مجلة التحالف| التعاونيات السؤال الدائم والاجابة الحاضرة المغيبة.. عن نضال العمل الجماهيري الجماعي
بقلم / نشوى زين
في الأزمات الاقتصادية المتعاقبة على العالم مع تعددها وتواترها يطرح البشر في أصقاع الأرض تساؤلا هامًا.. ما الحل وهل من بديل؟!
الأمر المثير للتعجب أن البديل مطروح ومتطور ونفذ في أماكن متفرقة وأيضا ناجح، فلم لا ينتشر وعلى من نلقي تبعة التقاعس.
ربما يكون لعوامل عدة منها توحش الرأسمالية وضعف التنظيمات الشعبية وانغماس العالم في الأزمات الطاحنة المتعاقبة سواء كانت اقتصادية أو سياسية و/أو حروب إقليمية وأهلية. إلا أنه أيضا مما يطرح علامة تعجب أن هنالك ميل بشري للتضامن الأهلي في مواجهة مثل هذه الأزمات وآخرها وأوضحها مثالا جائحة كورونا وانكشاف أغلب الانظمة الحاكمة في كافة البلدان غنية وفقيرة ومتقدمة ومتضضعة الإمكانات، وعجز هذه الأنظمة عن علاج وحماية مواطنيها.
اتجهت الجماهير إلى التعاون الأهلي وخلق لجان وجمعيات وتضامن شعبي بخلق شبكات اتصال وحركة لإغاثة بعضهم بعضًا إعتمادًا على الإمكانات المحدودة فرديا الممتدة جماعيا، إلا أنها انتهت أو انحلت بمجرد زوال الحاجة الملحة لها في انتظار الأزمة التالية التي تحفز الهمم للتضامن والتعاون مجدداً.
ولنقر ثانيةً بأن التعاون حاجة اجتماعية أساسية وميل بشري فطري، إلا ما نبحث عنه هنا احتياج مثل هذا السلوك البشري إلى الاستدامة والتنظيم وبسطه وهيمنته على السلوك البشري بدلا من سياسات الإثرة والتنافس والندرة المفتعلة والطبيعية أحيانا.
ولا ندعي هنا أن هذه دعوة جديدة، ولا اكتشافًا، بل حلول مطروحة ومتواصلة ومنذ مئات السنين في أنحاء الكرة الأرضية. ولعل أخطر ما يعيق النمو التعاوني وإرساء قواعده الاقتصادية هو غياب أو تغييب مبدأ التعاون بين التعاونيات.
أي اتجاه التعاونيات وبشكل منظم وطوعي إلى تقديم التبادل وبسط التعامل أولا مع التعاونيات سواء المحلية أو /و العالمية مما يفتح آفاق العمل الجماعي والمنظم على مستويات أكبر وأكثر تأثيرًا على العلاقات السوقية وبالتالي الاقتصاد المحلي والعالمي بصورة أكثر يسراً مما نعانيه حالياً.
إذ لا يمكن لتعاونيات مبعثرة الوجود والإمكانيات التأثير في مجريات الاقتصاد العالمي ولكن يمكنها الحضور والتأثير من خلال التأصيل لمبادئها وآلياتها وقواعدها من خلال تسييد نموذج التعاون بين التعاونيات. وهنا تتكاتف على منع هذا التكامل والتعاضد مصالح وأموال تقام دونها الحروب وتهدر الموارد والأرواح في عبثية مرعبة.
• و يطرح هنا سؤال ما هي مبادئ التعاونيات وعلى أي أسس تقوم الجمعية التعاونية فهي جماعة مستقلة من الأشخاص يتحدون اختياريا لتلبية احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتطلعاتهم المشتركة، من خلال الملكية الجماعية لمشروع تتوافر فيه ديمقراطية الإدارة و الرقابة.
• تستند التعاونيات على قيم الاعتماد على النفس، والديمقراطية، والمساواة، والعدالة والتضامن. ووفقا للتقاليد التي أرساها مؤسسو التعاونيات، فإن أعضاء التعاونيات يؤمنون بالقيم الأخلاقية للأمانة والمسؤولية الاجتماعية، والاهتمام بالآخرين.
وقد تضمنت جميع الدساتير المصرية أن قطاعات الدولة هي القطاع العام والتعاوني والخاص والملكية ثلاث هي الملكية العامة والتعاونية والخاصة، والقطاع التعاوني تحميه وترعاه الدولة ليقوم بدوره اقتصادياً وثقافياً في ظل المبادئ التعاونية فالتعاونيات هي قاطرة النمو والتقدم.
🛑 نشوء الحركة التعاونية
كان من أسباب نشوء الحركة التعاونية بزوغ عصر النهضة والصناعة وما صاحبه من تقسيم المجتمع إلى حركات إصلاحية وأفكار وتيارات تتبنى الإصلاح، ومنها الحركة التعاونية في نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر والتي دعت إلى تحسين أوضاع العمال، ومن أشهر المفكرين التعاونيين في فرنسا الفيلسوف شارل فورييه وفي إنجلترا وليم كنج والاشتراكي الإنجليزي وزعيم المعارضة الأولى روبرت أوين وفردريك رايفيزن وشولز ولتش في ألمانيا. وكانت بداية نشأتها في القرى وكان الهدف من إنشائها في البداية حماية الفلاحين والعمال من جشع المرابين وتقديم تيسيرات من نوع جديد لدعمهم ودعم مشروعاتهم وتمويلها.
وهي إن نشأت صغيرة في قرى أو مدن صغيرة لكنها تطورت فيما بعد وأصبح لها بنوك مركزية أو إقليمية لتنظيم عملها فيما بينها.
وترجع نشأتها إلى عام 1845م في ألمانيا حيث أقام فردريك رايفايزن أولى الجمعيات التعاونية للإقراض الزراعي، ثم تلاه هرمان شولس ديلتش حيث ابتكر البنوك التعاونية المسماة بنوك الشعب ذات رؤوس الأموال الصغيرة وذات المسؤولية المحدودة، كما أسس هاس جمعيات جديدة للإقراض على نمط جمعيات فردريك رايفايزن بمسؤولية مطلقة ثم تولى لويجي لوتزاتي إنشاء بنوك الشعب في إيطاليا، ويوجد في كل دولة رواد في هذا المجال حيث تكررت التجارب في دول أوروبية وآسيوية.
🛑 من رواد التعاون في مصر
بدأ التعاون في مصر بفكر عمر لطفي (ولد عام 1867 المتوفى عام 1908) في مواجهة ضيق وأزمات اقتصادية وانسحاب الأموال الأجنبية لذلك فكر عمر لطفي في دراسة التعاون في إيطاليا وعاد إلى مصر وأنشأ نقابة تعاونية باسم شركة التعاون المالي في ديسمبر 1909 ثم أنشأ تعاونية زراعية في قرية شبرا النملة بمحافظة الغربية عام 1910 تحولت إلى جمعية تعاونية عام 1926 وتقدم عمر لطفي للدولة بعدة مشروعات بقوانين للتعاون لم يؤخذ بها إلا بعد وفاته في 4 نوفمبر 1911، كما ألف كتباً في الفكر التعاوني.
🛑 سلطات الجمعية التعاونية
فالجمعية العمومية ترسم سياسة التعاونية وتضع وتناقش وتعتمد خطط عملها، وتستمد الجمعية العمومية سلطتها السيادية من طبيعة التعاونية ذاتها باعتبارها منظمة تقوم على مبدأ الإدارة و الرقابة الديمقراطية، وبالتالى يصبح من مقتضيات المنطق والضرورة أن يكون أولئك الأعضاء هم أصحاب اليد الطولى في إدارة منظمتهم، وأن يكتسب حق إدارتهم الديمقراطية لجمعيتهم الأولوية المطلقة.
ثانيًا، عدالة اقتسام السلطة في الجمعية العمومية حيث يتمتع كافة أعضاء التعاونية بعضوية الجمعية العمومية وبدرجة متساوية في إدارة ورقابة جمعيتهم التعاونية.
• ويتم توزيع السلطة في أنصبة متساوية وبصرف النظر عن قيمة الثروة أو المساهمة المالية التي يقدمها العضو.
• يسهم الأعضاء بعدالة في الرقابة الديمقراطية، وفي رأس مال تعاونياتهم، ويعتبر جانب من رأس المال على الأقل ملكية مشتركة. و يحصل الأعضاء على عائد محدود مقابل رأس المال الذي اشتركوا به بموجب شروط العضوية، ويخصص الأعضاء فوائض عن طريق تكوين احتياطات للأغراض الآتية: تنمية جميعتهم التعاونية، ويكون جانب من هذه الفوائض غير قابل للتقسيم، وجانب كعائد للأعضاء يتناسب مع معاملاتهم، وجانب لتدعيم غير ذلك من أوجه النشاط الذي يوافق عليه الأعضاء.
🛑 الشخصية الذاتية المستقلة
• التعاونيات لها شخصيتها المستقلة التي من سماتها العون الذاتي ورقابة الأعضاء. وفي حالة اجرائها تعاقدات مع المنظمات الأخرى، بما فيها الحكومات، أو في حالة زيادة رأسمالها من مصادر خارجية، فإنها تراعي الاشتراطات التي تؤكد ديمقراطية الرقابة للأعضاء.
• التعاونيات منظمات ديمقراطية يشرف عليها اعضائها الذين يشتركون علي نحو نشط طوعي في وضع سياستها و اتخاذ القرارات الخاصه به.
• يكون الاشخاص القائمين بمهام مسئولين امام اعضاء التعاونيه.
• يتمتع اعضاء التعاونيه بحقوق متساويه في التصويت.
• عضو واحد صوت واحد.
• التعاون بين التعاونيات.
• الاهتمام بالمجتمع المحلى والمساهمة فى تنميته وتدريب ساكنيه.
وانطلاقا من أهمية الجمعيات التعاونية وقدرتها الهائلة على التأثير الإيجابي على أوضاع المواطنين حاولت بعض الجمعيات الأهلية والتجمعات أن تتدبر طريق يتيح لها العمل بالطريق التعاوني إلا أنها تؤسس وفقا لقوانين الاستثمار. وهذا خطر كبير على المنشئة التعاونية التي تتنازل دون ضمانات عن كل الميزات التي تضمنها لها قوانين التعاونيات برغم عيوبها الضخمة والمعرقلة. كما أنها تفقد شرعية نضالها للحصول على ميزاتها الدستورية والقانونية بفقدها الصفة الأساسية التي تمكنها من المطالبة القانونية والشعبية وهي صفة التعاونية بالأساس.
إن الطريق التعاوني تكتنفه معوقات ومشاكل تشريعية حيث تضيق في بعض نصوصها عن استيعاب النشاط التعاوني فتقف المنظمة التعاونية مكتوفة الأيدى إزاء هذا القصور القانوني وتتوسع من جهة أخرى في الرقابة والعراقيل البيروقراطية التي تحول دون ممارسة الجمعية لأدوارها المأمولة.
إلا أنه، وبحق، طريقا يستحق النضال والتجمع حوله من كافة المنظمات السياسية الحزبية والأهلية والحركات الاجتماعية والأفراد إذ أنه مدرسة شعبية لممارسة الديمقراطية السياسية والاقتصادية وفرصة سانحة لإعادة التوزيع العادل للثروة وانخراط المواطنين في إدارة مجتمعاتهم المحلية بطريقة ديمقراطية. إن غنى التجربة التعاونية ليس في الحلول التي تطرحها باستمرار لحاجات المواطنين وطرق تخطي الأزمات اليومية ولكن في ما يمكننا أن نسميه النضال التعاوني..
ونزعم أن هذا النضال سيساعد على ضرب الفهم المثالي الأسطوري للتغيير لدى الجماهير التي تعي أكثر فأكثر، بفضل نضالها اليومي وتنظيم وتوحيد صفوفها، أن التغيير سيكون من صنعها، وليس من صنع بعض الأبطال العابرين، وأن التغيير، وإن كان يشكل قطيعة مع نظام الطغيان والاستغلال، فإنه استمرار وتتويج لتطور وتوحيد نضالاتها، التي تبدو بسيطة، إذا ما نظر إليها بشكل معزول وتجريبي. ونزعم أيضًا أن نضالنا التعاوني لن يؤتي ثماره إلا بتحسن الأوضاع المعيشية للفقراء لأن الشعوب المنهكة لا تثور بل تحترب أو تتآكل.
🛑 “تنويه: ينشر موقع درب الإخباري ملفات ومقالات العدد الخالمس من مجلة التحالف”