كارم يحيى يكتب: خطاب مفتوح إلى”بلينكن” عن الظلم الذي لا ينسى وحتما لن يدوم للأبد
السيد / أنتوني بلينكين
وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية
تحية طيبة وبعد ..
أكتب إليك كمواطن مصري بمناسبة زيارتك للقاهرة وللمنطقة، والتي بدأت يوم 29 يناير 2023. ويبدو أنك اخترتم أن تبدأوا زيارة مدينتي من مقر الجامعة الأمريكية القديم على مقربة من ميدان ثورة يناير المصرية ( ميدان التحرير)، وحيث ذكرى شهداء ومصابين مع ثوار بلا حصر كانوا هناك قبل 12 عاما من أجل حرية وعدالة الاجتماعية وكرامة وطنية وإنسانية لم تأت. وبالطبع من أجل قيم حقوق الإنسان الكونية ومعها أسس الديمقراطية كتداول السلطة والانتخابات التعددية الحرة النزيهة والحق في التظاهر وحرية التعبير والصحافة.. والحياة. تلك الثورة التي وصفها الرئيس الديمقراطي “بارك أوباما” في كلمة له يوم 12 فبراير 2011 ـ ووقتما كان نائبه “جون بايدن” رئيسكم الآن ـ قائلا:
ـ ” يجب أن نعمل أبناءنا كي يكونوا كشباب مصر “.
وإذا كان لك ـ السيد الوزير ـ أن تراجعوا أرشيفات الصور عن هذه الأيام للاحظت في أحد مداخل ميدان الثورة المصرية عربة معطوبة لقوات فض المظاهرات السلمية تابعة لوزارة الداخلية هنا بلونها الأخضر الزيتي الغامق، وقد خط عليها الثوار “نجمة داوود “، رمز ” إسرائيل” ومعها عبارات عن عقيدتها الصهيونية وعنصريتها وعنفها وإرهابها. وربما لوتكرم معاونوك في القاهرة لأطلعوك أيضا على صور فوتوغرافية أخرى تعود إلى الفترة ذاتها لقنابل غاز بلاحصر يتجاوز مفعولها إسالة الدموع إلى التسبب في اختناق إلى حد الأمراض الصدرية المزمنة، وحتى الموت، ومحفور عليها البلد المصدر:
Made in U S A
ولعل استدعاء الصور / الذكريات السابقة يتجاوز أيضا اعتبارات جغرافيا المكان والتاريخ الذي كان، وحتى يصل إلى اللحظة. فقد بدأت جولتك أمس بحوار مع مجموعة من الشباب أطلقت عليهم ” قادة المستقبل في مصر “. لكننا للأسف لم يتح لنا كمواطنين مصريين الإطلاع على مجريات هذا الحوار، أو التعرف على المشاركين فيه.
فقط نشرت وسائل الإعلام هنا ما تفضل الموقع الإلكتروني لسفارتكم بالتصريح به بشأن نص كلمة افتتاحية لك. وفقط كان بالإمكان من النص المنشور بالإنجليزية على الموقع ـ وليس في إعلامنا هنا باللغة العربية ـ الانتباه إلى دفع الصحفيين للمغادرة قبل بدء الحوار . وأظن أن “هذه الفعلة” لا يمكن أن تمر مرور الكرام في بلدكم. وليس فقط لما تنطوى عليه من إهانة للصحفيين والصحافة. بل ولعدوانها على حق الرأي العام في أن يعلم.
وبالطبع لا يمكن الاحتجاج بأن ” هذه الفعلة” بهدف حماية الشباب المصري الحضور ـ والمنتقى بعناية على الأرجح ـ من مخاطر قد تترتب على تعبيرهم عن آرائهم في ظل ماهو عليه “نظام صديق لواشنطن” من أحوال غير خافية على أحد. وإذ من السذاجة تصور ـ وحتى بالنسبة لمواطن وليس مسئول في دولة عظمي ـ أن كل كلمة في هذا الحوار غير منقولة بالصوت والصورة إلى الجهات المصرية الصديقة لوكالات الأمن والمعلومات الأمريكية.
وتماما من السذاجة الإيهام بأن المشاركين في هذا الحوار غير معلومين عند السلطات المصرية ، وإن لم تكن بالأصل قائمة أسماء الشباب خضعت لمراجعات مشتركة مسبقة، وموافقات محلية هنا. وإذا كنت قد أعلنت في كلمتك الافتتاحية إنك راجعت خلفيات السيرة الذاتية لكل شاب مشارك في الحوار ( وهو أمر آخر لم تذكره تغيطات الصحافة المصرية )، فهل يظن غافل ساذج أن الجهات المصرية لم تفعل الشئ نفسه، وإن لم تكن هي التي أمدت سفارتكم بالمعلومات المطلوبة.
*
على أي حال، أثمن وأحيي احتفاءكم بـ ” الحوار” مع ” الشباب المصري”. وقد تفضلتم بإعلامنا ـ وللمرة الأولى ـ أنه أصبح لدى سفيركم مجلس مستشارين من هكذا شباب ( وهو أمر آخر لم تنشره صحافة القاهرة). ولكن لأنني ـ كملايين المصريين الذي حللت ضيفا في بلده وأهلا وسهلا ـ ممنوع من النظر والاستماع و من الحق في معرفة من شارك في الحوار، وماذا دار فيه؟. لذا أسمح لي أن أطرح بعض الأسئلة ، وأخالها كلها مشروعة ومطلوبة هنا والآن، وذلك إحياء للحق في المعرفة والتعبير والرأي و التماس الأنباء وتداولها ، والمنصوص عليه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وكذا في التعديل الأول اللدستور الأمريكي بتاريخ 15 سبتمبر 1791 ، والذي تتضمنه وثيقة حقوق الولايات المتحدة.
.. هل كان بين الشباب في الحوار معكم من مر بتجارب الإخفاء القسري، أو الحبس الاحتياطي المديد لسنوات تلو سنوات بتهم سياسية وجاهزة حاضرة لعقاب عشرات الألوف هنا، أو من شكا من التعذيب والحط من الكرامة الإنسانية في المحابس؟
.. وهل كان بينهم شاب أو شابة يتفجر بالحيوية والتطلع للفاعلية والإسهام في مستقبل بلاده السياسي الوطني خرج من قضاء عقوبة بالسجون بعد محاكمات لاتتوافر فيها أبسط ضمانات العدالة أواحترام الدستور والقانون في بلاده والعالم؟.
.. وهل كان بينهم شباب تأكل أعمارهم البطالة والتهميش والإقصاء والإفقار والتجويع بفعل خيارات اقتصادية خاطئة للحكومة، أو نتيجة الفساد والمحسوبية والواسطة، وجراء ديون للخارج ليس لهم فيها “ناقة ولا جمل” ولا مشاركة في قرار أو مساهمة في رقابة أو حوار مجتمعي ؟.
.. وهل كان بينهم من تعرض ـ ولو على مقربة في ميدان التحرير ذات يوم أو ليلة ـ إلى استيقافه وتفتيش هاتفه المحمول وانتهاك خصوصياته، وهو خائف مهان ، و بلا تلبس أو شبهة جريمة أو مخالفة، ؟.
.. وهل كان بينهم من له أب أو أم أو شقيقة أو شقيق من محبوسي أو سجناء الرأي؟ . و قد عاش أو مازال معاناة الاستيقاظ في برد الشتاء أو الانتظار لساعات طوال تحت شمس الصيف الحارقة كي يظفر برؤيتها أو رؤيته لبضع دقائق في السجون البعيدة، وعلى أمل تمرير قليل من طعام أو ملابس أو دواء، وبقدر ما يسمح مزاج السجان و” اللامنطق”، وبالمخالفة للقوانين ولوائح السجون المحلية.
.. وهل كان بينهم من يبحث عن الهجرة من وطنه أو اللجوء للخارج لأسباب سياسية ولتضيقات أمنية أو معيشية اقتصادية جعلت غالبية مواطنيه عاجزين عن توفير طعام يبقيهم على قيد الحياة أو يحصنهم من الأمراض ؟
.. وهل جاء بينهم صحفية أو صحفي من الشباب يشكو اليأس عجزا عن ممارسة المهنة والكسب منها لإعالة نفسه؟. ولن أقول بيتا جديدا يفتحه . وهذا في ظل قتل الاستبداد للصحافة المصرية والتضييق على هوامش الحرية والمهنية، وبما في ذلك حجب مئات المواقع الصحفية الإلكترونية ومعها المعلومات. ناهيك عن تحويل وسائل الإعلام العامة ( المملوكة للدولة) والخاصة ( المملوكة لرجال الأعمال المحاسيب أو لأجهزة الأمن كل على حدة أو بالشراكة معا ) إلى أبواق “بروباجاندا” سلطوية بائسة ، ينفر منها ويقاطعها الجمهور.
.. وهل سألك أحد المشاركين في الحوار عن التناقض بين خطاب إدارتكم بشأن “حقوق الإنسان” واستمرار دعمها لحكومات تنتهك الحقوق والحريات ولا تتوقف أو تخجل؟.وهل سألك أحد عن مساندة الإدارات الأمريكية المتعاقبة لليوم لهذه الحكومات عسكريا وأمنيا وسياسيا وماليا،وفرض التعتيم والحصانة الإجرامية على تصرفات القادة غير القانونية وثرواتهم بالخارج، و”المصانة المحمية ” حتى يرحلون ؟.
.. وهل سأل أحدهم عن مصير ماجاء بتصريح مستشار الأمن القومي ” جيك سوليفان” في الإدارة الأمريكية مع انعقاد قمة المناخ بشرم الشيخ يوم 12 نوفمبر 2022 عن دعوة رئيسكم للرئيس المصري إطلاق سراح سجين الرأي “علاء عبد الفتاح ” وآخرين؟ .وهل أطلعت على سماح السلطات هنا بدخول كتابه ” شبح الربيع العربي ” إلى معرض الكتاب بالقاهرة المقام حاليا أم من توزيعه في مصر؟. وهذا على الرغم من كون الكتاب لا يتضمن أي دعوات للعنف . بل ويطالب بالتغيير السلمي والديمقراطي ليس إلا.
.. وهل تحدث أمامك شاب أو شابة عن قرارات اقتصادية كارثية لم يشاركوا في صناعتها؟. ولم يكن لهم أو لغيرهم من مواطنيهم فرصة في النقاش حولها أو عن أولويتها لغالبية المصريين أو مراقبة تطبيقها ، ولا في انتخاب الحكومة التي اتخذتها، وعن عواقبها وأعبائها مع إدمان الاستدانة من الخارج، وأعبائها التي ستمتد إلى أجيال. ناهيك عن آثارها الحالية من ارتفاع لايطاق في نفقات المعيشة والسلع الغذائية الضرورية للإبقاء على الحياة. وهل تحدثوا عن ارتفاع معدلات ونسب الفقر والفقراء والانتحار والهجرة يأسا من الحصول على فرصة عيش كريم أو عمل في ظل لاكفاءة إدارة اقتصاد البلاد و استشراء الفساد والواسطة ؟ .
*
السيد / أنتوني بلينكن
بالطبع لا يتصور المرء أن ينعقد الحوار مع شباب من بلدي هنا في القاهرة الآن ولا يسألك شاب أو شابة عن استباقك هذه الجولة بالمنطقة بتصريحات تؤكد التزام الإدارة الأمريكية المطلق بأمن إسرائيل، وإدانتها ـ وبنفسك ـ لهجوم القدس المحتلة يوم 27 يناير 2023 الذي قام به شاب فلسطيني من أبنائها عمره 21 سنة فقد جده بطعنة من مستوطن صهيوني فوق أرضه المغتصبة؟ . وهذا بينما صمت وإدارتكم عن المجازر الإسرائيلية المتوالية ضد الشعب الفلسطيني واستمرار الاحتلال والاستيطان والقتل والقمع. واكتفيت إزاء مجزرة “جنين” بالضفة الغربية الخميس 26 يناير 2023 بصرف كلمات من وزارة الخارجية للشعب الفلسطيني بلا معنى ولاقيمة ولا أثر للشعب الضحية من قبيل: ” الأسف والقلق العميق إزاء دائرة العنف”.
