مدحت الزاهد يكتب: قمم مصرية .. شحاتة هارون
كلماته عن نفسه تفسر هويته وتشرح مسيرة حياته .. أنا يهودى مصرى .. اسود عندما يضهطدون السود .. ويهودى عندما يضطهدون اليهود وفلسطينى عندما يضطهدون الفلسطنيين .. واضيف من عندى ومصرى وانسان ملهم فى كل الاوقات. عبر عن ضميرها وعقلها .. وواجه الاضطهاد والقهر ودافع عن الانسانية والعدل رغم تعرضه للسجن فى العهد الملكى والناصرى والساداتى. ويلخص كتابه يهودى فى القاهرة الملامح الرئيسية لشخصية هارون.
نشأ شحاتة هارون فى ظروف حساسة فقد عاصر الهلوكست ومذابح هتلر لليهود وعرقيات اخرى , ،كما عاصر صعود الحركة الصهيونية ومشروعها لبناء دولة عنصرية صهيونية بزرع كيان استعمارى استيطانى فى فلسطين وطرد الشعب الفلسطينى من وطنه ، بدلا من حفز اليهود للنضال مع الحركات الديمقراطية فى مجتمعاتهم ضد العنصرية والاضطهاد ومن اجل العدل والمساواة.
ورغم كل أهوال الهلوكست وما اضافته اليها الدعاية الصهيونية كوسيلة لاستقطاب يهود العالم للكيان الصهيونى الوليد ولكسب تعاطف دولى للاستعمار الجديد رفض هارون المشروع الصهيونى وساهم مع رفاقه الشيوعيين فى تأسيس حركة مناهضة الصهيونية واعتبر الصهيونية اكبر خطر على الوعى اليهودى بقدر ما تعزل يهود العالم فى جيتوهات مغلقة وتبحث لاضطهادهم عن خلاص فى اضطهاد شعب اخر وقال أن الصهيونية خرافة ضد التاريخ وضد الطبيعة ولا يمكن تأسيس دولة على عنصر واحد..
وتمسك شحاتة هارون بجنسيته المصرية فى كل الاحوال ففي الخمسينيات كان شحاتة هارون مخيرا بين التنازل عن جنسيته وعلاج ابنته الكبرى منى التى أصيبت بمرض نادر فى الدم يستوجب سفرها إلى باريس، فاختار مصريته، مضحيا بعلاج ابنته، التي ماتت بعدها بشهور ورفض أن يكون الختم على جوازه مغادرة نهائية.
بل أن هارون خاطب الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش عندما علم بنيته مغادرة حيفا ينصحه ان يبقى لان صمودك فى حيفا وصمودى فى صخرتى مصر هو الامل مؤكدا انه لا يمكن ان يستغنى عن مصريته بكنوز الدنيا.
وفى عام 67 وعندما كانت طبول الحرب تدق فتحت نقابة المحامين باب التطوع فتقدم المحامى شحاتة هارون بطلب التطوع للحرب ضد اسرائيل وخاطب احمد الخواجة نقيب المحامين مرفقا استمارة تطوعه وللاسف تم فرض الحراسة على مكتبه ثم اعتقاله بعدها فمع ظهور اسرائيل بدأت الشبهات تحيط بكل يهودى ولم تميز السلطات بين العناصر الصهيونية وبين من شاركوا فى تأسيس حركة مناهضة الصهيونية، وكان الوطن احوج ما يكون اليهم ولكن العقلية الامنية كانت تحكم واعتبرت كل يهودى محل شك، مثلما اعتبرت بعدها كل سيناوى محل شك .. وللمرة الثانية دخل هارون السجن وكان مكانه المفترض ان يكون جنديا فى صفوف المقاتلين ولسان حال مصرى يهودى مع فلسطين وضد الصهيونية
وبعد توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1979 رفض هارون الاتفاقية لانها تخدم مصالح الصهيونية وتتعارض مع مصالح الشعب المصرى والفلسطينى والسورى وساهم فى بلورة موقف القوى الوطنية وحزب التجمع الذى شارك فى تأسيسه. برفض الاتفاق المهين وجاهر برفضه وعندما زار ايجال بادين رئيس الحكومة الاسرائلية مصر وذهب يصلى فى المعبد اليهودى توجه هارون الى المعبد وبعد مشادات وتفتيش دقيق سمحوا له بالمقابلة رفقة الحرس وكانت اولى كلماته اننى كمواطن مصرى ارفض اتفاقية كامب ديفيد واعتبرها اهانة لكرامة الشعب المصرى .. ومره اخرى يحل هارون ضيفا عل السجون المصرية.
وختم هارون حياته بمعزوفة اخرى هى الوصية التى تركها لبناته بألا يمشي في جنازته إسرائيليون وهذا ما فعلته ابنتاه، فقد رفضتا أن يصلي عليه السفير الإسرائيلي في القاهرة، وانتظرت جثمانه خمسة أيام حتى تستقدم الأسرة حاخاما فرنسيا، واكتفت السيدة ماجدة هارون التى وصفوها فى تل ابيب بابنة العدو الاول لاسرائيل بصلوات المصريين لهذا الرمز الانسانى العظيم شحاتة هارون انسان لكل العصور