مدحت الزاهد: ما يجرى ليس تنافسًا انتخابيًا بل تلاعبًا منظّمًا.. ونطالب بإلغاء النتائج وإعادة بناء المنظومة من أساسها

كتب – أحمد سلامة

قال مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن الأزمة المتعلقة بالانتخابات الأخيرة ليست مشكلة جزئية يمكن حلها ببعض التعديلات الشكلية ولا بإلغاء الانتخابات في بعض الدوائر، وإنما هي قضية جوهرية تتعلق بحقوق المواطنة والمشاركة والفرص المتكافئة بين جميع المواطنين في أن تكون لهم القدرة الحقيقية على التعبير عن إرادتهم السياسية واختيار ممثليهم في المجالس النيابية.

وأكد الزاهد، في تصريحات لموقع “درب”، أن الحقوق السياسية لا تُمارَس في فراغ، بل في بيئة تشريعية وإجرائية يجب أن تتسم بالنزاهة والحياد، وهو ما لم يتحقق في الانتخابات الأخيرة.

وأوضح الزاهد أن الأسئلة المطروحة حول النتائج المعلنة ليست منفصلة عن الخلل البنيوي الذي أصاب العملية الانتخابية منذ تأسيسها، مشددًا على أن المشكلة لم تبدأ عند لحظة الفرز أو في محيط اللجان كما يُروَّج، بل بدأت من الإطار التشريعي ذاته ومن تصميم العملية برمّتها بطريقة لا تكفل العدالة ولا المساواة بين المواطنين.

وأشار إلى أن نظام القائمة المطلقة يمثل أحد أخطر مظاهر الإخلال بالتمثيل السياسي.. فهذا النظام، بحسب وصفه، “يصادر أصوات الأقلية بالكامل ويمنح الأغلبية البرلمانية لمن يحصل على 51% فقط من الأصوات، وكأن نصف المجتمع غير موجود”.

وشدد الزاهد على أن هذا الوضع لا ينتج برلمانًا يعكس التنوع الحقيقي داخل المجتمع، بل ينتج مجالس مغلقة على لون سياسي واحد.. مضيفا أن هذا النظام يفتح المجال واسعًا أمام النفوذ والمال السياسي والأجهزة المتداخلة لتشكيل القوائم، ما يجعل المجلس أقرب إلى التعيين المقنّع منه إلى التمثيل الشعبي.

وتابع: “عندما تتم مصادرة أصوات نصف المجتمع، وعندما يُمنح الفوز الكامل لقائمة واحدة، ويتعطل تمثيل نصف عدد مقاعد المجلس ابتداءً، فكيف يمكن الحديث عن عدالة أو تنوع أو رقابة أو مكافحة فساد؟ ولهذا فإن إصلاح الوضع لا يكون بترقيع الإجراء، بل بإعادة بناء النظام الانتخابي من الألف إلى الياء، بما يضمن التمثيل النسبي الحقيقي الذي يعكس إرادة المجتمع”.

وفي ما يتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية، قال الزاهد إن هناك خللًا واضحًا في الوزن النسبي للصوت الانتخابي، إذ يتم منح دوائر ذات عدد متساوٍ من الناخبين تمثيلًا غير متساوٍ، وهو ما يعد “حرمانًا صريحًا من مبدأ تكافؤ الأصوات”.. مشيرًا إلى أن اتساع الدوائر بشكل مبالغ فيه يجعل من المستحيل تقريبًا على المرشحين التواصل المباشر مع الناخبين، مما يقضي على فكرة الحملات الحقيقية ويجعل المنافسة محصورة بين أصحاب النفوذ الواسع والقدرات اللوجستية الكبيرة فقط.

وعن الرسوم الباهظة للترشح، وخاصة كلفة الكشف الطبي التي تصل إلى 10 آلاف جنيه، قال الزاهد إنها تمثل عائقًا كبيرًا أمام المواطنين الراغبين في خوض الانتخابات، وتُحوِّل حق الترشح إلى امتياز مالي لا يملكه الجميع، وكأن العملية السياسية أصبحت “نادياً للأثرياء فقط”.

أما فيما يتعلق باستهداف المعارضين، فأكد الزاهد أن ما جرى في الانتخابات الأخيرة يرقى إلى “العزل السياسي غير المعلن”.. وقال إن بعض المرشحين الذين خاضوا الانتخابات في دورات سابقة بالمعايير نفسها فُوجئوا بشروط جديدة وإجراءات تم تعديلها بهدف إقصاؤهم من المشهد بقرارات إدارية لا يد لهم فيها، ولا علاقة لهم بهذه التعديلات.. واصفًا ذلك بأنه “عقاب سياسي ممنهج يهدف إلى حرمان الأصوات المستقلة والمعارضة من الوصول إلى البرلمان”.

كما لفت الزاهد إلى تغوّل المال السياسي وشراء الأصوات على نطاق واسع في جميع المحافظات، متسائلًا: “كيف يمكن الحديث عن منافسة عادلة في ظل رشاوى مباشرة وموارد ضخمة تُستخدم لإمالة إرادة الناخبين؟ هذا ليس تنافسًا بل استحواذ”.

وأضاف أن الحرمان الإعلامي شمل كل المخالفين سياسيًا، رغم أن وسائل الإعلام المملوكة للدولة من المفترض أن تكون متاحة بالتساوي للجميع.. منبهًا إلى أن الصوت المعارض “جرت محاصرته إعلاميًا بصورة كاملة، وهو ما يقوّض أحد أهم شروط المنافسة السياسية.”

وفي ما يخص السلطة القضائية، تساءل الزاهد: “لو كانت السلطة القضائية تملك استقلالًا حقيقيًا، هل كانت ستنتظر تدخل الرئيس لكي تتحرك أو تراجع أداءها؟ أم كانت ستقوم منذ البداية بدورها الطبيعي في الرقابة على العملية الانتخابية؟”.. مشددًا على أن تدخل الرئاسة في عمل هيئة تُفترض استقلاليتها يكشف عمق الأزمة البنيوية في النظام السياسي.

واختتم الزاهد تصريحاته بالتأكيد على أن كل هذه العوامل تجعل من المستحيل قبول النتائج المعلنة، وأنه يجب إلغاء العملية الانتخابية بالكامل وإعادة بنائها من البداية، بدءًا من التشريعات مرورًا بالإجراءات وصولًا إلى ضمان بيئة سياسية حرة وغير حصرية “لا تُقصي أحدًا ولا تُصنّع أحزابًا داخل غرف الأجهزة.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *