إلهامي الميرغني يكتب: مظاليم المعاشات والغلاء في مصر
نصت المادة (9) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على ” تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمينات الاجتماعية”. وبذلك فإن الحق في الضمان الاجتماعي هو حق أساسي من حقوق الانسان. وهو يغطي العناية الصحية واستحقاقات الأسرة ويزوّد السكان بالدخل الآمن عند الطوارئ كالمرض، أو البطالة، أو الشيخوخة، أو الإعاقة، أو إصابة العمل، أو الأمومة أو فقدان المعيل. وهناك أنظمة للدعم الاجتماعي، والنظم الشاملة، والتأمين الاجتماعي. وبالتالي فإن الضمان الاجتماعي مفهوم أوسع واشمل لكل السكان سواء كانوا يسددون اشتراكات أو لا. أما التأمينات الاجتماعية فهي تضم شريحة أقل يساهمون بسداد اشتراكات شهرية للعامل وصاحب العمل حتى بلوغ سن التقاعد واستحقاق المعاش.
كما جاءت المادة 17 من دستور مصر 2014 تنص على ” تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعي. ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي الحق في الضمان الاجتماعي، بما يضمن له حياة كريمة، إذا لم يكن قادراً على إعالة نفسه واسرته، وفي حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة.
وتعمل الدولة علي توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين، والعمال الزراعيين والصيادين، والعمالة غير المنتظمة، وفقاً للقانون.
وأموال التأمينات والمعاشات أموال خاصة، تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية المقررة للأموال العامة، وهي وعوائدها حق للمستفيدين منها، وتستثمر استثماراً أمنا، وتديرها هيئة مستقلة، وفقاً للقانون. وتضمن الدولة أموال التأمينات والمعاشات”.
أموال المعاشات
رغم ذلك تم الاستيلاء على أموال صناديق التأمينات الاجتماعية بموجب القانون رقم 148 لسنة 2019 وضمها لوزارة المالية مع التعهد بسدادها على أقساط سنوية لمدة 50 سنة. وقد قدر الأستاذ أحمد السيد النجار هذه الأموال في عام 2014 بحوالي 924.3 مليار جنيه. 1
كما قدرها الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء بعد صدور القانون بنحو 898 مليار جنيه. 2
ويجري الآن تعديل لقانون التأمين الاجتماعي لمد فترة السداد والتي بدأت عام 2019 لتبدأ الخمسين سنة اعتبارا من 1/7/2025. وبذلك تصبح 55 سنة بدلا من 50 سنة.
لذلك لو تم احتساب أسعار الفائدة الحقيقية المعلنة من البنك المركزي على أموال المعاشات والتي وصلت في بعض الفترات لأكثر من 27%. فأنه يمكن ببساطة زيادة حقيقية في قيمة المعاشات المنصرفة وسنعود لهذه النقطة في جزء تالي.
لذلك يوجد في مصر نظامين للحماية الاجتماعية:
الأول: الضمان الاجتماعي وهو يشمل كل سكان مصر الغير مستفيدين من التأمين الاجتماعي.
الثاني: التامين الاجتماعي ويوجد في مصر 13.7 مليون مؤمن عليه و12.4 مليون صاحب معاش ومستفيد وفقاً لموقع وزارة التضامن الاجتماعي. أي أكثر من 65% من المصريين.3
ونعرض فيما يلي لأوضاع أصحاب الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية.
أصحاب معاشات الضمان الاجتماعي
يوجد في مصر وفقاً لموقع وزارة التضامن الاجتماعي 2.5 مليون مستفيد من معاشات تكافل التي تصرف للمرأة المعيلة والاسر التي يعجز أصحابها عن العمل و2.1 مليون مستفيد من معاشات كرامة التي تشمل كبار السن والعجزة وذوي الإعاقة. وبذلك تشمل معاشات تكافل وكرامة الفئات التالية:
- ذوي الإعاقة.
