هشام رمضان يكتب عن: تهمة الاعتداء على القيم الأسرية.. قراءة قانونية
رأي قانوني عن إشكالية الاتهامات بالتعدي على القيم الأسرية من واقع إحدى القضايا التي وجهت فيها النيابة العامة للمتهمين تلك التهم..
- في غضون عام 2018 صدر القانون 175 لينظم مكافحة جرائم تقنية المعلومات وهي الجرائم التي ترتكب بواسطة الحاسبات أو الأجهزة الاخرى الالكترونية و ذلك عبر الشبكات المعلوماتية سواء أكانت خاصة أو عامة أو دولية ، وقد عدد القانون المصالح التي يحميها وجرائم وعقوبات التعدي عليها وجاء نص المادة 25 ليعاقب كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، وتتراوح مدة العقوبة على تلك الجرائم من ستة أشهر الي ثلاث سنوات والغرامة من مابين خمسين إلى ثلاثمائة ألف جنيها مصري.
وهو النص الذي تستندت إليه النيابة العامة مؤخرا في توجيه إتهامتها لبعض مستخدي مواقع و تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل (تيك توك وإنستجرام ولايكي، وغيرها من التطبيقات التي يستخدمها الملايين) حيث ارتأى لها أنهم يقدمون محتوى به خدش للحياء العام أو تحريض على الفسق والفجور، وهنا تكمن إشكالية النص المذكور حيث حدد المصلحة المحمية في القيم الأسرية ولكن النص على هذا النحو مبهم و ينتابه الكثير من الغموض مما يشوبه بعدم الدستورية، وهو ما سنستعرضه من خلال الرأي القانوني لإحدى الدعاوى الجنائية التي أحيلت الي المحكمة لمعاقبة مرتكبيها طبقا للعقوبة المقررة لنص المادة 25 من القانون 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
- حيث تعود وقائع الدعوى إلى البلاغ المقدم من أحد المحامين إلى النائب العام أدعى من خلاله مشاهدة فيديو على صفحته على الفيس بوك، يحتوي على فتاة تحرض الفتيات على فتح الكاميرات من منزلهم لاستقطاب رواد هذا الموقع المسمى لايكي مقابل الحصول على مبالغ مالية، وعليه قام النائب العام من خلال إدارة البيان والتوجيه بعرض البلاغ على النيابة المختصة للتحقيق في الواقعة، وعليه طلبت النيابة العامة ضبطها واحضارها والتحريات حول الواقعة.
وحيث أن حقيقة الواقعة وكما هو ثابت بالأوراق أن المتهمة قامت بعمل إعلان لتطبيق لايكي مضمونه أن شركة لايكي تطلب مذيعات، (وتطبيق لايكي هو تابع لشركة بيجو ليمتد والتي تم تأسيس فرع لها في مصر منذ عام 2017 والصادر لها سجل تجاري عام 2019 وتمارس نشاطها بشكل طبيعي ولم يصدر من جهات التحقيق أمر بحجب أو غلق أي من التطبيقات التابعة للشركة وهو مايؤكد عدم ارتكاب الشركة لثمة مخالفات أو جرائم) وقد قامت المتهمة بنشر ذلك الاعلان عبر حسابها على موقع انستجرام، إلا أن الفيديو موضوع الاعلان ومحل الاتهام تم نشره على موقعي يوتيوب وفيسبوك عبر حسابات غير مملوكه للمتهمة وذلك عقب الاقتصاص منه وعنونته (استغلال الجسد مقابل المال) لاظهار الفيديو على غير حقيقته والايحاء لمشاهدين ذلك الفيديو أنه يحتوي على ما هو مخل.
إلا انني لن أسهب في مدى مشروعية أدلة الثبوت وكفايتها من عدمه في حق المتهمة حيث أن ما يعنيني في هذ العرض هو موضوع الاتهام في هذه الدعوى والمواد المؤثمة في تلك الدعوى وتحديدا المادة 25 من القانون 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات .
الرأي القانوني في نص المادة المعاقب عليها
- وبإستعراض الفقرة الاولى من المادة أنفة البيان نجدها تعاقب “كل من أعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري” ورغم النص على حق الدولة في ترسيخ القيم الأسرية بموجب المادة العاشرة من الدستور، إلا أننا أمام نص عقابي ونظرا لما تفرضه القونين الجزائية من قيود خطيرة على الحرية الشخصية فإن النص على هذا النحو ينتابه الغموض وعدم الدقة و الاتساع في المعنى ويمكن أن يفسر من وجهات نظر عدة، سيما في ظل غياب اللائحة التنفيذية للقانون والتي كانت قد تفسر لنا المقصود بالقيم الأسرية.
وقد ذهبت المحكمة الدستورية العليا الي ” يتعين على المشرع، دومًا، إجراء موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى. وكان من المقرر، أيضًا، وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيّدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بيّنة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها”
لذلك فأن النص على هذا النحو مشوب بعدم الدستورية، بالاضافة لكونه يضع قيود على حرية الرأي والتعبير وكذا حرية الابداع الفني والادبي والثقافي وهي حقوق كفلها الدستور في المواد 65 و 67 منه، ولم يقيدها المشرع الدستوري إلا أمام الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد كما تقف تلك الحرية، المبادئ، والمقومات الأساسية للمجتمع، بما لا يمس قيمه الاجتماعية إلا أنا النص على النحو السابق يظل غامض وغير محدد ولا يصلح كنص عقابي، كما أن النص يخالف المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية ،
الرأي القانوني في موضوع الاتهام في الدعوى المعروضة
وفيما يخص موضوع الاتهامفبمطالعة محتوى الفيديو نجد خلوه من ثمة ألفاظ خارجة أو خادشة للحياء أو تضمنه أي دعوة لعقد لقاءات مخلة بالآداب ولا يضحد في ذلك القول بأنها استخدمت عبارات شرعية وانما كانت تقصد منها الفعل المؤثم، فلا يجوز معاقبة انسان على نواياه.
وهو ما أكدته المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر في الدعوى رقم 114 لسنة 21ق حيث قضت “ وحيث أن الدستور – بنص المادة (66) سالفة الذكر – قد دل على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره يتمثل أساساً فى فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابى، مفصحاً بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائى ابتداء فى زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه إيجابياً كان هذا الفعل أم سلبياً، ذلك أن العلائق التى ينظمها هذا القانون فى مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، فى علاماتها الخارجية ، ومظاهرها الواقعية ، وخصائصها المادية ، إذ هى مناط التأثيم وعلته، وهى التى يتصور إثباتها ونفيها، وهى التى يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهى التى تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها.
ولا يتصور بالتالى وفقاً لأحكام الدستور أن توجد جريمة فى غيبة ركنها المادى، ولا إقامة الدليل على توافر السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التى أحدثها بعيداً عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه. ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية -وليس النوايا التى يضمرها الإنسان فى أعماق ذاته – تعتبر واقعة فى منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكاً خارجياً مؤاخذاً عليه قانوناً. فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجياً فى صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة .”