تقرير لـ بلومبرج عن الأوضاع الاقتصادية في مصر واحتمالات التعويم وتأثير الحرب على غزة: لماذا تعتبر القاهرة «أكبر من أن تفشل»؟
الوكالة تسأل: هل تحصل مصر على تمويلات جديدة بعد تعزيز حرب غزة لنفوذها؟
كتب: وكالات
قالت وكالة بلومبرج إنه قبل شهرين، بدت مصر وكأنها على شفا انهيار مالي. لكن مؤخراً أصبح لدى دول العالم أسباباً ملحة لتهب لإنقاذها. حيث وضعتها حرب إسرائيل مع حماس في قلب الأحداث، باعتبارها البوابة الوحيدة لدخول المساعدات إلى غزة، وخروج الفلسطينيين المحاصرين.
وذكرت الوكالة في تقرير لها، أن مصر تحولت إلى طرف رئيسي في محادثات “الأسرى” التي سمحت بالتوصل إلى هدنة بعد قتال لستة أسابيع. كما أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي يترشح لإعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة أصبح محط اهتمام على رأس من يتطلّع لزيارتهم زعماء العالم.
وتابعت: كل هذا يُترجم إلى نفوذ لم تتمتع به مصر منذ عقود، رغم أنها البلد الأكبر من حيث عدد السكان في الشرق الأوسط، وتحتضن أكثر الشرايين التجارية ازدحاماً في العالم (قناة السويس). ونادراً ما كان اقتصادها بحاجة للدعم كما هو الآن.
وأضافت: في جميع أنحاء مصر، نشأت المشروعات الكبرى ذات الميزانيات الضخمة التي تميز بها حكم الرئيس السيسي المستمر منذ عقد الآن، بما فيها الطرق السريعة والموانئ والعاصمة الإدارية الجديدة، وسط الضغوط المتزايدة على مالية مصر العامة والمصاعب التي يواجهها سكانها الذين يتجاوز عددهم 105 ملايين نسمة.
تخطى التضخم 35%، وسعر صرف العملة في السوق السوداء أعلى بكثير من نظيره الرسمي، مع نزوح الأموال الساخنة الأجنبية، مما ترك البلاد متعطشة للدولار.
وإذا لم تفلح مصر في تدبير مزيد من العملة الصعبة، فقد تتعرض لخطر التخلف عن سداد ديون خارجية بقيمة 165 مليار دولار، وهو ما سيؤدي فعلياً إلى تحييدها عن خريطة المستثمرين الذين انجذبوا إليها يوماً ما من خلال توفير سنداتها لإحدى أكبر العوائد في العالم.
أكبر من أن تفشل؟
لا تزال الأسواق تنظر إلى فشل مصر على أنه احتمال وارد، إذ تبلغ علاوة إصدار سنداتها الدولارية نحو 15%، وهو ما يقربها من دائرة التعثر، ولكنه ليس بنفس القدر من الخطورة الذي كان عليه قبل حرب غزة. والرهان هو أن الداعمين المحتملين، من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي إلى دول الخليج العربية، أصبح لديهم الآن دوافع أكثر إلحاحاً لإقراض مصر بعض الأموال، وربما يتساهلون في شروط الإقراض، بحسب الوكالة.
وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك “أبوظبي التجاري”: “لا أحد يريد أن يرى مصر تسقط الآن، أو أن تسوء أوضاعها الاقتصادية”. وأضافت أن اندلاع الحرب يعني أن “المزيد من الشركاء الدوليين سيكونون على الأرجح على استعداد لتقديم دعم إضافي”.
لهذا السبب يتوقع عمالقة وول ستريت، من “بنك أوف أميركا” إلى “ولدمان ساكس”، أن ينحسر خطر حدوث أزمة ديون فورية. وفي الأسبوع الماضي، وضع استراتيجيو الأسواق الناشئة في بنك “مورغان ستانلي” سندات مصر الدولارية لأجل 30 عاماً على قائمة “تسعة سندات للشراء”.
اقتصاد مصر يحارب على 4 جبهات: التضخم والفائدة والعجز والجنيه
ويؤكد المسؤولون المصريون أن البلاد لن تتخلف عن سداد أي التزامات، فيما استُبعدت أي إعادة هيكلة لديون اليورو بوندز، وفق أشخاص مطلعين. وتجري الحكومة محادثات لزيادة حجم برنامج الإنقاذ من صندوق النقد الدولي لأكثر من 5 مليارات دولار، مقارنة بـ3 مليارات حالياً، وتقول مديرة الصندوق إن الزيادة “مرجحة للغاية”.
كما يَعدُ الاتحاد الأوروبي بتسريع خطة استثمارية تبلغ نحو 10 مليارات دولار. وسبق أن دعمت دول، مثل السعودية والإمارات، مصر بودائع نقدية في البنك المركزي. ولم تتعهد دول الخليج بدعم إضافي منذ بدء حرب غزة، بحسب أشخاص مطلعين على الأمر، أشاروا إلى أن التزامات جديدة ستكون جزءاً من صفقات استثمارية أوسع.
وحتى لو أتاحت الجغرافيا السياسية لمصر بعض المساحة لتنفس الصعداء مالياً والقدرة على المساومة، فإن هناك ضغوطاً متزايدة على الرئيس المصري لتغيير المسار.
وبعد الانتخابات، من المرجح أن يضطر السيسي إلى تطبيق خفض جديد لقيمة الجنيه، مما سيفاقم أزمة تكاليف المعيشة في مصر، ويؤدي إلى بيع مزيد من الشركات الحكومية، بما في ذلك بعض المؤسسات التي يديرها الجيش الذي يملك حيازات في صناعات تتراوح من إنتاج الغذاء إلى الأسمنت.
مشاريع كبرى واحتياجات تمويلية:
لعل أفضل مثال على طموح السيسي في إعادة تطوير مصر هو المدينة قيد الإنشاء شرق القاهرة، المعروفة حتى الآن باسم العاصمة الإدارية الجديدة، وتبلغ مساحتها أربعة أضعاف مساحة واشنطن العاصمة وتضم أطول برج في أفريقيا وأكبر كنيسة في الشرق الأوسط. ويمر شارعها الرئيسي عبر مباني الوزارات اللامعة والمروج الخضراء الممتدة حتى قبة البرلمان المصري الجديد المصنوعة من الحجر الرملي، حسب الوكالة.
وبينما تبدو بعض مناطقها جاهزة للانتقال إليها، فإن مناطق أخرى بعيدة عن الاكتمال. ولو مررت أمامها مؤخراً، يمكنك أن ترى مجموعات صغيرة من العمال وهي تأخذ استراحة من حرارة الصحراء تحت ظلال المنطقة التجارية المركزية، التي لا تزال تحت الإنشاء. كما أن الشركات والسفارات التي تأمل الحكومة في جذبها لم تعد بالانتقال إلى هناك.