- الطفل (يتيم الابوين – مهجور العائل – ابن المطلقة إذا تزوجت – ابن المسجون / المسجونة – كريم النسب)
- المرأة المعيلة (المطلقة – ارمله – مهجورة – منفصلة – زوجه نزيل مراكز الاصلاح) وايضا نفس الفئات بدون أبناء.
- المسن أكبر من 65 سنه.
- الاسر المعالة (اسره المجند – اسرة فقيرة).
لكن هل تكفي قيمة معاشات الضمان الاجتماعي لإخراج هذه الأسر من حالة الفقر المدقع؟!
وفقًا للتحديث الأخير، جاءت القيم على النحو التالي:
– تكافل: من 500 إلى 750 جنيهًا شهريًا للأسرة، حسب عدد الأبناء ومرحلتهم الدراسية.
– كرامة: 650 جنيهًا شهريًا لكبار السن وذوي الإعاقة.
– زيادة استثنائية: 100 جنيه إضافية لبعض الفئات المسجلة، ضمن خطة الدولة لمواجهة التضخم وتحسين مستوى المعيشة.
توقعت دراسة مستقلة أجرتها مستشارة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هبة الليثي، أن يكون مستوى الفقر في عام 2022/2023 ارتفع إلى 35.7%، مع ارتفاع خط الفقر إلى 1478 جنيهًا شهريًا، وارتفاع خط الفقر المدقع إلى 1069 جنيهًا شهريًا. 4
هذه الدراسة تتحدث عن مستويات الدخل في 2022/2023 ونحن الان على بعد أيام من دخول عام 2026. لذلك إذا كان خط الفقر المدقع وفقاً لدراسة الدكتورة هبة الليثي يبلغ 1069 جنيه شهرياً فإن ذلك يعني أن معاشات الضمان الاجتماعي تكافل وكرامة لا تصل الي حد الفقر المدقع في 2023. وبذلك يستمر تدهور مستوي المعيشة للمستفيدين من معاش تكافل وكرامة ويستمر التسرب من التعليم نتيجة عجز الأسر الفقيرة على تدبير الحاجات الأساسية للأسرة وحاجاتها الي دفع اطفالها الي سوق العمل كما شاهدنا في العديد من حوادث عمال وعاملات الزراعة.
معاشات التأمين الاجتماعي
المفترض ان العامل يظل لمدة لا تقل عن عشرين سنة وقد تزيد على 36 سنة يسدد اشتراك في نظام التأمين الاجتماعي ليضمن له دخل مناسب عند الوصول الي سن التقاعد. توضح بيانات النشرة السنوية المجمعة لبحث القوي العاملة 2023 أن 67% من عمال القطاع الخاص المنظم و90% من عمال القطاع الخاص غير المنظم غير مشتركين في أنظمة التأمين الاجتماعي. مع ملاحظة ارتفاع عدد العمال بأجر في القطاع الخاص غير المنظم ليصل إلى 7.5 مليون عامل يشكلون 36% من العاملين بأجر في مصر.
رغم ذلك يوجد 13.7 مليون مؤمن عليه و12.4 مليون صاحب معاش ومستفيد وفقاً لموقع وزارة التضامن الاجتماعي. وتفيد بيانات الكتاب الاحصائي السنوي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 2024 أن عدد المؤمن عليهم من عمال القطاع الخاص 6.6 مليون فقط وانه يوجد انخفاض في عدد المؤمن عليهم من 7.8 مليون في 2019 إلى 6.6 مليون في 2022. ومعروف ان معاشات الحكومة أفضل من معاشات القطاع الخاص. ورغم ذلك تفيد بيانات التعبئة والإحصاء أن 78% من أصحاب معاشات الحكومة والمستفيدين معاشاتهم أقل من 3000 جنيه شهرياً و98% معاشاتهم أأقل من 5000 جنيه.
أما الحد الأدنى للمعاشات فقد كان 300 جنيه في 2014 وارتفع ليصل الي 1495 جنيه في اول يناير 2025 و1755 جنيه شهرياً اعتباراً من أول يناير 2026. ذلك في الوقت الذي يبلغ فيه الحد الأدنى للأجور 7000 جنيه ويبلغ فيه حد الفقر 1478 جنيه في 2023. لذلك نحتاج الي إصلاح شامل لأنظمة المعاشات بما يضمن الا تقل عن الحد الأدنى للأجور وأن تكفي احتياجات المعيشة لأسرة من أربعة أفراد والتي قدرها بعض الإعلاميين بقيمة 15 ألف جنيه.
وهو ما سبق أن طالب به رجل الأعمال نجيب ساويرس منذ أيام.5
أذا ما هي نتيجة الحصول على أجور ومعاشات لا تكفي ضروريات الحياة للأسرة؟! النتيجة الطبيعية هي ارتفاع معدلات الجوع وسوء التغذية.
7.8 مليون مصري يعانون من نقص التغذية فقد كشفت بيانات منظمة الأغذية والزراعة الحالة التغذوية في مصر، حيث ارتفع معدل انتشار نقص التغذية إلى 7.2% عام 2020/2022 من إجمالي السكان، بعدما كانت 5.3% عام 2012/2014 بزيادة قدرها 1.9%. وقد بلغت نسبة من يعانون من نقص التغذية 70% في قنا و60.8% في سوهاج و59% في أسوان. كما أوضحت البيانات ارتفاع عدد من يعانون انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد من جملة السكان إلى 31.1 مليون شخص في 2020/2022، بينما ارتفع عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى 9.7 مليون شخص بعدما كان 7.6 مليون في 2019/2021. 6
وهو نفس ما أكدته ” مدي مصر” نقلا عن تقرير أصدرته الأمم المتحدة، التقرير المنشور تحت عنوان «نظرة إقليمية حول الأمن الغذائي والتغذية في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا»، يقدم سردًا صادمًا لوضع الغذاء في منطقتنا.
على مدار سنوات ارتفعت نسب من يعانون سوء التغذية في مصر تدريجيًا من 4.8% عام 2002، لتصل إلى 5.2% في عام 2011. ولكن مع بداية برنامج «الإصلاح الاقتصادي» بالتعاون مع صندوق النقد الدولي في 2016؛ قفزت النسبة إلى 6.3%، حتى وصلت إلى 8.5% في 2023. كانت النتيجة ارتفاع عدد السكان الذي يعانون من سوء التغذية من 6.2 مليون في 2016 إلى 9.4 مليون في 2023.
ارتفعت معدلات الوزن الزائد بين الأطفال من 16.2% في 2015، لتصل إلى 18.8% عام 2022، ما يُمثل ثلاثة أضعاف النسبة العالمية التي قدرها التقرير بـ5.6%، وضعفي الرقم لمتوسط النسبة في الدول العربية. أزمة السمنة نتيجة سوء التغذية لا تتوقف عند الأطفال، إذ سجلت مصر أعلى معدل في العالم العربي في معدلات السمنة المفرطة عند البالغين بنسبة تصل إلى 44.3% عام 2022، في حين يعاني ما يقرب من 28.3% من النساء في سن الإنجاب (15-49 سنة) من الأنيميا. كل هذه التقارير تعكس مدي انتشار سوء التغذية وامراضها المختلفة بين المصريين. 7
لذلك نحتاج إلى إعادة تقييم الحد الأدنى للأجور والمعاشات بحيث يواكب ارتفاع تكاليف المعيشة ويحد من الجوع وأمراض سوء التغذية ويحتاج ذلك إلى مفاوضة بين النقابات العمالية والمهنية وخبرائها الاقتصاديين والحكومة ورجال الأعمال للوصول إلى رقم يناسب الارتفاع المتوالي في نفقات المعيشة.
كما يجب الا توضع نسبة ثابته للعلاوة السنوية بحيث تحدد النسبة على ضوء معدلات التضخم وارتفاع أسعار الطعام والشراب والحاجات الأساسية للأسرة. بدون ذلك تستمر معاناة مظاليم المعاشات وتدهور أوضاعهم الاجتماعية وعدم مقدرتهم على تلبية احتياجاتهم الضرورية. وتظل سياسات الحماية الاجتماعية لا توفر الحد الأدنى الضروري للخروج من دائرة الفقر.

