يحيى حسين عبد الهادي يكتب: الدماء لم تَجِّفْ وَإِنْ تَوَّهَمَ القَتَلَةُ ذلك
فى ذكرى ثورة ٢٥ يناير، يجب ألا ننسى أنَّ بيننا مكلومين ملتاعين فقدوا أحبابهم وقرة أعينهم من الأبناء والآباء والأزواج .. يتألمون أَلَماً فوق الألم .. ففوق أَلَم فقد الأحبة، ألَمُ إهانة تضحياتهم والاستخفاف بدمائهم.. قبل اثنتى عشرة سنة أُزهِقت أرواح ثمانمائة وخمسين مصرياً سلمياً خرجوا ينادون بالعدل والنزاهة والكرامة وألا تُوَّرَثَ مصر لابن الحاكم .. وأًصيب فى هذه المجزرة التى امتدت باتساع الوطن ستة آلاف وخمسمائةٌ آخرون بعاهاتٍ تراوحت بين العمى والبتر والشلل الرباعى .. وخلُصَ تقرير لجنة تقصى الحقائق وقتها إلى أن القتل نفذته عناصر أَمنِيَّة، وأن أوامر القتل صدرت من جهاتٍ أعلى، حيث لا توجد جهاتٌ أعلى سوى رئيس الجمهورية ووزير داخليته .. هذه الدماء الغالية ظلت تتعرض للاستخفاف والإهانة، بل والاتهام باللصوصية والخيانة والعمالة والمؤامرة والنكسجية .. إلى آخر تلك القائمة من الوساخات التي ظلت تطفح من إعلام دولة مبارك التى بدأت فى التعافى شيئاً فشيئاً منذ تسع سنواتٍ إلى أن تماهت تماماً مع السلطة الحالية بالشخوص بعد السياسات .. سنواتٌ من الرقص الرسمي على أشلاء الضحايا .. وبلغت نشوة الراقصين ذروتها مع تبرئة مبارك وقول القاضى (عودوا إلى أماكنكم) .. مع أن المرادف المنطقي لحكم البراءة هو أن القاتل لا يزال حُرَّاً طليقاً يُخرِجُ لمصر وللتاريخ لسانَه .. إذ لا يُعقل أن يكون الشهداء قد قتلوا أنفسهم .. كما أننا لسنا من الممسوحة عقولهم لنردد ونُصَدق ما قاله محامى مبارك وإعلامه من أن الإخوان هم الذين قتلوا الثائرين فى ميادين التحرير .. للإخوان (كما الجميع) أخطاؤهم .. لكن من المؤكد أنه ليس من بينها قتل الثائرين .. ليس فقط لأن ما قاله هذا المحامى لم يقم عليه دليل ولا يجوز أن يقوم دليلاً .. ولا لأن السلطة الحالية لم تُحرك هذا الاتهام مطلقاً ضد جماعة الإخوان، ولو ساورها شكٌ ما ترددت كما فعلت فى اتهاماتٍ أخرى أقل شأناً .. ولكن لأن الإخوان بالفعل كانوا يتعرضون للقتل معنا فى ميادين التحرير.
أكثر من ثمانمائة روحٍ مصريةٍ أُزهِقت .. خاض فى شرفها وتراقص على دمائها إعلامُ مَنْ عادوا إلى أماكنهم .. أفلتَ القتلةُ بعد أن سَتَّفوا أوراقهم .. الأوراق قد تُجدى مع قاضى الأرض ولكن قاضى السماء لا يحكم بالأوراق .. (قل مثل ذلك عن مجزرتي رابعة والنهضة وكل المذابح المُبارَكة إعلامياً .. ولذلك أوانٌ آخر).
كلُ عملٍ سيظل أبترَ .. وكل جهدٍ سيظل منزوعَ البركة .. ما لم تُطوَ صفحةُ الدماء .. الدماءُ لا تجف وإن تَوَّهَمَ القَتَلَةُ ذلك .. ستظل لعنة هذه الدماء تطارد وطناً بأكمله .. مُخطئيه وأبرياءَه .. من أَثِموا بالفعل ومن أَثِموا بالصمت .. ما لم تُنصَب رايةُ عدلٍ حقيقية تُطببُ جراح كل المكلومين .. لا فريقاً دون فريق.
مهندس/يحيي حسين عبد الهادي
٢٥ يناير ٢٠٢٣