30 منظمة حقوقية تطالب قيس سعيد بسحب مرسوم جرائم الاتصال والمعلومات بتونس: قيود غير مسبوقة وتهديد صارخ لحرية التعبير والصحافة

السجن 5 سنوات و15 ألف دولار غرامة عقوبة “نشر أخبار كاذبة” و”بث الرعب بين المواطنين” و”التشهير” مضاعفتها حال استهداف موظف عمومي 

بيان: المرسوم تضمن نصوصا لإرهاب الصحفيين والمواطنين من التعبير عن آرائهم خاصة تجاه أعوان الدولة والمسؤولين السياسيين 

المنظمات: التجريم “الغامض” يطلق العنان للأمن والقضاء لملاحقة السياسيين والصحفيين والمدونين والمجتمع المدني وعموم المواطنين..  

كتب- محمود هاشم:  

أدانت 30 منظمة حقوقية المرسوم الجديد لجرائم الاتصال والمعلومات في تونس، داعية الرئيس التونسي قيس سعيد على سحبه فورا من أجل دعم حرية التعبير وحرية الصحافة في البلاد. 

كما دعت المنظمات رئيس الجمهورية التونسي إلى سحب المرسوم المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، وتنظيم مشاورات، بما في ذلك مع المجتمع المدني، لإعداد تشريعات جديدة تتناول جرائم الإنترنت، مع ضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية والحريات للجميع في تونس. 

وعبرت الجمعيات والمنظمات الحقوقية، في بيان مشترك، اليوم الخميس، عن عميق انشغالها إزاء ما تضمنه المرسوم رقم 54 لسنة 2022 المؤرخ في 13 سبتمبر2022 والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال من أحكام متعارضة بصورة صارخة مع الفصول 37 و38 و55 من الدستور التونسي والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من طرف الجمهورية التونسية. 

كما استنكرت نشر رئاسة الجمهورية مرسوما يهدد جوهر حرية التعبير والصحافة في ظرف سياسي دقيق تمر به البلاد قبيل بضعة أسابيع من انطلاق الفترة الانتخابية للانتخابات التشريعية السابقة لأوانها والمقررة ليوم 17 ديسمبر2022. 

كما حذرت من خطورة هذا المرسوم على الحقوق والحريات الرقمية، حيث تضمن المرسوم قيودا غير مسبوقة من شأن تطبيقها أن يؤدي إلى ترهيب الصحفيين/ات وعموم المواطنين/ات من التعبير عن آرائهم خاصة تجاه أعوان الدولة والمسؤولين السياسيين. 

اتسم مسار المصادقة على هذا النص القانوني بالتعتيم والغموض الكبيرين، حيث تم نشر نسخة مسربة من نص مشروع قانون مكافحةالجرائم المتعلقة بأنظمة المعلومات والاتصال لأول مرة في أوت 2015 على الموقع الإلكتروني “نواة” دون أن تؤكد أي جهة رسمية تبنيها له.  

وفي مطلع مايو 2018، صادق مجلس الوزراء التونسي على مشروع قانون مكافحة الجرائم المتعلقة بأنظمة المعلومات والاتصال دون أي تشريكلمنظمات المجتمع المدني، واستمر التعتيم 4 سنوات إلى حدود صدور المرسوم 54 في 13 سبتمبر 2022 بعد قرابة 3 أشهر من تاريخ التداول فيه في مجلس الوزراء المنعقد في 27 يونيو 2022. 

ونص الفصل 24 من المرسوم على أن “يعاقب بالسجن مدة 5 أعوام وغرامة قدرها 50.000 دينار (15.000 دولار أمريكي) كل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان. 

ويعاقب بنفس العقوبات المقررة بالفقرة الأولى كل من يتعمد استعمال أنظمة معلومات لنشر أو إشاعة أخبار أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو بيانات تتضمن معطيات شخصية أو نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير أو تشويه سمعته أو الإضرار به ماديا أو معنويا أو التحريض على الاعتداء عليه أو الحث على خطاب الكراهية، وتضاعف العقوبات المقررة إذا كان الشخص المستهدف موظفا عموميا أو شبهه. 

وحسب البيان، يتعارض هذا الفصل مع المعايير الدولية المتصلة بالحق في حرية التعبير، حيث إنه ولئن كان من المشروع وضع ضوابط على الحقوق لحماية مصالح مشروعة مثل كرامة الأفراد أو الأمن الوطني، إلا أن ذلك لا يكون عبر تجريم عدة أفعال بصورة غامضة وغير دقيقة، الأمر الذي يؤول إلى إطلاق عنان السلطة التقديرية للأجهزة الأمنية والقضائية لملاحقة الصحفيين/ات والمدونين/ات والناشطين/ات في المجتمع المدني والسياسيين/ات وعموم المواطنين/ات.  

وأكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في التعليق العام رقم 34 لسنة 2011 على وجوب “صياغة القاعدة، التي ستعتبر بمثابة “قانون” بدقة كافية لكي يتسنى الفرد ضبط سلوكه وفقًا لها، ويجب إتاحتها لعامة الجمهور. 

ولا يجوز أن يمنح القانون الأشخاص المسؤولين عن تنفيذه سلطة تقديرية مطلقة في تقييد حرية التعبير، ويجب أن ينص على توجيهات كافية للمكلفين بتنفيذه لتمكينهم من التحقق على النحو المناسب من أنواع التعبير التي تخضع للتقييد وتلك التي لا تخضع لهذا التقييد”. 

علاوة على ذلك يتعارض المرسوم مع الضوابط الدستورية المنصوص عليها صلب الفصل 55 من الدستور والواجب احترامها عند تقييدالحقوق والحريات، حيث تضمّن عقوبات غير متناسبة مع الأفعال المجرمة بالإضافة إلى عدم دقة المفردات المستعملة. 

ونص الفصل 55 من دستور 25 يوليو 2022 على جملة من الشروط التي ينبغي احترامها عند وضع العقوبات ومن بينها احترام شرطيالضرورة والتناسب، حيث نص الفصل المذكور “لا توضع قيود على الحقوق والحرّيات المضمونة بهذا الدّستور إلاّ بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطيّ وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العامّ أو الدّفاع الوطنيّ أو الصّحة العموميّة، ويجب ألاّ تمسّ هذه القيود بجوهر الحقوق والحرّيات المضمونة بهذا الدستور وأن تكون مبرّرة بأهدافها، متناسبة مع دواعيها”. 

وحسب اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، فإن المقصود بمبدأ التناسب أن تقوم الدولة بوضع تدابير “تكون مناسبة لتحقيق وظيفتها الحمائية، ويجب أن تكون أقل الوسائل تدخلاً مقارنة بغيرها من الوسائل التي يمكن أن تحقق النتيجة المنشودة، ويجب أن تكون متناسبة مـع المـصلحة التي ستحميها”. 

ووضع المرسوم العقاب نفسه لطائفة واسعة من الجرائم دون الأخذ بعين الاعتبار المضار التي يمكن أن تترتب عنها، بما أنه وقع تقرير نفس العقاب لجرائم نشر الأخبار الزائفة والتحريض على الاعتداء والثلب والشتم. 

علاوة على ذلك، تعد العقوبة السجنية في جرائم الثلب والشتم عقوبة غير متناسبة حسب المعايير الدولية، حيث جاء في التعليق العام رقم 34 لسنة 2011 أنه لا يمكن القبول “بتطبيق القانون الجنائي إلا في أشد الحالات خطورة، وألا تكون عقوبة السجن على الإطلاق هي العقوبة المناسبة”. 

كما نص الفصل 24 على عقوبة مضاعفة كلما كانت الضحية موظفا عموميا أو مسؤولا حكوميا، الأمر الذي يعزز خطورة هذا المرسوم الذي يتعارض بصورة واضحة مع مبدأ المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات أمام القانون، حيث إن مضاعفة العقاب يعكس حصانة غير مشروعة للموظفين العموميين والمسؤولين السياسيين، والحال أنه ينبغي أن يبدي هؤلاء أكبر قدر من التسامح تجاه الانتقادات التي يوجهها الأفراد.  

وفي الاتجاه نفسه، أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان على ضرورة “ألا تنص القوانين على فرض عقوبات أشد صرامة على أساس هوية الشخص المطعون فيه ليس إلا”. 

