منى محمود زوجة الصحفي بهاء الدين إبراهيم تكتب بعد ١٠٠٠ يوم حبس زوجها: اعيدوا بهاء إلينا.. من يلم شمل أسرتنا
بعيد عنا منذ 1000 يوم.. أعيدوا بهاء إلينا!
“زوجة معتقل سياسي”.. هذا ما أصبحت عليه بعدما اعتقل زوجي منذ 19 شهرا، أمر لم أكن أتخيله في أسوأ كوابيسي
بدأ الأمر يوم 31 ديسمبر 2018 عندما كانت أسرتنا عائدة من أجازة قصيرة في وطننا مصر إلى العاصمة القطرية الدوحة حيث نقيم، إذ كان زوجي بهاء الدين إبراهيم يعمل صحفيا بشبكة الجزيرة الإعلامية.
في مطار القاهرة الدولي، جرى استيقافنا عند الجوازات واقتيادنا إلى مكتب الأمن الوطني، حيث أبلغنا أن هناك مشكلة تتطلب منا الإجابة عن بعض الأسئلة. وفي المكتب قام باستجوابنا اثنان من ضباط الأمن الوطني وجها إلينا أسئلة شخصية وسياسية عن الأسرة وعلاقاتنا وعمل بهاء بشبكة الجزيرة، وحتى المرشح الذي صوتنا له في انتخابات الرئاسة المصرية قبل ست سنوات في 2012!
قام الضابطان كذلك بفحص هواتفنا جميعا بما في ذلك هواتف طفلينا ووجها لنا أسئلة عن محتوياتها وبعض الصور العائلية. أجبنا على جميع أسئلتهما بوضوح تام لأن لم يكن لدينا ما نخفيه.
بهاء صحفي وليس ناشطا سياسيا، وقد عمل سابقا في وسائل إعلام كبرى قبل الالتحاق بشبكة الجزيرة من بينها وكالة الأسوشيتد برس والتلفزيون المصري.
بعد الاستجواب أبلغونا أن بهاء لن يتمكن من السفر معنا وأنه سيتعين عليه الرجوع إلى مقر الأمن الوطني لاستلام جواز سفره، واضطررت أنا للسفر من أجل مدارس ولديّ إذ لم نكن نريد إرباك حياتهما.
تردد بهاء على مقر الأمن الوطني عدة مرات حتى تمكن من استرداد جواز سفره بعد تحقيق آخر هناك، ولكن عندما حاول السفر من جديد في فبراير 2019 جرى توقيفه واستجوابه مجددا في المطار ومُنع من السفر وطُلب منه العودة لمقر الأمن الوطني لاسترداد جواز السفر مجددا.
وبدأ بهاء يدور في حركة مفرغة، حيث كان يقوم بزيارات متكررة لمقر الأمن الوطني جميعها من دون جدوى، إذ لم يتمكن من الالتقاء بأي مسؤول هناك وكان يطلب منه أن يغادر ويعود عندما يتم الاتصال به وهذا لم يحدث مطلقا.
استمر هذا الحال لنحو عام عشت خلاله في رعب من إمكانية اعتقاله في أي وقت. لم أكن أستطيع النوم أو الأكل واضطررت للذهاب إلى طبيب نفسي للمرة الأولى في حياتي وصف لي أدوية تساعدني على النوم.
خلال هذه الفترة العصيبة كان لدي الكثير من المسؤوليات حيث اضطررت لمحاولة تعويض غيابه والقيام بدور الأب والأم للمرة الأولى منذ زواجنا قبل 17 عاما، فبهاء رجل أسرة اعتاد أن يقضي معنا أغلب وقته حتى أنه من الصعب قضاء يوم واحد من دونه.
في أوائل عام 2020 كان بهاء قد فاض به بسبب هذا الوضع فقرر أن يحاول السفر مرة أخرى، وتقدم لاستخراج جواز سفر جديد وحصل عليه بالفعل. وبدا يستعد للسفر واشترى لنا الكثير من الهدايا وخطط للمغادرة عبر مطار برج العرب بالإسكندرية هذه المرة. لكن الأسوأ حدث! اعتقل بهاء في 22 فبراير 2020 وتعرض للإخفاء القسري 75 يوما!
كانت هذه هي أصعب فترة في حياتنا، إذ لم نكن نعرف إذا كان حيا أم ميتا، ولم أكن أستطيع الإجابة عن أسئلة طفليّ عن أبيهما. لا تستطيع الكلمات وصف حجم معاناتنا خلال تلك الأيام.
لكن بارقة أمل لمعت في 6 مايو 2020 عندما أرسل لي أحد الأشخاص صفحة على فيسبوك تضم قائمة أسماء أشخاص ظهروا أمام نيابة أمن الدولة في ذلك اليوم بعد فترات مختلفة من الاختفاء القسري.
وفي وقت لاحق من ذلك اليوم تمكن بهاء من الاتصال بنا وقال إنه نقل إلى مقر احتجاز بعد الاختفاء القسري، وروى لي ما حدث له خلال تلك الفترة، حيث تعرض للتعذيب بالكهرباء وظل مقيد اليدين ومعصوب العينين طوال 75 يوما، وقد أثبت هذا في أقواله أمام النيابة.
لن أنس رد فعل ابنتي عندما سمعت صوته بعد هذه المدة الطويلة من الغياب، إذ ظلت تبكي وتنتحب وتقول له “إنت فين؟ أنا عايزة أشوفك. ليه مجتش زي ما قولت؟”
ظل بهاء في مركز الاحتجاز هذا بمديرية أمن الأسكندرية عدة أسابيع قبل انتقاله إلى سجن طرة حيث لا يزال هناك حتى الآن. ويواجه بهاء تهمة الانضمام لجماعة إرهابية، وهي تهمة تستخدمها السلطات المصرية عادة لتبرير احتجازها للعديد من الصحفيين والحقوقيين.
في 28 سبتمبر يكمل بهاء 45 عاما وفي نفس الأسبوع يكمل 1000 يوم بعيدا عنا، منها 580 يوم في السجن. وخلال الأشهر الأخيرة طالبت العديد من المنظمات الحقوقية ومنظمات المراقبة الإعلامية بإطلاق سراحه، وكان آخرها منظمة “مراسلون بلا حدود” التي دعت السلطات المصرية إلى الإفراج عن بهاء وزميليه في شبكة الجزيرة هشام عبد العزيز (المعتقل منذ عام 2019) وربيع الشيخ الذي اعتقل في أغسطس 2021.
لكنني أكتب هنا باعتباري أما وزوجة أصابها التعب ومازالت تأمل في العدالة لزوجها ولم شمل أسرتها من جديد.