من “دولة منبوذة” إلى “ِشريك استراتيجي”.. ما وراء تغيير موقف بايدن من السعودية قبل زيارته المرتقبة للمملكة؟
ما يزال الجدل متواصلا بشأن الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة العربية السعودية، خلال جولة له في منطقة الشرق الأوسط، وسط انتقادات داخلية على خلفية أزمة مقتل الصحفي السعودي الأمريكي جمال خاشقجي، في الوقت الذي تحدثت وسائل إعلام عن تفاصيل الزيارة التي من المقرر أن تشمل تفاهمات بشأن أزمة الغاز التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية، فضلا عن الضغط على موسكو وإيران، بالإضافة إلى محاولة الوساطة لإقامة علاقات تطبيع بين المملكة والاحتلال الإسرائيلي.
علق جون كيربي المتحدث السابق باسم وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، على تصريح الرئيس جو بايدن بأن السعودية “منبوذة”، قبل تأكيد المتحدثة باسم البيت الأبيض أمس الأربعاء على أن المملكة “شريك”.
وأوضح كيربي في مقابلة على “CNN”: “الرئيس كان يرد طبعا على مقتل جمال خاشقجي، وهي عملية قتل قامت بها هذه الإدارة في الواقع لتطبيق إجراءات المساءلة للمملكة العربية السعودية، لكن السعودية شريك مهم، والرئيس يؤمن بذلك”.
وتابع: “يعتقد الرئيس أيضا أن من المهم بالنسبة له أن يكون مستعدا وقادرا على مقابلة القادة في جميع أنحاء العالم، بصرف النظر عن هويتهم، ومن يمثلون، إذا كان ذلك في الواقع سيؤدي إلى تحسين مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة”.
وأضاف كيربي: “وفي هذه الحالة، يعتقد الرئيس تماما أن هذا هو الحال. الآن، ليس لدينا رحلة إلى المملكة العربية السعودية للإعلان عنها أو الاجتماعات للتحدث عنها على وجه التحديد. لكن السعوديين هم مفتاح في جميع أنحاء المنطقة، وبصراحة تامة، في جميع أنحاء العالم..”
واستطرد: “من حيث مساعدة مصالح أمننا القومي. انظروا، طيارونا طاروا مع طياريهم وضربوا الصواريخ وضربوا أهدافا ضد داعش وبحارتنا وسفننا أبحروا مع سفنهم في البحر الأحمر في مهمات مكافحة الإرهاب”.
وكانت تصريحات مسؤولين أمريكيين لـCNN حول ترتيب لقاء محتمل بين بايدن، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قد أثارت تفاعلا أبرز التحول الكبير لسياسة الإدارة الأمريكية تجاه المملكة التي وصفها بايدن في تصريحات سابقة بأنها “منبوذة”.
وأكد البيت الأبيض، الثلاثاء، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، يعتبر المملكة العربية السعودية “شريكا مهما في مجموعة من الاستراتيجيات الإقليمية والعالمية”.
وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، على سؤال من كايتلان كولينز مراسلة شبكة CNN في البيت الأبيض، حول ما إذا كان بايدن لا يزال يعتقد أن السعودية يجب أن تصبح “منبوذة”، وقالت بيير: “كانت المملكة العربية السعودية شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة منذ 8 عقود، وقد التقى كل رئيس منذ روزفلت بقادة سعوديين”.
وأضافت: “يعتبر الرئيس المملكة شريكًا مهمًا في مجموعة من الاستراتيجيات الإقليمية والعالمية، بما في ذلك الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في اليمن، واحتواء إيران ومكافحة الإرهاب”.
وأشارت إلى أن العاهل السعودي الملك سلمان وولي العهد يستحقان الثناء على دورهما في تمديد الهدنة في اليمن، الذي تم الإعلان عنه في وقت سابق من نفس اليوم، وأضافت أن “الهدنة لم تكن ممكنة دون انتهاج الدبلوماسية التعاونية من (أطراف) بالمنطقة. نقر بشكل خاص بقيادة الملك سلمان وولي عهد المملكة العربية السعودية في المساعدة على تعزيز الهدنة”.
وتابعت أن “الطيارين السعوديين حلقوا مع طيارينا في الحرب ضد تنظيم (داعش)، ودورياتها البحرية مع قواتنا في البحر الأحمر والخليج، والعسكريون الأمريكيون متمركزون في السعودية”.
وذكرت: “الرئيس سيلتقي مع أي زعيم إذا كان ذلك يخدم مصالح الشعب الأمريكي، هذا ما يضعه أولا، ويعتقد أن التعامل مع القادة السعوديين يفي بهذا، كما فعل كل رئيس قبله”.
والاثنين، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير إن بايدن يتطلع إلى تحقيق مصالح الشعب الأمريكي حتى في الوقت الذي قللت فيه من أهمية الدور الذي لعبته أسعار النفط في المصالحة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وذكرت: “الرئيس يركز على تحقيق مصالح الشعب الأمريكي، إذا قرر أنه من مصلحة الولايات المتحدة التعامل مع زعيم أجنبي، وأن هذا يمكن أن يؤدي إلى نتائج فسوف يفعل ذلك.”
ودافعت بيير عن قرار الرئيس الأمريكي بعدم دعوة قادة كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا إلى قمة الأمريكتين التي تستضيفها الولايات المتحدة هذا الأسبوع، وهي الخطوة التي دفعت رئيس المكسيك إلى مقاطعة القمة وقالت المتحدثة: “نحن لا نعتقد أنه ينبغي دعوة الحكام المستبدين”.
ودافعت المتحدثة باسم البيت الأبيض عن قرار الرئيس الأمريكي بإقامة علاقات أوثق مع المملكة العربية السعودية، التي اتهمت الولايات المتحدة، في وقت سابق، زعيمها الفعلي (الأمير محمد بن سلمان) بإصدار الأمر بقتل الصحفي السعودي المنشق جمال خاشقجي.
وقالت: “ليس هناك شك في أن المصالح المهمة متداخلة مع المملكة العربية السعودية، والرئيس ينظر إلى المملكة كشريك مهم في مجموعة من المبادرات التي نعمل عليها، سواء في المنطقة أو في جميع أنحاء العالم”.
وأصرت على أن زيارة بايدن للمنطقة ستؤدي إلى تحقيق نتائج، وقالت: “هذه الرحلة إلى إسرائيل والسعودية، عندما تتم، ستكون في سياق الإنجازات المهمة للشعب الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط”.
وعن القتل المروع لجمال خاشقجي، وأشارت جان بيير إلى أن بايدن أصدر تقريرًا استخباراتيًا حول قتله، وقالت إن الولايات المتحدة “لا تزال قلقة بشكل عام بشأن سجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية”.
وأضافت: “ليس هناك شك في أنه، كما هو الحال مع العديد من البلدان التي نتشارك معها المصالح، لدينا مخاوف بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان”، وتابعت: “هذا شيء مهم للغاية بالنسبة للرئيس”.
وذكرت: “نحن نطرح هذه المخاوف معهم، كما نفعل مع الآخرين، وبالطبع، هناك أيضًا أولويات استراتيجية من المهم معالجتها وقد تم تكثيف اتصالاتنا وجهودنا الدبلوماسية مؤخرا”.
وأكد البيت الأبيض، الاثنين، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتبر السعودية شريكا مهما على الصعيدين الإقليمي والدولي، مشيداً بالدور الحاسم للملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في تمديد الهدنة في اليمن.
كما قال إن الولايات المتحدة ستستمر في دعم السعودية للدفاع عن نفسها، وبين البيت الأبيض أن المملكة تعرضت إلى أكثر من 500 هجوم.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” وشبكة “سي إن إن” عن مصادر لم تكشفها، أن بايدن سيمضي قدماً في زيارة السعودية بعد أن ترددت أنباء في يونيو حول اعتزامه القيام بذلك. وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الأمريكي “قرر التوجه إلى الرياض هذا الشهر لإعادة بناء العلاقات مع المملكة النفطية في وقتٍ يسعى إلى خفض أسعار المحروقات في بلاده وعزل روسيا على الساحة الدولية”.
وإضافة إلى لقائه بن سلمان، ذكرت الصحيفة أن بايدن سيلتقي خلال زيارته قادة دول عربية أخرى، بينها مصر والأردن والعراق والإمارات. وقالت الصحيفة إن التفاصيل اللوجستية والجدول الزمني للزيارة لم يتم تأكيدهما بعد. وتقول مصادر مطلعة إن زيارة بايدن للسعودية ستأتي بالتزامن مع رحلة إلى أوروبا وإسرائيل في أواخر يونيو، إذ يعتزم بايدن هذا الشهر التنقل للمشاركة في قمة حلف شمال الأطلسي في إسبانيا وقمة مجموعة السبع في ألمانيا، ومن المتوقع أيضاً على نطاق واسع أن يسافر إلى إسرائيل. وذكرت مصادر أن بايدن سيحضر قمة دول مجلس التعاون الخليجي التي تعقد في الرياض.
وتحدثت صحيفة “واشنطن بوست” عن زيارة بايدن المزمعة إلى السعودية، نقلاً عن مسؤولين لم تسمّهم، وقالت إنّ اللقاء “وجهاً لوجه” مع ولي العهد السعودي سيأتي بعد مهمات عدة “غير معلنة” في الدولة الخليجية الغنية أجراها مستشار بايدن للشرق الأوسط بريت ماكغورك ومبعوثه لشؤون الطاقة أموس هوشستين اللذان يكرران دعواتهما إلى زيادة إنتاج النفط الخام من أجل خفض التضخم. بدورها ذكرت شبكة “سي إن إن” أن الاستعدادات لهذا اللقاء قطعت شوطاً طويلاً.
وفي الآونة الأخيرة، قال البيت الأبيض يوم الأربعاء إن بايدن لا يزال يشعر بأن بن سلمان “منبوذ”، بسبب “دوره” في قتل الصحفي بجريدة واشنطن بوست جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا عام 2018، وفقاً للاستخبارات الأمريكية. وتنفي الحكومة السعودية أي دور لولي العهد في مقتل خاشقجي.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن المملكة العربية السعودية تجري “محادثات جادة” مع إسرائيل حول إقامة علاقات تجارية وتعزيز التنسيق الأمني.
وقالت الصحيفة في تقرير لها إن الرياض وتل أبيب لا تحافظان على علاقات دبلوماسية رسمية، وإن المملكة “توسع المحادثات السرية مع القادة الإسرائيليين”، ويمكن لهذه الخطوة “إعادة تشكيل سياسات الشرق الأوسط وتنهي عقودا من العداء بين دولتين من أكثر الدول نفوذا في المنطقة”، على حد تعبيرها.
ووفقا للتقرير، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تتوسط بنشاط بين الجانبين بهدف إعلان خطوات ثنائية يمكن أن تسهل التطبيع في مرحلة لاحقة.
وأفاد التقرير بأن الرياض دخلت في “محادثات جادة مع إسرائيل لبناء علاقات تجارية والوصول إلى اتفاقيات أمنية جديدة، انطلاقا من شعور لدى حكام المملكة بوجود تحول وسط الرأي العام السعودي لصالح إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وذلك بالرغم من الموقف الأخير الذي أعلنت فيه السعودية ضرورة دفع القضية الفلسطينية والانتقادات التي وجهتها للإسرائيليين بعد اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة”.
ووفقا للمصدر ذاته، فإن إدارة بايدن ترغب بضم السعودية إلى المغرب والإمارات والبحرين للتوقيع على “اتفاقية أبراهام”، ناقلا عن دبلوماسيين تأكيدهم على أن الأمر أصبح “مسألة وقت فقط”، حيث يلعب ولي عهد السعودية دورا محوريا، إذ تربطه بالفعل علاقات اقتصادية مع الإسرائيليين تتمثل في استثمار عشرات الملايين من الدولارات في شركتين ناشئتين.
وانتقد بايدن الرياض عند توليه السلطة، بسبب قضايا مثل سجلها الحقوقي وقتل الصحفي جمال خاشقجي. ومع ذلك، كان هناك تقارب مؤخرا بين البيت الأبيض والسعوديين كما يتضح من رحلة الرئيس المحتملة إلى هناك الشهر المقبل.