ومكن الفصل 9 من المرسوم الأجهزة الأمنية من طلب تمكينهم من البيانات المعلوماتية المخزنة بنظام أو حامل معلوماتي أو المتعلّقة بحركة اتصالات أو بمستعمليها أو غيرها من البيانات التي من شأنها أن تساعد على كشف الحقيقة. وبحجز كامل نظام معلومات أو جزء منه أو حامل معلوماتي، بما في ذلك البيانات المخزنة به والتي من شأنها أن تساعد على كشف الحقيقة. 

ويشكل هذا الفصل تهديدا جديا لحق الصحفيين/ات في سرية المصادر المنصوص عليه صلب الفصل 11 من المرسوم عدد 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، والذي اشترط، للحصول على المعلومات التي بحوزة الصحفيين/ات، وجود إذن قضائيوبشرط أن تكون تلكالمعلومات متعلقة بجرائم تشكل خطرا جسيما على السلامة الجسدية للغير وأن يكون الحصول عليها ضروريا لتفادي ارتكاب هذه الجرائم وأن تكون من فئة المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها بأي طريقة أخرى. 

لكن أصبح بمقتضى الفصل 9 من المرسوم الجديد بإمكان أعوان الشرطة تعقب المعطيات التي تكون بحوزة الصحفيين/ات دون أي ضمانات قانونية. 

كما ينص الفصل 24 من المرسوم على أنه “يعاقب بالسجن مدة 5 أعوام وبغرامة قدرها 50 ألف دينار كل من يتعمّد استعمال الشبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان”. 

وأبدت المنظمات الموقعة على البيان قلقها البالغ بشأن التعريفات الغامضة لعبارات مثل ”أخبار” أو “بيانات” أو “إشاعات كاذبة”. ومن المؤكد أن مثل هذه المصطلحات الغامضة ستؤدي إلى انتهاكات من قبل السلطات، وإلى تكميم أفواه الصحفيين والسياسيين المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين ينتقدون المسؤولين الحكوميين. 

وأكد المقررون الخواص الأربعة المعنيون بحرية التعبير والرأي في إعلانهم المشترك لعام 2017 بشأن حرية التعبير و”الأخبار المزيفة” والمعلومات المضللة والدعاية، أن الحظر المفروض على نشر المعلومات القائمة على مفاهيم غامضة مثل “المعلوماتالكاذبة” لا يتوافق مع المعايير الدولية المتعلقة بحماية حرية التعبير. 

كما أكد البيان أن هناك وسائل أخرى أقل تقييدا لمكافحة “الأخبار المزيفة”، مثل تعزيز آليات مستقلة للتحقق من الأخبار، ودعم الدولة لوسائل الإعلام المستقلة والمتنوعة، والتعليم وتعميم التربية على وسائل الإعلام، والتي تعرف دوليا بكونها الوسائل الأقل تدخلا لمواجهة التضليل الإعلامي. 

وعلى ضوء ما سبق، أعلنت الجمعيات والمنظمات الحقوقية الموقعة عزمها إبلاغ المقرر الخاص المعني بحرية التعبير والرأي بخطورةالمرسوم عدد 54 والوضع غير المسبوق لحرية التعبير والصحافة منذ إعلان الحالة الاستثنائية في 25 يوليو 2021. 

وضمت قائمة الجمعيات والمنظمات الموقعة: 

النقابة الوطنية للصحفيين التونسسين 

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان 

مراسلون بلا حدود 

الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات 

المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 

البوصلة 

الاتحاد التونسي للإعلام الجمعياتي 

جمعية أصوات نساء 

الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية 

الجمعية التونسية من أجل الحقوق والحريات 

جمعية بيتي 

جمعية تفعيل الحق في الاختلاف 

جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات 

جمعية نشاز 

دمج الجمعية التونسية للعدالة والمساواة 

الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية 

لجنة اليقظة من أجل الديمقراطية في تونس ببلجيكا 

اللجنة من اجل احترام الحريات وحقوق الانسان في تونس 

مدونون بلا قيود 

مركز تطوير الإعلام 

منظمة افاق العامل التونسي 

التحالف التونسي للكرامة ورد الاعتبار 

الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام 

ائتلاف الكهف 

اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل 

فيدرلية التونسيين من أجل مواطنة الضفتين 

منظمة المادة 19 

الاتحاد الدولي للصحفيين 

أكساس ناو 

محامون بلا حدود 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *