تقرير: مصر تواجه أحد أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها.. والديون تتفاقم وسط نقص الدولار
أ ف ب
فوجئ المصريون بقرار مجموعة “الشايع” الكويتية تقليص أعمالها في مصر وإغلاق بعض متاجرها بسبب نقص النقد الأجنبي في البلاد، ما يثير قلق الخبراء من قدرة القاهرة على سداد ديونها الخارجية.
وتدير مجموعة الشايع العشرات من العلامات التجارية العالمية بمصر ومنطقة الشرق الأوسط ومن بينها “ستاربكس” و”مذركير” و”دبنهامز” و”ذي بودي شوب”.
ويقول الخبير الاقتصادي والبرلماني السابق محمد فؤاد لوكالة فرانس برس إنه إذا كان المستثمرون يعتمدون في استثماراتهم على “مدخلات إنتاجية (مواد أولية، آلات، الخ..) بالدولار مثل البضائع المستوردة مثلا، فلن يستطيعوا الاستمرار”.
وتعاني مصر واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها بعدما سجّل معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا يبلغ حاليا 35,2 في المئة مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية في ظل استيراد القسم الأكبر من الغذاء.
وتضاعفت ديون مصر الخارجية أكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى 164,7 مليار دولار، وفقاً للأرقام الرسمية، بينها أكثر من 42 مليار دولار مستحقة هذا العام.
ودفع نقص العملة الصعبة في البلاد بنك “جي بي مورغان” في وقت سابق من الشهر الجاري إلى استبعاد مصر من بعض مؤشراته.
كما خفضت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني النظرة المستقبلية لمصر من “مستقرة” إلى “سلبية”، مشيرة إلى مخاوف بشأن التمويل الخارجي والفارق بين سعر الصرف الرسمي وفي السوق الموازي.
ويبلغ سعر الدولار حاليا في السوق الرسمي حوالى 31 جنيها، بينما يصل إلى حوالى 70 جنيها في السوق الموازي.
وخاطب الرئيس عبدالفتاح السيسي الأسبوع الماضي المصريين بمناسبة عيد الشرطة، وقال “دائما كان الدولار يمثّل مشكلة في مصر”، وتابع “إذا لم تصبح الموارد بالدولار أكبر أو تساوي الإنفاق بالدولار.. ستكون هذه المشكلة دائما”.
وأرجع السيسي الأزمة إلى أن الحكومة “تشتري خدمات بالدولار وتبيعها للمواطن بالجنيه”، مشيرا إلى أن الدولة تتكلّف ثلاثة مليارات دولار شهريا لتدبير السلع الأساسية والوقود والغاز الطبيعي.
ويعاني المصريون في حياتهم اليومية بسبب عدم القدرة على تدبير ما يحتاجونه من العملة الأميركية عبر المصارف. وأصبحت تعاملاتهم الالكترونية تقتصر على الدفع بالعملة المحلية، حتى أن الأزمة امتدت إلى عدم القدرة على سداد اشتراكات التطبيقات البسيطة مثل منصات “نتفليكس” أو “شاهد”.
وخفّضت المصارف العامة حدود السحب النقدي للدولار الأميركي بالنسبة للمصريين المسافرين إلى الخارج ليصل إلى أقل من مئة دولار للشخص في الشهر.
ولقياس سوء أزمة سداد الديون الخارجية لمصر من 1 (الأقل سوءا) إلى 5، يرى الاقتصادي في “كابيتال إيكونوميكس” جيمس سوانستون أنه يمكن “وضع مصر في المرتبة الثالثة”، ووصفها بأنها “عند مفترق طرق”.
لذلك يؤكد سوانستون لفرانس برس على ضرورة “اعتماد سعر صرف مرن بشكل كامل مع إحكام القبضة على السياسة المالية”، محذرا من أن “التردد” في اتخاذ هذا القرار قد “يزيد من خطر التخلّف عن سداد الديون السيادية”.
ويشير الى أنه من وجهة نظر المستثمرين، يسمح سعر الصرف المرن بالتخطيط بسهولة لتحركات العملة ويشجع الاستثمار. أما خفض قيمة العملة في ظل سعر صرف ثابت فلا يسمح بالتنبؤ ويعرقل جذب الاستثمار الأجنبي.
ويتوقع “خفضا أوليا لقيمة العملة بنسبة 23% أمام الدولار الأميركي ليصبح سعره 40 جنيها، ومن ثم يتم تبني نظام مرن”، ويرى فؤاد أن تحريك سعر الصرف سيحدث بالتأكيد، لكن “من المهم تحيّن الوقت المناسب”.
ويتابع “الآن أرى أن الثبات على الوضع الحالي أفضل من التحريك لسبب رئيسي وهو أن الحكومة هي المديون الأكبر بالدولار وبالتالي ستكون المتضرر الأكبر من سعر أعلى”.
ويضيف “على المدى القصير، أنا لا أشعر بالقلق ومتأكد من عدم تخلّف مصر عن سداد التزاماتها، ولكن إذا استمر الوضع الحالي الذي يتعاظم فيه الدين ولا يتحرك الاقتصاد بالوتيرة نفسها، سيدفع ذلك إلى القلق”.
ويتزامن استحقاق بعض الديون الخارجية هذا العام مع اضطراب الملاحة في البحر الأحمر بسبب هجمات اليمنيين الحوثيين على السفن على خلفية الحرب في قطاع غزة، ما أثّر سلبا على قناة السويس التي تشكل عائداتها أحد أبرز مصادر النقد الأجنبي في مصر.
وسجّلت تحويلات المصريين بالخارج التي تشكّل المصدر الأول للنقد الأجنبي في البلاد، بدورها انخفاضا خلال الربع الأول من العام المالي 2023-2024 بنسبة حوالى 30 في المئة مقارنة بالمدة نفسها من العام المالي السابق.
ويرى سوانستون أن التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويلي أكبر من شأنه أن “يوفّر تمويلا حاسما ويطمئن المستثمرين تجاه مصر، ما يزيد من الاستثمارات في سوق السندات المصرية ويساهم في تخفيض أسعار الفائدة على الدين”.
واعتمدت مصر لسنوات طويلة على التمويل الممنوح من صندوق النقد الدولي عبر القروض أو على ودائع الحلفاء الخليجيين.
وكان آخر هذه القروض في عام 2022 حين وافق صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار على مدى 46 شهرا وتم صرف الدفعة الأولى منه بقيمة 347 مليون دولار.
وزارت القاهرة الأسبوع الماضي بعثة من الصندوق لإجراء مراجعات مقررة لبرنامج مصر التمويلي والمؤجلة من العام الماضي للسماح بصرف دفعة أخرى من القرض ومن أجل مفاوضات بشأن زيادة قيمة القرض.
ويدعو فؤاد إلى اتباع “سياسة شدّ الحزام والتشديد المالي من خلال فرض قيود كمية لمدة ستة أشهر” تحدّ من الواردات السلعية التي يتوافر بديلها المحلي.
ويقول “يجب أن يكون سداد الديون مصحوبا برفع معدلات الإنتاج والتشغيل… وإذا كنا نقول إن مصر تمرض ولا تموت، فأنا أعتقد أنه حان وقت التعافي”.