هذا ما يقوله التاريخ| هل هذه هي المرة الأولى التي تُلغى فيها صلاة العيد؟
كتب – أحمد سلامة
انتهى شهر رمضان، وانتهت معه أيام الصيام المباركات، ليقبل الجميع على عيد الفطر المبارك الذي يغيب عنه ركن أساسي ألا وهو صلاة العيد.
اعتاد المصريون حضور صلاة العيد التي تمثل للكثيرين بداية بهجة أيام العيد الثلاثة، لكن البهجة هذا العيد تغيب في ظل إجراءات مشددة اتخذتها الدولة لمواجهة تفشي فيروس “كورونا”.
وزارة الأوقاف أصدرت عددا من التعليمات الخاصة بصلاة عيد الفطر المبارك، وأكد الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، أنه بالنسبة لصلاة العيد بمسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها، سيتم الاقتصار على 20 مصليا فقط من العاملين بالأوقاف بکشف محدد ومقدم من رئيس القطاع الديني.
رئيس القطاع الديني شدد على ضرورة عدم فتح المسجد أمام الجمهور على الإطلاق، والاقتصار على تشغيل مكبرات الصوت الداخلية فقط دون مكبرات الصوت الخارجية منعًا لأي تجمع خارج المسجد، وارتداء جميع المصلين للكمامة، ومراعاة ترك مسافة لا تقل عن متر ونصف المتر بين كل مصل وآخر من جميع الاتجاهات.
وفيما يتعلق بتشغيل تكبيرات العيد بمكبرات الصوت بالمساجد، أكد رئيس القطاع الديني بالوزارة أنه سيتم السماح بنقل تكبيرات عيد الفطر المبارك من الإذاعة عبر مكبرات الصوت الخارجية بالمساجد، مع استمرار غلق المسجد وعدم تركه مفتوحا أثناء إذاعة تكبيرات العيد.
وأوضح طايع أن المساجد التي كانت تقام بها صلاة الجمعة هي التي ستقوم بتشغيل تكبيرات العيد بعدد من الضوابط وهي: “أن يكون المسجد من المساجد التي كانت تؤدى فيها صلاة الجمعة، الالتزام بما تبثه إذاعة القرآن الكريم من تكبيرات العيد، تواجد إمام المسجد والعمال فقط بالمسجد، وعدم وجود أي شخص آخر داخل المسجد أثناء تكبيرات العيد، غلق المسجد غلقا تاما أثناء تكبيرات العيد، متابعة مديري المديريات ومديري الإدارات الفرعية ومفتشي المناطق لما يتم بثه عبر المساجد، وتدوین مخالفات تحدث، وإرسال التقرير لغرفة العمليات المشكلة برئاسة وكيل أول الوزارة رئيس القطاع الديني”.
وأكد رئيس القطاع الديني أنه سيتم تطبيق العقوبات التي أقرها رئيس مجلس الوزراء بشأن التجمعات حال حدوث أي تجمع أمام أو داخل المسجد، وكذلك قرارات الأوقاف بشأن عقوبات المخالفين.
واختتم طايع بالتأكيد على عدم جواز صلاة العيد خلف المذياع أو التلفاز، جواز صلاة العيد في المنازل منفردا أو الرجل مع أهل بيته دون أي تجمع لسكان العقار حفاظا على صحة الجميع، فالهدف الرئيسي هو منع التجمع دفعا لانتشار عدوى فيروس كورونا، وصلاة العيد ركعتان كأي صلاة أخرى، غير أن المصلي يكبر سبع تكبيرات في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام، وخمس تكبيرات في الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام .
لكن هل حدث في مصر سابقا أن ألغيت صلاة العيد؟
لم يشهد التاريخ الحديث ولا القديم في مصر تأريخًا لإلغاء صلاة العيد، إلا أن القرائن أشارت إلى احتمالية حدوث ذلك في بعض الأوقات التي شهدت فيها مصر حوادث مشابهة لما تمر به الآن.
لكن قد لا يكون “فيروس كورونا” هو الأزمة الأولى من نوعها التي تمر على المصريين خلال عيد الفطر المبارك فقد مر على مصر العديد من الكوارث والأزمات الاقتصادية والأوبئة في مثل هذا التوقيت، بل إن الأمر استمر لسنوات متتالية توالت خلالها أهلة العيد المبارك، مما يُرجح معه أن تكون صلاة العيد قد ألغيت وإن لم يكن هناك تأكيدًا تأريخيًا بذلك.
في سنة 290 هجرية (904 / 905 م)، في عهد الأمير أبو المناقب شيبان بن أحمد بن طولون، بدأت أزمة اقتصادية امتدت لسنوات، مر خلالها شهر رمضان لأعوام عديدة تلاه أعياد فطر، كان سببها الرئيس ظاهرة غريبة للغاية، إذ كثرت الشُهب في السماء، ما أدى إلى خوف الناس واضطرابهم فأغلقت المحال وتوقفت حركة التجارة، وما زاد الأمر سوءًا جفاف النيل فخرج الجميع للاستسقاء لكن جديدًا لم يحدث، وانتهى موسم الفيضان دون أي زيادة في المياه ما أدى إلى أزمة اقتصادية توالت سنوات وأدت إلى سقوط الدولة الطولونية.
وذكر موفق الدين عبد اللطيف البغدادي الشهير بابن اللباد، في كتابه “كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور والمشاهدات والحوادث المعاينة بأرض مصر”، أن “الناس اضطربت اضطرابا عظيما في هذه المحنة، و زالت بها دولة الطولوني من مصر”.
ويرجح علماء التاريخ، أن إحدى هذه السنوات شهدت إلغاء صلاة العيد بسبب الظروف التي مرت بها البلاد.
ويقول يحيى بن سعيد الأنطاكي إنه في خلافة العزيز بالله الفاطمي، وقع سنة 372 هـ وباءٌ شديد بمصر، أفنى خلقًا كثيرًا لا يُحصى عددهم، واستمر هذا الوباء متفشيًا حتى العام التالي، بينما يقول ابن الأثير في كتابه “الكامل” إنه في خلافة الحاكم بأمر الله، أعقب الغلاء وباء في سنة 398هـ، وقد أفنى هذا الوباء كثيرًا من أهل مصر، واستمر تفشِّيه حتى آخر سنة 399هـ، فتزايدت الأمراض، وعزَّت الأدوية، وكثر الموت.
وفي خلافة الظاهر لإعزاز دين الله الفاطمي، فشت الأمراض، وكثر الموت في الناس في سنة 415هـ، وانشغل الناس بما هم فيه من وباء عن الاحتفال بليلة الميلاد، وتواتر الوباء والموت، حتى لم يكن يخلو منزل واحد من عددٍ من المرضى، وأوجاع الدم والخلوق، وامتد الوباء إلى الواحات سنة 417هـ، فحل بأهلها جدري عظيم، مات به خلق كثير من أهلها، ثم ثار بأهل مصر رعاف عظيم في العام نفسه، واختُتمت خلافة الظاهر بوباء آخر حل بمصر سنة 426هـ، لم يعش الظاهرُ بعده طويلاً؛ إذ توفي في نصف شعبان سنة 427هـ.
وفي خلافة المستنصر، وبالتحديد في سنة 446هـ وقع وباء عنيف واشتد عنفه في سنة 447، حتى قيل أن المال صار أكثر لأن كثير من الناس كانوا يتوفون دون وريث، واستمر الوباء في سنة 448هـ على نحوٍ لم يُعهد من قبل، وزاد في عنفه.. وفي سنة 450هـ بدأت موجة أخرى من الوباء، فاشتدَّ بمصر حتى كان يموت في كل يوم ما يحصيه ديوان المواريث نحو عشرة آلاف، بخلاف من لم يتم إحصاؤهم، وتفاقم الوباء في العام التالي سنة 451، حتى أفنى ثلثي أهل مصر – على حد تقدير ابن إياس في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور- وبارت الأراضي؛ لعدم من يزرعها من الرجال، وخرج الجند يحرثون ويزرعون؛ لعدم الفلاحين، وقيل “إن الرجل كان يمشي من جامع ابن طولون إلى باب زويلة، فلا يقابله إنسان واحد يمشي في الأسواق”.
ويقول المقريزي في “إغاثة الأمة”، إنه في سنة 455 تفشَّى طاعونٌ عظيم بمصر وقُراها، فكان يموت في كل يوم ألفُ إنسان على مدى عشرة أشهر، وامتدت هذه الموجة حتى عام 457هـ، التي أعقب غلاءها وباءٌ شديد، حتى تعطلت الأرض الزراعية؛ لكثرة من مات فيه.
وشهدت ستينيات القرن الخامس الهجري موجة أخرى من الوباء؛ ففي سنة 461 كثر الوباء بمصر، وابتُلي الناس بمرض أصاب حلوقهم، فكانوا يموتون به، واشتد الوباء في العام التالي بالقاهرة والفسطاط، حتى إنه كان يموت الواحد من أهل البيت، فلا يمضي اليوم أو الليلة إلا ويموت جميعُ من فيه، وحدَثَ وباء مماثل في سنة 465هـ، فيه كان أهل البيت الواحد يموتون أيضًا في ليلة واحدة، كما ذكر السيوطي.
وخلال شهري شعبان ورمضان فقط، بين عامي 1347 و 1349 ميلادية، انتشر الطاعون في مصر عبر السفن القادمة من أوروبا ومات بسببه نحو 900 ألف من المصريين وسادت وقتها حالة من الهلع وساءت الأوضاع الاقتصادية بسبب المرض المتفشي، بحسب المؤرخ المصري ابن إياس.
يقول المؤرخ المصري الشهير “ابن إياس” إنه كان يخرج من القاهرة كل يوم ما يزيد على 20 ألف جنازة.