مطالبات بوضع سقف زمني: حتى لا يتحول الإيقاف عن العمل أثناء نظر القضايا لعقوبة إضافية للعمال وأسرهم
خيري: يجب وضع حد زمني أقصى لوقف العامل في حالة اتهامه جنائيًا
البلشي: الأولى تعديل قوانين الحبس الاحتياطي والإرهاب
عبيد: الوقف عن العمل يخالف المبادئ الدستورية
سعد: ضرورة إخطار جهات العمل باحتجاز العمل بشكل آلي لحمايته من الفصل
كتبت- أسماء زيدان
في أبريل الماضي حصل المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، على حكم من المحكمة العمالية بالإسكندرية، يقضي بصرف كامل الأجر الأساسي لموظف بمؤسسة الأهرام الصحفية، أثناء فترة حبسه احتياطيا، وأجره الشامل منذ إخلاء سبيله، ونصف أجره الشامل بدأ من فترة إيقافه عن العمل لحين الفصل في القضية المتهم فيها.
وأثار الحكم نقاشَا حول الوقف عن العمل أثناء نظر القضايا، وحقوق العمال خلال مدة الحبس، وعقب إخلاء السبيل أو انتهاء العقوبة.
وكان موظف الأهرام، جرى احتجازه على ذمة أحد القضايا، في يناير من العام الماضي، كما أخلي سبيله بمعرفة أمن الدولة العليا، بتدابير احترازية في يوليو الماضي. في المقابل رفعت مؤسسة الأهرام دعوى قضائية لإيقافه عن العمل، مطالبين الاكتفاء بصرف نصف أجره الأساسي، لحين الفصل في القضية المتهم فيها.
الأمر الذي دفع محامو المركز برفع دعوى فرعية، طالبوا فيها بكافة المستحقات المالية للمدعي، والتي تتضمن الأجر الشامل، والتعويض عن الأضرار المادية، والأدبية بحقه.
هيئة المحكمة قررت في الدعوى الأصلية، صرف نصف الأجر الشامل، أي الأساسي زائد المتغير، لحين الفصل في القضية المتهم فيها المدعى عليه، اعتبارا من نوفمبر الماضي، زمن الدعوى المرفوعة بإيقافه من قبل جهة عمله.
وفي الدعوى الفرعية المقدمة من محامو المركز قضت بقبولها شكلا، وأحقية المدعي في صرف كامل أجره الأساسي خلال فترة احتجازه التي بدأت في 23 يناير 2021 وانتهت في 13 يوليو 2021، كذلك صرف كامل أجره الشامل في أعقاب اخلاء سبيله أي من 13 يوليو 2021، وحتى 22 نوفمبر 2021، وكذلك صرف نصف أجره الشامل اعتبارا من الفترة 22 نوفمبر 2021 ولحين الفصل في القضية المخلى سبيله على ذمتها، وإلزام جهة عمله المدعى عليها فرعيا باحتساب، وأداء ما يترتب على ذلك من فروق مالية إن وجدت.
وبهذا الحكم وبحسب محامية المركز سلوى بشير، أرست المحكمة مبدأً جديد يقضي بحق الموظف في صرف نصف أجره الشامل وليس الأساسي، أثناء وقفه عن العمل، بعكس المتعارف عليه في القضايا العمالية حيث يتم صرف نصف الأجر الأساسي فقط.
بدوره طالب المركز المصري بالتدخل التشريعي العاجل، لوضع حد أقصى لمدة وقف العامل عن عمله، في حالة اتهامه بأحد القضايا الجنائية، حفاظا على التماسك المجتمعي، الذي ينبع من استقرار الأفراد.
المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وينظم القانون استئناف الأحكام الصادرة فى الجنايا، وتوفر الدولة الحماية للمجنى عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء، وفقاً للقانون.
الأصل في الإنسان البراءة
ترى أستاذة القانون الجزائرية، هدى زرزور، أن فلسفة القوانين جبلت على التأكيد بأن افتراض براءة الشخص، سواء كان موضع اشتباه أو اتهام، هو إحدى الضمانات التي يستند إليها مفهوم المحاكمة العادلة، وهو المبدأ الذي يتجاور مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، والذي يقتضي أن براءة الشخص مفترضة وأصل ثابت فيه، فهي تفرض معاملة الشخص على هذا الأساس عبر مختلف مراحل الدعوى، وفي كل ما يتخذ من إجراءات، ويستوي في ذلك أن يكون الشخص محل اشتباه أو اتهام إلى أن يصدر حكم نهائي يقضي بعكس ذلك.
يؤكد متخصصون أن هذا المبدأ هو الحصن الذي يحتمي به الشخص، ضد كل إجراء تعسفي أو مساس بحريته وسلامته الشخصية، ومن ثم كان هذا المبدأ هو حجر الأساس في بناء نظرية الإثبات في المواد الجنائية، لأنه يلعب دورًا هامًا في تحديد من يكلف بتحمل عبء الإثبات.
أما عن القانون المعمول به في مصر، فيما يتعلق بالإيقاف عن العمل، أو الفصل منه، فالمادة رقم 67 من قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003 تنص على: إذا اتهم العامل بارتكاب جناية أو بارتكاب جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة أو اتهم بارتكاب أي جنحة داخل دائرة العمل جاز لصاحب العمل وقفه مؤقتا، وعليه أن يعرض الأمر على المحكمة العمالية المشار إليها في المادة (71) من هذا القانون خلال ثلاثة أيام من تاريخ الوقف، وعلى المحكمة العمالية أن تبت في الحالة المعروضة عليها خلال سبعة أيام من تاريخ العرض، فإذا وافقت على الوقف يصرف للعامل نصف أجره، أما في حالة عدم الموافقة على الوقف يصرف أجر العامل كاملا من تاريخ وقفه، فإذا رأت السلطة المختصة عدم تقديم العامل للمحاكمة الجنائية أو قدم للمحاكمة وقضي ببراءته وجب إعادته للعمل مع تسوية مستحقاته كاملة وإلا اعتبر عدم إعادته فصلا تعسفيا، وإذا ثبت أن اتهام العامل كان بتدبير صاحب العمل أو من يمثله وجب أداء باقي أجره عن مدة الوقف.
الوقف عن العمل جوازي وليس وجوبي
مصطفى خيري، المحامي بالمركز المصري، علق على القانون السالف ذكره، قائلا، إن إجراء وقف العامل من قبل صاحب العمل يعد إجراءًا جوازيا وليس وجوبياً، بمعنى آخر أنه ليس فرضًا على صاحب العمل إيقاف العامل في حال كونه متهما في أي دعوى جنائية مخلة بالشرف أو الأمانة، وترك المشرع الأمر جوازيًا لصاحب العمل.
وتابع: طلب صاحب العمل من المحكمة العمالية وقف العامل حين الانتهاء أو الفصل فى الدعوي الجنائية المتهم على إثرها العامل أمرا غير ضروريًا، ولكن في حال حدث ذلك، فعلى المحكمة البت في طلب الوقف بعد استلامه من رب العمل ما يفيد اتهام العامل على ذمة جناية أو جنحة مخلة بالشرف والأمانة.
ومن وجهه نظر قانونية – إنسانية، والكلام لـ خيري، كان يتوجب على المشرع وضع إطار محدد لفكرة الوقف عن العمل المترتبة على اتهام العامل بجنحة أو جناية مخلة بالشرف والأمانة، والتي يترتب على أثرها الإضرار والإخلال براتب العامل ودخله الشهري ومستحقاته المالية.
ويضيف: كما كان يتوجب أن يكون الإيقاف وجوبيًا في حالة تم إثبات التهمة وتوقيع عقوبة على العامل وليس مجرد فكرة الاتهام، لأنه وفقا لنصوص وروح القانون أن الأصل في الإنسان البراءة، ولاعقوبة قبل إثبات الإدانة فعليا حتى لا نضر بالعامل وأسرته دون جرم فعلى مثبت في حقه.
ويؤكد خيري أنه يجب وضع حد زمني أقصى لفكرة التوقيف عن العمل، خاصة في حالة القضايا التي يمتد نظرها، دون البت فيها لسنوات.
الأجر مقابل العمل
المحامي العمالي عبد الستار البلشي، يؤكد أن الأصل في الأمور أن الأجر مقابل العمل بالنسبة لرب العمل.
ويضيف أن المساوئ التي تظهر في مسائل العمال والتوقيف عن العمل خصوصًا فيما يخص مسألة الحبس الاحتياطي، ليس مرجعها القانون، وإنما أمر سياسي أكبر وأعم يجب النظر فيه، ألا وهو طول مدة الحبس الاحتياطي، وكذلك مدة التقاضي في قضايا الرأي.
تعديل القوانين الأعم أولى
وبحسب –البلشي- يعد الحبس الاحتياطي إجراء من إجراءات التحقيق غايته ضمان سلامة التحقيق الابتدائي من خلال وضع المتهم تحت تصرف المحقق وتيسير استجوابه أو مواجهته كلما استدعى التحقيق ذلك، والحيلولة دون تمكينه من الهرب أو العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد المجني عليه، ومع ذلك يتم استخدامه كعقوبة في حد ذاتها، كما يتم مده على أقصاه وهي مدة العامين التي لايجب أن يساء استخدامها بهذا الشكل.
أما بالنسبة لقانون العمل والتعديل عليه فيرى البلشي أن محاولات تعديل قوانين العمل لم تكن على اختلافها لصالح العمال، بل تركت العمال نهبة لأرباب العمل.
ويضيف أنه لايميل لتعديل القوانين الخاصة، ويفضل على ذلك تعدي القوانين الأعم مثل مواد الحبس الاحتياطي، وكذلك قوانين الإرهاب، وهي جميعا الأصل في الانتهاكات التي تجرى، فالأمر سياسي بالأساس.
مخالفات دستورية بالجملة
يقول المحامي الحقوقي محمد عبيد، إن هذا القانون يكمله قانون آخر، وهو القانون 135 لسنة 2021 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 10 لسنة 1972 في شأن الفصل بغير الطريق التأديبي وقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016.
وبحسب التعديل ففصل العامل يكون بقرار مسبب يصدر من رئيس الجمهورية أو من يفوضه بناء على عرض الوزير المختص بعد سماع أقوال العامل، ويخطر العامل بقرار الفصل، ولا يترتب على فصل العامل طبقا لأحكام هذا القانون حرمانه من المعاش أو المكافأة.
وينص القانون على أنه: مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 8 لسنة 2015 في شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، في حال توافر سبب أو أكثر من أسباب الفصل المشار إليها في المادة (1 مكرر) من هذا القانون يوقف العامل بقوة القانون عن العمل لمدة لا تزيد على ستة أشهر أو لحين صدور قرار الفصل أيهما أقرب، مع وقف صرف نصف أجره طوال فترة الوقف عن العمل، ويبلغ العامل بقرار الوقف.
ويضيف نص القانون: تختص محكمة القضاء الإداري دون غيرها بالفصل في الطلبات التي يقدمها العاملون بالجهات المشار إليها في المادة (1) من هذا القانون، طعنا في القرارات النهائية الصادرة بالفصل بغير الطريق التأديبي طبقا لأحكام هذا القانون، ويجوز للمحكمة أن تحكم بالتعويض بدلا من الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه، وذلك للأسباب التي ترى أن المصلحة العامة تقتضيها.
ويصف عبيد القانون بأنه غير دستوري، ويرجع تاريخه إلى الرئيس السابق جمال عبدالناصر، والذي حاول الرئيس اللاحق أنور السادات التعديل عليه ومن ثم تخفيفه، حتى تم تعديله مرة أخرى ولكن على محمل أشد خلال العام الماضي.
وعن مشكلات القانون يقول عبيد: تتجاوز تلك القوانين مبدأ الأصل في الإنسان البراءة، حيث يعمد إلى إنزال العقاب حتى ولم تتم عملية الإدانة، وبالتالي هناك مخالفة لمبدأ الحق في المحاكمة العادلة، حيث أن الإيقاف عن العمل يعد عقابًا يسبق الإدانة، ويتجاوز ذلك المبدأ.
ويؤكد المحامي الحقوقي أن القانون أيضا ينتهك مسألة المساواة بين المواطنين في حق التقاضي، كما أنه يكرس لمبدأ ازدواج العقوبة، حيث لا يكتفي بالعقوبة التي يوقعها القانون، وجميعها أصول ومبادئ دستورية لا تتغير عبر الزمن.
يضيف عبيد: مسألة العقوبة الجماعية التي تطرحها مثل هذه المواد، فالأصل بالدستور والقانون أن العقوبة شخصية، وهو ما يعنى عدم جواز توقيعها لزوما على غير مرتكب الفعل المُجرم، ولكن إنزال مثل هذا العقاب يؤثر على أفراد الأسرة بالتبعية، كما أن بعض هذه القضايا يتم النظر فيها عبر محاكم الإرهاب الاستثنائية، وتستمر لسنوات، حتى بعد اخلاء سبيله، فيما ينزل العقاب بالشخص، وأسرته منذ اللحظات الأولى سواء بالايقاف، أو غيره من الإجراءات العقابية.
شهادات الإفادة
يتفق المحامي العمالي ياسر سعد مع كل ماسبق، ولكنه يضيف مسالة تسبق القوانين، وصفها بالضرورة الملحة، ألا وهي تزويد العمال بشهادات تفيد القبض عليهم، حيث يقول: عن تجربة شخصية، وخلال قضايا عمالية مثل مصر للتأمينات على الحياة، ومصر المقاصة رفضت النيابة منحنا شهادات تفيد باحتجاز المتهمين لديها، ما أدى إلى فصلهم من جهة عملهم، نتيجة الغياب لأكثر من 15 يومًا متصلة بحسب القانون.
ويؤكد سعد على ضرورة وجود إجراء من شأنه ربط مختلف جهات العمل بوزارة الداخلية، فيتم إخطار جهات العمل بشكل آلي دون الحاجة للعملية البيروقراطية المعتادة، والتي يرفض فيها الجهات الرسمية منح شهادات تفيد بوجود المتهمين لديها، مما يحمي حقوق العمال، وأسرهم لاحقا.