وربما أبلغك أحد ما في حوارك مع الشباب المصري عن المقارنة التي لا يمكن تجنبها هنا في القاهرة ومختلف مدن وأنحاء المنطقة والعالم بين مساعدة واشنطن وحلفائها لأوكرانيا بالسلاح وبالمال وبالعقوبات لدفع العدوان الروسي الغاشم على أراضيها والذي يوشك أن يكمل عامه الأول، فيما موقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة لليوم إلى جانب العدوان على الشعب الفلسطيني واحتلال أراضية منذ 1948 ومرورا بـ 1967؟. وهو دعم مستمر ومتنامى بالسلاح والمال و الدبلوماسية، وبكافة الضغوط على حكامنا وحكوماتنا. وأيضا بالإسراف في استخدام “الفيتو” في مجلس الأمن لحماية المعتدى وإرهاب دولته وعصابات مستوطنيه.
.. ولا أعرف هل سألك شاب أو شابه من محاوريك عن حالة الإنكار التي تعتمدها وإدراتك بواشنطن إزاء تقارير منظمات حقوق الإنسان العالمية ، وحتى الأمريكية و الإسرائيلية، التي تشخص طبيعة وعقيدة وممارسات إسرائيل بأنها نظام واحتلال وقمع ” أبارتهايد” عنصري؟. و يجب تفكيكه وإزالته و محاكمة قادته دوليا كمجري حرب. وتماما كما جرى مع النازيين في محاكمات “نورمبرج” للقادة مجرمي الحرب العالمية الثانية.
بالطبع تتذكر ـ سيد ” أنتوني” ـ قصة روتها والدتك لك مرارا في باريس عن زوجها السيد ” صمويل بيسار” الناجي الوحيد من بين “هولوكوست” 900 تلميذ على أيدي هؤلاء العنصريين النازيين ببولنده. وكانت هذه المجزرة منذ أكثر من نحو 80 سنة، فكيف بإمكانك ألا تتذكر كل هذه المجازر ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى، والمستمرة إلى الآن؟ .
وكيف لا تتذكر تحديدا تقرير منظمة “هيومان رايتس واتش ” الأمريكية الصادر في 27 أبريل 2021، و المعنون “تجاوزوا الحد: السلطات الإسرائيلية و جريمة الفصل العنصري والاضطهاد”؟. وقد وضع الوصف الصحيح والدقيق لما يعيشه الفلسطينيون لليوم بأنه ” أبارتهايد”. كما طالب إدارة الرئيس “بايدن”، الجديد حينها، في توصياته الختامية بإصدار بيان رسمي ضد إرتكاب إسرائيل لجريمتي الفصل العنصري واضطهاد الفلسطينين . وطالبه بربط المساعدات العسكرية والأمنية والاقتصادية بإتخاذ السلطات الإسرائيلية خطواتٍ ملموسة، ويمكن التحقق منها، باتجاه إنهاء ارتكاب هذه الجرائم العنصرية ضد الإنسانية، فضلاً عن المطالبة بتفعيل عقوبات ضد إسرائيل ومسؤوليها.
..ربما حاورك أحد في القاهرة مستفهما عما فعلت وإدارتك “الديمقراطية” بهذه التوصيات والمطالبات. فماذا كانت إجابتك؟. وهل تسمح بأن أسألك وغيري عن موقفك كإنسان وكيهودي ومسئول في الإدارة الأمريكية من إعلان منظمة ” بتسليم” الحقوقية الإسرائيلية قبل أيام أن عدد الفلسطينين الذين قتلهم جنود جيش الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية خلال عام 2022 يبلغ ،146 ، وبينهم أطفال ونساء، وأغلبهم من غير المقاتلين.
.. وربما سألك أحد خلال حوار شباب القاهرة أيضا ـ ونحن لانعلم ـ عما جاء في تقرير أحدث لـ “بتسليم” بأن ثلاثين فلسطينيا قتلهم جنود الاحتلال ومستوطنوه في الضفة الغربية خلال أيام شهر يناير لهذا العام وحده وإلى ماقبل هجوم القدس المحتلة الأول. فماذا كانت إجابتك ؟. وبالتأكيد أنت تعلم بأن توصيف الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني العنصري الاستيطاني الإحلالي في فلسطين بأنه ” فصل وتمييز عنصري مصحوب بجرائم ضد الإنسانية” هو بالأصل جاء لـ” هيومان رايتش واتش” استنادا إلى التقارير الميدانية لمنظمة “بتسليم “، وغيرها من المؤسسات الحقوقية الإسرائيلية غير الحكومية.
.. وبماذا أجبت لو كان قد سألك شاب أو شابه في حوار القاهرة عن موقفك من حكومة إسرائيلية جديدة يمنية متطرفة مخلصة للعقيدة الصهيونية العنصرية؟. و هي تضم أعضاء متورطين فيما يماثل ” الهولكوست” ضد الشعب الفلسطيني، ومن بينهم وزير الأمن القومي ” إيتمار بن غفير” العضو السابق بحركة “كاخ” المصنفة في الولايات المتحدة بأنها إرهابية. وهي ” إرهابية ” حتى في إسرائيل ذاتها، وحيث جرى حظرها بعد مجزرة الخليل في 25 فبراير 1994 . هذا اليوم الدموي الذي أطلق فيه مستوطن صهيوني متطرف، بتواطؤ ورعاية جيش الاحتلال، النار على بشر عزل داخل المسجد الإبراهيمي فقتل 29 مصليا وأصاب 150 آخرين، وفي شهر رمضان المقدس عند المسلمين.
ولا شك أنك تعلم كأمريكي بأن سفاح مجزرة الخليل ” باروخ جولدشتاين” الصهيوني الأمريكي الأصل هو بدوره أحد أتباع الإرهابي ” مائير كاهانا” مؤسس “كاخ” وغيرها من منظمات توالدت منها، وبأنه الأب الروحي للوزير ” بن غفير “وآخرين في الحكومة الإسرائيلية الجديدة . وبالطبع أنت وإدارتكم على علم بما هتف به الوزير “بن غفير” عندما أسرع إلى موقع هجوم القدس المحتلة خارج معبد يهودي :” الموت للعرب”، وما نادي به طلبا لطرد الفلسطينين وقتلهم على الهوية، وبمجرد “الاشتباه”، وبأسلحة الجيش والمستوطنين.
.. ولو سألك شاب أو شابه في القاهرة عن كيف ستقف بعد ساعات إلى جانب رئيس الحكومة الإسرائيلية “نيتانياهو”، وهو الذي مع وزرائه وجنرالاته يواصلون هدم بيوت الفلسطنيين وترحيلهم، ويعتمدون سياسة العقاب الجماعي البربرية ( خارج الحضارة والعصر ) ، فبماذا أجبت؟.
.. وهل سألت نفسك بدروك لماذا يحمل طفل فلسطيني عمره 13 سنة ـ ومن القدس المحتلة أيضا ـ مسدسا، ويطلقه على مغتصبي أرضه وقاتلي ومضطهدي ومشردي أهله وشعبه ؟. ألم تقرأ ما نشرته الصحف ـ بعد هجومي القدس المحتلة هذين ـ لكتاب إسرائيليين استمعوا لصوت العقل؟. وقد استخلصوا بشجاعة أن القتل وكافة ألوان الاضطهاد العنصري اليومي للفلسطينين في الضفة الغربية على مدى شهور قاد بالضرورة الى الهجوم في ” نيفيه يعكوف” و”سلوان” بالقدس المحتلة، و على هذا النحو.
ولعلك قرأت مثلا مقال “جدعون ليفي” في “هاآرتس” 29 يناير 2023 بأن الجنرالات والقادة السياسيين الإسرائيليين كانوا على علم بأن اقتحام قلب”جنين ” سيؤدي حتما إلى مجزرة بين المدنيين الفلسطينين، وقوله نصا إن :” دماء من سقطوا في القدس وليس جنين فقط هي على أيدي من ارتكبوا هذا الاقتحام”، وتأكيده بأن ” إسرائيل هي التي بدأت الأحداث التي أدت الى هجمات القدس” .
