حسن بربري يكتب ردًا على وزير التعليم: خلي بالك من شغلك
أثار تصريح محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، عاصفة من الانتقادات، من حيث كونه صدر عن مسؤول حكومي كان حريًا به أن يراعي الاتفاقيات والمواثيق الدولية والإقليمية التي وقعتها الدولة المصرية وتحاول العمل على تطبيقها، بل ومن قبلها الدستور والتشريع المصري.
أدلى السيد الوزير بتصريح خلال حفل تخرج أول دفعة من مدرسة حقل ظهر للتكنولوجيا التطبيقية، قائلًا: “لازم تحطوا مجهود، مش هقولكم اشتغلوا بالنهار والليل، قليل! اشتغلوا 10 أو 12 أو 16 ساعة في اليوم، قليل! أنا ضد كلام المهندس كريم بدوي (خلي بالك من صحتك). الخمس سنين اللي جايين ما تخليش بالك من صحتك، خلي بالك من شغلك واجتهادك.”
هذا التصريح الغريب الذي بدر من السيد الوزير احتوى على مخالفة لحقين من حقوق العامل، وهما الحق في تحديد ساعات العمل والحق في الصحة، اللذان أقرت بهما الاتفاقيات الدولية وأكد عليهما الدستور والقانون المصري.
أولًا: مخالفة الحق في تحديد ساعات العمل
خالف التصريح السابق في مقطعه الأول (حول العمل ما بين 10 ساعات و16 ساعة) المادة (24) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي نصت على: “لكل شخص الحق في الراحة وفي أوقات الفراغ، ولا سيما في تحديد معقول لعدد ساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر.” كما نصت المادة (7) في الفرقتين (ج، د) من الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على: “تقر الدول الأطراف في الاتفاقية بحق كل فرد في التمتع بشروط عمل صالحة وعادلة، وتكفل بشكل خاص… (ج) ظروف عمل مأمونة وصحية، (د) أوقات للراحة والفراغ وتحديد معقول لساعات العمل وإجازات دورية مدفوعة وكذلك مكافآت عن أيام العطلة العامة.”
أما فيما يخص اتفاقيات العمل الدولية، فقد أتى التصريح عكس ما أقرت به الاتفاقية الدولية لمنظمة العمل الدولية رقم (1) لسنة 1919 في المادة رقم (2) بشأن تحديد ساعات العمل في المنشآت الصناعية، حيث نصت على: “لا تزيد ساعات عمل العمال عن ثماني ساعات في اليوم وعن ثمانٍ وأربعين ساعة في الأسبوع في أي منشأة صناعية عامة أو خاصة أو في أي من فروعها، بخلاف المنشآت التي لا يعمل فيها سوى أفراد الأسرة الواحدة.”
على المستوى الوطني، حدد قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، المزمع تغييره في تلك الأيام بقانون جديد، الضوابط المنظمة لعدد ساعات العمل الرسمية والراحة للعاملين. حيث نصت المادة رقم (80) من القانون على: “عدم جواز تشغيل العامل تشغيلًا فعليًا أكثر من 8 ساعات في اليوم أو 48 ساعة في الأسبوع، ولا تدخل فيها الفترات المخصصة لتناول الطعام والراحة.”
مما سبق، نجد أن ذلك التصريح أثار الاستياء لدى الكثيرين، خاصة أنه صدر ممن يتحملون مسؤولية أطفالهم وأولادهم وبناتهم.
ثانيًا: مخالفة الحق في الصحة
احتوى أيضًا تصريح السيد الوزير، الذي انتقد فيه أحد المسؤولين بمدرسة ظهر للتكنولوجيا التطبيقية عقب توجيه الأخير خريجي الدفعة من المدرسة للاهتمام بصحتهم، على دعوة للخريجين بعدم الاهتمام بصحتهم والتركيز فقط على العمل. هذا المقطع من التصريح، وهو الأسوأ من الجزء الذي سبقه – وإن كان كلاهما سيئًا – خالف المادة (25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي أقرت بالحق في الصحة، حيث ورد في نصها: “لكل شخص حق في مستوى معيشة لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته…”
كما خالف المادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي ورد في نصها ما يلي:
“1- تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.
2- تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل: (ب) تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية، (د) تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.”
أما دستور منظمة الصحة العالمية الصادر في عام 1946، فقد أكد على ضرورة أن التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية. كما تحدث الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب عن الحق في الصحة في المادة رقم (16)، حيث نص على: “1- لكل شخص الحق في التمتع بأفضل حالة صحية بدنية وعقلية يمكنه الوصول إليها.
2- تتعهد الدول الأطراف في هذا الميثاق باتخاذ التدابير اللازمة لحماية صحة شعوبها وضمان حصولها على العناية الطبية في حالة المرض.”
أما على المستوى الوطني، فقد أكد الدستور المصري على أن الحق في الصحة لا يجوز الانتقاص أو التقليل منه، حيث نصت المادة رقم (18) من دستور 2014 على: “لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة. وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها”.
لم يكتفِ التصريح فقط بالعصف بالاتفاقيات والمواثيق الدولية والدستور والتشريع المصري، بل تعداه إلى المبادرات الرئاسية التي تناولت الاهتمام بالصحة، مثل مبادرة “100 مليون صحة”، والتي كلفت الدولة ملايين الجنيهات لتحقيق الرعاية الصحية والطبية للمواطنين.
45m