمليات الاغتيال للنشطاء الميدانيين ، وتم اغتيال الناشطة ريهام يعقوب الاربعاء الماضي ، وهى طالبة دكتوراه في كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة ومحاضرة في جامعة البصرة ، وأُصيب ثلاثة أخرين بجراح
حينما فتح المسلحون النار على سيارتها.
النائب في البرلمان عدنان الزرفي غرد قائلاً ” إن ما يحدث في البصرة من إغتيالات بحق الشباب الأعزل ماهي الا إعلان حرب ضد الدولة، ومسؤولية حماية المواطنين تحتم علينا ان نطالب بصولة كبرى يقودها جهاز مكافحة الارهاب وبأشراف مباشر من القائد العام للقوات المسلحة لتنظيف البصرة من هؤلاء الشرذمة والمجرمون فهم اشد خطراً من داعش“
العلاقات الأمريكية العراقية
تحدث ترامب أمس عن تطلع بلاده للانسحاب من العراق شريطة أن يكون العراق قادراً على الدفاع عن نفسه والولايات المتحدة موجودة في العراق حال أقدمت إيران على أى فعل وسنساعد العراقيين.
وقال ايضا : ” الولايات المتحدة تمتلك أفضل الأسلحة وسنرد بقوة أكبر على أي ضربة ضد قواتنا وجيشنا هو الأقوى عالميا ونحن والعراقيين اصدقاء“.
كانت العلاقات الأمريكية العراقية قد تراجعت عقب وصول حكومة عادل عبد المهدي في 2018، المحسوبة على المعسكر الإيراني، إلى السلطة وتصاعد التوتر بشكل مباشر في يناير الماضي بعد غارة أميركية على بغداد أدت إلى مقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني والقيادي العراقي في “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس، مما دفع نواب عراقيين داخل البرلمان ، معسكرالمواليين لإيران، للمطالبة بمغادرة القوات الأجنبية من البلاد.
وافق البرلمان على تمرير حكومة الكاظمي في مايو الماضي بعد أن تدخلت إيران ، متمثلة في إسماعيل قاآني، لاقناع التحالفات الشيعية داخل البرلمان الرافضة لاسم الكاظمي والتي اتهمته بالضلوع والمشاركة في عملية اغتيال قاسم سليماني وقتما كان الكاظمي رئيساً لجهاز المخابرات.
كافأت الولايات المتحدة إيران على دورها في تمرير حكومة الكاظمي بمنح استثناء من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لمدة 120 يوما للعراق – فقط – لابرام عقود شراكة مع إيران ولإستيراد الطاقة الكهربائية.
يقول الباحث العراقي صباح الناهي في الانديبندنت : ” العراق الدافع الأول لفاتورة النزاع الأميركي – الإيراني، فهو يتلقى فواتير مستمرة نتيجة الحاجة الإيرانية لفك العزلة الاقتصادية التي يفرضها الغرب، فتذهب إلى البطن الرخوة لتعويضها، وهي العراق الحالي الذي تمكّنت من زرع أذرعها فيه، المتمثلة بفصائل مسلحة بلغت أكثر من 50 فصيلاً، قادرة على أن تلغي أي مشروع تبغاه حكومة بغداد، لا سيما مشاريع الاستثمار المتوقفة التي أحوج ما يكون العراق إليها، والتي تحوّل اقتصاده إلى ريعي لمورد واحد هو النفط، يدفع من خلاله الرواتب مشلول القدرات“.
خيارات وتحديات
بين محاولة الكاظمي للانفتاح على الخليج فكانت المُقتصرة على التعاون في ملف الطاقة، خطوة ضربت جرس إنذار في طهران من إمكانية أن يتخلى العراق عن جزء من التفاهمات معها في هذا السياق.
وبين القصف التركي لمواقع في شمال العراق والذي يشكل تحدياً آخر، يجعل العراق عاجزاً عن ردعه في ظل تسليح لا يكفي لمواجهة تهديدات “داعش” وعملياتها المستمرة في غرب وشمال العراق.
الرئيس الأميركي يودُّ إضعاف إيران في المنطقة قبل الانتخابات الأميركية ، متبنياً خطاب يعتمد على أن تفكيك النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط سيبدأ من العراق، فالعراق كان المنطلق لتنامي قوة إيران الإقليمية بعد سقوط النظام البعثي 2003.
الولايات المتحدة تحمل حكومة الكاظمي إدارة ملف الصراع مع الفصائل المسلحة، والذي يبدو حتى الآن بلا خريطة طريق لحسمه، والفصائل المسلحة تود الدخول كطرف فاعل في إدارة علاقات العراق الخارجية و التلويح بقضية الانتقام لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بوجه الكاظمي وهو ما يراه مراقبون جزءاً من لعبة العصا والجزرة التي تمارسها طهران.
الميليشيات كثفت في الفترة الأخيرة استهداف النشطاء العراقيين في الشوارع وازداد قصف صواريخ الكاتيوشا على أهداف أميركية في المنطقة الخضراء الحاكمة في بغداد، ومحيط المطار الدولي، وقواعد التاجي، وعين الأسد الأميركية.
أما الشعب العراقي فهو من يدفع فاتورة الصراع الدولي الإقليمي على أرضه، فمن احتلال أمريكي في 2003 حطم مؤسساته وأقصى كفاءاته إلى هيمنه إيرانية على قراره السياسي وسلاح منفلت خارج عن السيطرة.
أما الكاظمي فلم يكن يوماً ممثلاً للثورة الشعبية ، ولكنه التقى مع مطلب الشارع العراقي في قضية حصر السلاح وكبح نفوذ الميليشيات والتى ستنتهي قريباً بعزيمة الشعب العراقي وقوة ارادته.
#العراق_ينتفض
#نريد_وطن