.. وهل بعد كل هذا استجبت وإدارتكم إلى دعوة تقرير ” هيومان رايتس واتش” المشار إليه سابقا للتخلي عن “صفقة القرن” الترامبية، وإعادة السفارة الأمريكية إلى تل أبيب وإزالتها من القدس المحتلة ؟.
ولعلك على علم أيضا بالبيان الذي وقعه مئات من العلماء والمثقفين الإسرائيليين مؤخرا. وتم نشره في الصحف الأمريكية والبريطانية عن مخاطر حكومة التطرف اليمني العنصري الجديدة بقيادة ” ناتنياهو” على ما يعتبره “ديمقراطية إسرائيل” واقتصادها، ونظرا لتضمن برنامج هذه الحكومة تقويض سلطة المحكمة العليا واستقلال القضاء . وكذا ما نشرته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” يوم 29 يناير 2023 للحاخام اليهودي “أريك أشرمان” مؤسس جمعية ” التوراة من أجل العدالة” تعبيرا عن الخوف من تزايد التمييز أيضا ضد اليهود من غير الأرثوزوكس المتدينين في ظل الحكومة الفاشية الجديدة. وقد أشار إلى أن كتابات لليهود خارج إسرائيل تشبه اليوم”نتانياهو” العائد إلى منصب رئيس الوزراء بأنه “فرعون موسى”.
.. ولو كان من بين محاوريك الشباب في القاهرة من نبه إلى أن كل ظلم وعنف يقع على إنسان سيثمر في يوما ما ـ طال الزمن أم قصرـ عنفا وانتقاما، فبماذا أجبتهم ؟. وهل تذكرت عند إجابتك أن عنف الضحايا ضد مضطهديهم مشروع، يقره القانون الدولي. ويشهد به تاريخ الشعوب حتى في أوروبا والغرب. أم إنك التزمت الصمت والإنكار؟
*
السيد / وزير الخارجية الأمريكية ..
في خمسينيات القرن العشرين، كتب الشاعر المصري ” عبد الرحمن الشرقاوي” ـ رحمه الله ـ قصيدة بعنوان ” خطاب مفتوح من أب مصري إلى الرئيس ترومان”، بعدما ضربت إدارته الأمريكية اليابان بقنبلتين نوويتين قبلها بسنوات. وكان شاعرنا عمره حينها لا يتجاوز الأربعين عاما .. أي تقريبا في عمر الشباب المصري الذي حاورت على مقربة من “التحرير” ميدان الثورة المصرية. وربما كان الشاعر أيضا في عمر شباب آخر ستقابل في القدس المحتلة ورام الله، إن أتاح لك فائض الوقت بعد لقاء ” القادة الكبار و العواجيز”.
وجاء في هذه القصيدة/ الخطاب المفتوح :
“و لكننى قد أطلت الحديث ولم تدرِ يا سيدى من أنا
إذن سأقدم نفسى إليك.. فهل أتمنى عليك المنى
نشدتك ـ بالرعب يا سيدي
نشدتك بالرعب لا تغضبن لأنى لم أُلقَ فى السجن بعد
بمجدك ما قصر التابعون
فهم مخلصون
وهم لا ينون ولا يهدأون
ولكنها.. أزمة فى المساكن
فقد ملأوا السجن يا سيدى فما فيه من حفرة خالية
على أن ثم مكاناً يعد.
إذن فاطمئن،
وإن كنت يا سيدى لم أمت، وما زلت أدفع أياميه
فما ذاك ـ والموت ـ إلاَّ لأنَّ حبال مشانقنا باليه
لكثرة ما شنقت من حقوق وتشنق من رغبات الوطن
.. على أنهم يفتلون الحبال.
*
والسلام ختام
مواطن وصحفي مصري
وأب لابن يبدأ سنوات الشباب
القاهرة في الإثنين 30 يناير 2023