يحيى حسين عبد الهادي يكتب في ذكرى رحيل أحمد فؤاد نجم: سيبقى نجم ما بَقِىَ على هذه الأرض ظُلْم
(قِدِرت أقول كلمتى بالصوت العالى، ورِزقى على اللى رازق الدودة فى بطن الحَجَر .. لأن الشِعر رَبَّانى وعلّمنى: لا أبلع لسانى، ولا أَجِّز على سنانى، ولا أدهن الكلام ألوان، ولا أقول للقرد يا قمر الزمان)- أحمد فؤاد نجم.
فى مثل هذا اليوم قبل تسع سنواتٍ، رحل عم أحمد بعد أن عاش ٨٤ عاماً لم يمسك فيها طبلة ولَم يبلع لسانه ولَم يقُل للقرد يا قمر الزمان .. كان صادقاً فى هجائه وصادقاً فى مديحه لأنه لم يكن له مأرب إلا أن يُعبِّر عما يُحس به، أو كما قال لى: (وإيه يعنى شوية ضرب وشوية بهدلة وشوية حبس بس كنت بأقول اللى عايز أقوله وأرتاح).
كان صوتَ مصر وسوطَها.. صوت مصر الواثق القوى الحر المُعَبِّر عن الغلابة والمُتَّيمين بعشقها .. وسوطها الذى تُلهبُ به ظهور الظالمين وأقفيتهم.. وكانت حياتُه تراجيديا كاملةً وسبيكةً فريدةً من الوطنية والمقاومة والموهبة والصعلكة والسجن .. أمَّا قصائده فكانت ولا زالت وقوداً للثورة على الظلم والخنوع والضعَة وباعثةً للأمل فى كل البلدان العربية .. كانت ولا زالت عابرةً للزمان والمكان تأتينا ساخنةً وطازجةً كأنها مكتوبةُ للتوّ .. مع أن أبا النجوم كتبها منذ عشرات السنين (مساء ٢٦ يناير ٢٠١٩ كنتُ مدعواً فى احتفالٍ بذكرى ثورة ٢٥ يناير بمقر حزب الكرامة فى الدقى، وما أن بدأت إحدى الفرق الفنية تنشد بعض أغانى نجم وإمام، حتى تفاعل الشباب تلقائياً مع الأغانى ورددوها بحماس، فتم القبض على عددٍ منهم أثناء المغادرة مُتَّهَمين بترديد هتافات ضد الحكم الحالى .. مع أنها قيلت فى السبعينيات ضد حُكمٍ آخر .. هل هناك تشابه؟!).).
أحمد فؤاد نجم هو عاشق مصر المتيّم الذى دفع ضرائبَ عِشقه كاملةً.. سَجناً وفقراً وإفقاراً وحصاراً.. فما اهتز حُبُّه ولا ثقتُه فى محبوبته التى كانت عند حُسن ظنه بها.. وبادلته حُبّاً بحب.
هذا رجلٌ يمكن تلخيص حياته فى كلمتين: عاش حُرَّاً .. عاش حراً حتى وهو فى سجنه.. وبقى وسيبقى بإذن الله وإلى ما شاء الله بعد سَجَّانِيه وظالِمِيه وظالِمِينا .. سيبقى شِعر نجم ما بَقِىَ على هذه الأرض ظُلْمٌ (أى إلى يوم الدين).
كان أحمد فؤاد نجم يُحسن الظنّ بربّه ويقول ما معناه (مالكومش دعوة باللى بينى وبين ربّى.. هو عارف إنى باحبّه.. وأنا عشمان إنه يدخلنى الجنة).. ونحن لن نتطفل على ما بينك وبين ربك يا عم أحمد.. ولكننا ندعوه سبحانه الرحمن الرحيم أن يكون عند ظنّك به ويحشرك مع المساكين الذين عشتَ معهم وأحببتَهم وعَبَّرتَ عنهم، ويُدخلك فسيح جنّاته رغم أنف المتنطعين والأجلاف غِلاظ القلوب .. جزاء ما دفعتَه من حريتك من أجل حُرّيتنا .. إنه سميعٌ مجيب الدعاء.