أزمة القرافات| الحكومة تنفي تنفيذ حملة شاملة لهدم مقابر “أثرية”.. وأحزاب وشخصيات عامة: تبریر أن ھذه المقابر غیر مسجلة كآثار أمر غیر مقبول
كتب – أحمد سلامة
نفت الحكومة ما تداولته بعض مواقع التواصل الاجتماعي من منشورات حول تنفيذ الحكومة حملة شاملة لهدم مقابر أثرية.
وقال المركز الإعلامي لمجلس الوزراء إنه قام بالتواصل مع وزارة السياحة والآثار، والتي نفت تلك الأنباء، مُؤكدةً أنه لا صحة لتنفيذ الحكومة حملة شاملة لهدم مقابر أثرية، مُشددةً على أن كافة المقابر الأثرية قائمة كما هي، ولا يمكن المساس بها، فهي تخضع لقانون حماية الآثار رقم ١١٧ لسنة ١٩٨٣، والذي يجرم أي عمل يتلف أو يهدم أثرًا، مُؤكدةً حرص الدولة على الحفاظ على الآثار بكافة أنواعها وأشكالها، ليس فقط للأجيال القادمة ولكن للإنسانية جمعاء.
وكان العديد من الشخصيات العامة، والأحزاب، قد انتقدوا حملات الإزالات التي تتعرض لها “المقابر التاريخية”، واصفين ذلك بأنه تدمير غير مقبول للتاريخ والتراث.. مشددين في الوقت ذاته على أن “تبریر أن ھذه المقابر غیر مسجلة كآثار ھو أیضاً غیر مقبول”.
وأدان حزب التحالف الشعبي الاشتراكي ما تقوم به السلطات من إزالات لعدد كبير من المقابر، من بينها مقابر أثرية لشخصيات أثرت الحياة المصرية، مطالبا بإجراء حوارًا مجتمعيًا حول تلك الإزالات والاستماع لخبراء مصر في الآثار والتخطيط العمراني حتى يتم الحفاظ على التاريخ والتراث.
وقال بيان الحزب “یدین حزب التحالف الشعبي الاشتراكي إزالة السلطات المصریة لعدد كبیر من مقابر أھالینا، بما فیھا المقابر التاریخیة التي یتجاوز عمر بعضھا الألف عام، وذلك دون إفصاح الدولة عن خططھا وعدم استعدادھا لقبول حوارًا مجتمعيًا لمناقشة بدائل لھذا التدمیر لتراثنا وحرمة موتانا”.
وأضاف “إن مصر تفخر بحضارتھا التي كانت أول من أعطت للموت مكانا فجعلت منه فجر ضمير الإنسانية، فكیف نتعامل الیوم مع ھذا التراث بھذه الدرجة من الاستخفاف بل والاحتقار. كیف نعجز عن حمایة تراثا مثل قرافة الإمام الشافعي والسیدة نفیسة والسیدة زینب ومقبرة ورش بن نافع والتي تتعجل السلطات ھدمھا الآن. فقد تمت إزالة مقابر شخصیات مصریة یخلدھا لیس فقط تاریخ مصر بل تاریخ العرب وتاریخ العالم.. أزیلت مقبرة شاعر النیل حافظ إبراھیم ولم یتم حتى إخطار ذويه، وھدموا مقابر عائلة ذو الفقار التي تضم رفات الملكة فریدة، على سبیل المثال لا الحصر”.
وتابع “إن عشوائیة اتخاذ القرار وعدم التنسیق بین أجھزة الدولة وعدم إخطار أھالي الموتى ھو جزء من تدمیر ذاكرة الأمة. كذلك تبریر الإزالة بتحدیث العمران وتسھیل المرور ھو أمر غیر مقبول، إذ أن الأولویة یجب أن تعطي للحفاظ على حضارتنا وتراثنا ومراعاة مشاعر أھالینا. وتبریر أن ھذه المقابر غیر مسجلة كآثار ھو أیضاً غیر مقبول. فقدم المقابر یضفي علیھا قیمة توجب الحفاظ علیھا لأنھا جزء من ذاكرة مدینة القاھرة ومن تاریخ المصریین”.
واختتم البيان “باسم أھالي الموتى المضارین وباسم كل من یتألم من تدمیر حضارتنا وتراثنا، یطالب حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بوقف ھذا التدمیر وإجراء حوار مجتمعي یسمع فيه لخبراء مصر في الآثار وفي التخطیط العمراني، حتى نحافظ على تاریخنا وتراثنا ونحترم حرمة موتانا”.
كما انتقد الكاتب الصحفي أحمد النجار، رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، هدم المقابر التاريخية الذي يجري في الوقت الحالي وسط مطالبات بالحفاظ عليها، والبحث عن بدائل.
وقال النجار، الأحد: “كل الطرق قابلة لتغيير المسار أي يمكن تعويضها بمسار جديد، لكن الذي لا يعوض هو تلك المقابر التاريخية عموما”.
وأضاف: “خاصة تلك التي تضم رفات بعض من رموز وطننا العظيم والتي يتم هدمها بجهالة بدلا من تحويلها لمزارات لاستلهام القيم التي مثلها وعاش لها هؤلاء الذين لم يدر بخلدهم أن الحكم في وطنهم سيعصف بمستقرهم الأخير”.
ومؤخرًا، تجددت الاعتراضات على إزالة مقابر شخصيات عامة وتاريخية تقع في نطاق حي الخليفة جنوب العاصمة القاهرة، بدعوى المنفعة العامة. في وقت تقدم برلمانيون بطلبات إحاطة لوقف هدم المقابر وتطويرها لتصبح نقطة جذب سياحي.
وترتبط المقابر المُعرضة للهدم بأسماء عدد الشخصيات العامة والمشاهير، مثل شيخ الأزهر الأسبق محمد مصطفى المراغي، والشاعر والسياسي محمود سامي البارودي، وعميد الأدب العربي الأديب طه حسين، فضلا عن مقابر لعدد من الأمراء والمماليك.
ويضم حي الخليفة العديد من المقابر، تعرف باسم مقابر الإمام الشافعي والليثي. سبق أن أصدرت محافظة القاهرة قرارًا بإزالة 2700 مقبرة ونقلها إلى أماكن جديدة في مدينتي 15 مايو والعاشر من رمضان، وأخطرت الأسر لنقل رفات موتاها. وسيتم استخدام المنطقة بعد إخلائها في توسعة طريق صلاح سالم، وإنشاء جسر مروري لتسهيل الحركة المرورية، حسب تصريحات حكومية رسمية.
وقالت شيرين تحسين، حفيدة رجل الدين الراحل محمد مصطفى المراغي، أحد شيوخ الأزهر، إن الأسرة تلقت قرارًا من محافظة القاهرة بنزع ملكية مقبرة جدها، ونقلها إلى منطقة العاشر من رمضان لاستخدامها في المنفعة العامة، موضحة أن الأسرة لا تعترض على تحقيق المنفعة العامة، إلا أن جدها الراحل يعتبر أحد رموز الأزهر الشريف، وأحد من تولى مشيخة الأزهر، كما له إسهامات عديدة في تطوير المؤسسة الدينية.
وتولي مشيخة الأزهر الشريف، مرتين؛ الأولى في ل الفترة من عام 1928 حتى استقالته 1930، والثانية من 1935 إلى وفاته في 1945.
وقالت حفيدة المراغي، في تصريحات نقلها موقع (CNNبالعربية)، أن أسرة الشيخ الراحل لا تقبل بأي حلول بديلة لنقل مقبرة جدهم، وتطالب بإلغاء القرار الحكومي بإزالتها، تكريمًا لتاريخ ومساهمات المراغي.
وأضافت تحسين أن الأسرة تنتظر ردًا من الحكومة على مناشدات وقف قرار إزالة المقبرة، مضيفة أنه حال تنفيذ القرار فعليًا فسيتم نقل رفات المراغي إلى مسقط رأسه في مركز المراغة بمحافظة سوهاج بدلًا من مدينة العاشر من رمضان، البديل المطروح من الحكومة.
وقالت الحكومة إنها تعمل على “تطوير” منطقة القاهرة التاريخية بهدف استعادة الوجه الحضاري للعاصمة. وتشمل خطتها على تطوير المناطق التاريخية والتراثية، وتحسين شبكة الطرق وتوفير مناطق انتظار للسيارات لتحقيق سيولة مرورية، وإزالة المناطق العشوائية ونقل سكانها إلى شقق سكنية بديلة.
من جانبها، قالت مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، إنها تعد للتقدم بطلب إحاطة جديد بالبرلمان اعتراضًا على إزالة مقابر لشخصيات عامة وتاريخية، آخرهم محمود سامي البارودي، الشاعر وزير الحربية رئيس وزراء مصر في عام 1882، بهدف الحفاظ على المقابر التراثية والتاريخية، والمطالبة برؤية مختلفة من الحكومة لتحقيق تطوير المنطقة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على المقابر دون التأثير عليها.
كانت محافظة القاهرة أصدرت من قبل بيانات رسمية نفت فيها إزالة مقبرتي الشيخ محمد رفعت، والأديب الراحل طه حسين، رغم تأكيد أسرتهما تلقيهم قرارات إزالة كغيرهم من أصحاب المقابر بحي الخليفة.
وأضافت مها، أنه تم بالفعل نقل رفات شخصيات عامة وأدباء كبار، من بينهم الروائي يحيي حقي، وفي الوقت الحالي تواجه مقابر طه حسين والبارودي والشاعر حافظ إبراهيم نفس المصير، مما يتطلب ضرورة التدخل السريع لتحقيق المنفعة العامة بتوسعة الطرق وإعادة تخطيط القاهرة التاريخية دون إزالة المقابر، التي تعتبر تحفة معمارية وتراثية لا يجب إزالتها، لافتة أن الحكومة استجابت ووقفت إزالة مقبرة طه حسين، وكذلك حافظ إبراهيم، حسب قولها.وقالت إنها تقدمت بأربعة طلبات إحاطة للبرلمان لوقف قرارات الحكومة بإزالة المقابر، وتضمنت هذه الطلبات بدائل لتحقيق المنفعة العامة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على المقابر، واستخدامها كمزار تاريخي بعد تطوير المنطقة، وجعلها نقطة جذب سياحي.
بدوره أكد المهندس جمال عامر، الخبير المعماري ومصمم مركز الخزف والحرف التقليدية بالفسطاط، أن أي منطقة قديمة من الممكن أن تكون منطقة تاريخية كعدد من الأماكن المشهورة في القاهرة التاريخية، مشددًا على أنهم درسوا في الكلية فكرة الحفاظ على الأماكن التاريخية.
وأضاف “عامر”، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج “حديث القاهرة”، مع الإعلامية كريمة عوض، المُذاع عبر شاشة “القاهرة والناس”، أنه يجب الحفاظ على المقابر القديمة، لأنها جزء من تاريخ وهوية مصر، موضحا أنه من الممكن أن يكون الغرض نبيل، لكن لابد أن يتعامل مع هذه الأماكن بشكل جيد، ومقابر الرموز جزء من تاريخ وهوية مصر ويجب الحفاظ عليها. وأشار جمال عامر، مصمم مركز الخزف والحرف التقليدية بالفسطاط، إلى أن هناك اقتراح بمد أنفاق في المناطق التاريخية بدلًا من إزالتها، مؤكدًا أن نقل الأثر بالكامل هو الأفضل حال من بداية الإزالة.