يحيى الجعفري يكتب: أما وقد طفح الكيل.. إلى كل أدعياء الإعلام
خرج علينا أحد أبواق الإعلام بطلته البهية على شاشة قناة النهار محدثنا عن طبيعة ديموجرافية ثقافة الشعب المصري بصعيد مصر ولماذا يكثر من الإنجاب؟ قائلاً أن أهل الصعيد يستخدم أبناؤه كمصدر للدخل -فيشحن- على حد تعبيره – الخالي من كل أدب- الفتيات إلى القاهرة للعمل بالبيوت كخادمات و الفتيان للعمل بالورش، دون أن يذكر مصدر لكلامه أو يصدر إحصاء رسمي لعمالة الأطفال ومصدر هذه العمالة الوافدة ودون أي شيئ، لم يتذكر في الأمر إلا أن هذا الحديث هو محاولة لضبط الإيقاع على نفس النغمة التي عزفت عليه السلطة منذ خرجت تصريحات سياسية عن تنظيم الأسرة، فحاول هو وضع “التاتش” الخاص به مدعياً أنهم سبب الوباء و البلاء، أما و إن هذا المقال للرد على المدعو الذي آثرنا أن ننكر أسمه فهو والعدم سواء وكذلك ليكون المقال شاملاً كل من يسير على دربه بسبب عدم الخبرة أو بسبب حاجة في نفسه الدنسة التي تأبي أن تدرك مجريات ما في مصر – لأنهم من شرم – !
هل يعلم هؤلاء أنه وفقاً للإحصاءات الرسمية فإن صعيد مصر يتصدر قائمة المحافظات الأكثر فقرا في الجمهورية، حيث سجلت محافظة أسيوط نسبة فقر بين مواطنيها بلغت 66.7% ، تلتها محافظة سوهاج بنسبة 59.6%، ثم الأقصر 55.3%، والمنيا 54%، ثم قنا 41%. وبالرغم من كل ذلك فإن جنوب الصعيد لا وجود لظاهرة تصدير الخادمات المزعومة لأنه لو حدث ذلك لما رأينا تصاعد ظاهرة زواج القاصرات !
أما عن شباب الصعيد الذين يقال أنهم يولدون ويقذف بهم في الورش والمصانع، سأتفق معك كشف المسح القومي لعمل الأطفال في مصر، الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء والبرنامج الدولي للقضاء على عمل الأطفال، عن وجود 1.6 مليون طفل أعمارهم بين الـ 12 و17 سنة، يعملون، ويمثلون 9.3% من الأطفال “طفل من 10” مدفوع إلى العمل. ويرتفع معدل عمل الأطفال، كثيرًا في المناطق الريفية عنه في “الحضر” ويبلغ ذروته في ريف صعيد مصر، ثم ريف الوجه البحري، ثم المحافظات الريفية الواقعة على الحدود.
أما الحرف التي يمارسوها، فيأتي العمل بالزراعة، على رأسها رغم خطورته، بنسبة 63%، ثم العمل في المواقع الصناعية كالتعدين والتشييد والصناعات التحويلية بنسبة 18.9%. ولكن هل سألتم أنفسكم عن اهتمام الدولة بحماية الطفل وتوفير التعليم الحقيقي والتغذية المدرسية له مجانًا أم أنكم وقفتم مبتسمين لسلطة الجباية المفروضة على كل شيئ في مصر و نظام الضرائب الذي لا ينتهك إلا البسطاء، حيث بسطت أيديكم مهللين لرفع الدعم إلا عن صندوق دعم رجال الأعمال. و أخيراً سنتركنا من هذا كله من الفتيان الذين يعملون كدحاً لإعالة ذويهم، بعد أن نحني لهم القبعة إجلالاً و إكباراً و احتراماً.
هل سألت نفسك عن سبب تحول الصعيد من تعليم أولاده إلى تحويلهم لعمالة زراعية في الأرض بدلاً من استئجار عمالة؟ الاجابة تستطيع العودة إلى تلك الأعوام التي ألغت فيها – الحكومة- وليس الفلاحين الدورة الزراعية فتراجعت انتاجية الأرض وأصبح من الصعب على العامل إيجار عمالة زراعية.
الأسئلة التي يجب أن تسألها لنفسك أيها المدعي كثيرة؟ ولكنك لن تسألها ؟ لأن عملك ليس الصحافة؟ فالصحافة مهنة الكشف عن الحقيقة، ومهنتك أنت هو ضبط إيقاع الطبلة على قانون السلطة!! وهذه مهنة تسمى طبال السلطة.