محمد حربي يكتب مقابلة خاصة مع صلاح جاهين في ذكرى ميلاده (حوار افتراضي) : يا عندليب كتم الغنا هو اللي هيموتك
احمل صفات الله وانت راح توجده
لا تجبر الإنسان ولا تحيره يكفيه ما فيه من عقل وبيحيره
الفيلسوف قاعد سيبوه لا تعملوه سلطان ولا تصلبوه
****
لا تشغل نفسك كثيرا بطبيعة الحوار، وأين تم ؟ وكيف كان؟ وركز فقط في الإجابات . وحكمتها والفلسفة الشافيه الصافية البسيطة الطالعة نها ونفذ وصايا الشاعر الكبير التي باح بها في أشهر أعماله الرباعيات ، والتي قال عنها يوما ما “لن يبقى مني بعد الرحيل سوى الشعر وفي القلب منه الرباعيات”
الحوار المتخيل والإفتراضي ابن قراءة الرباعيات والمشاكسة معها فلا تجعل قراءتي تحجب المعنى عنك فأنا وأنت مسحورون بالرباعيات
لا يهم هنا أين التقيت الشاعر في الحياة أم في الحلم ولا يهم كم قضينا من الوقت فقصيدة واحدة صادقة تعادل الوجود كله ذلك الوجود الذي شغل الرباعيات بكل ما فيه وكان صلاح جاهين واعيا به ومشكلاته وأزماته وصادقا في مواجهتها
لا ندعي هنا أن الاسئلة تعبير عن موقف نقدي أو تلميح برؤية ما بل هي احتفالية بالذكرى والميلاد المتجدد لشاعر عبقري
مسيرون أم مخيرون تلك هي المشكلة
*كيف يمكن أن تلخص لي نظريتك في الجبر والاختيار ؟
“مرغم عليك يا صبح..
مغصوب يا ليل..
لا دخلتها برجليا ولا كان لي ميل
شايلنى شيل دخلت أنا في الحياة..
وبكرة هخرج منها شايليني شيل”.
*ولكننا مخيرون لا مرغمون يا سيدى ؟
“لا تجبر الإنسان ولا تخيّره.
. يكفيه ما فيه من عقل بيحيّره.
. اللي النهارده بيطلبه ويشتهيه.
. هو اللي بكره ح يشتهي يغيّره.
*إذا كان هناك جبر فلماذا يختلف الناس بعد الميلاد ألا يعد اختلافهم اختيارا؟
“مع ان كل الخلق من اصل طين
وكلهم بينزلوا مغمضين الا
بعد الدقايق والشهور والسنين
تلاقى ناس اشرار وناس طيبين”
*لنأخذك أنت مثلا دخلت الحياة واخترت الزواج وأن تكون أبا فكيف تكون مرغما ؟
سنوات وفايته عليّا فوج بعد فوج
واحدة خَدِتني إبن والتانية زوج
والتالتة أَب خدتني والرابعة إيه
إيه يعمل إللي بيحْدفُه موج لموج ؟
*لكن الحياة تهدي لنا الطريقين ولا تفرض علينا طريقا واحدا ؟
عجبي عليك .. عجبي عليك يا زمن
يا بو البِدَع يا مبكِّي عيني دَماً
إزاي أنا أختار لروحي طريق
وأنا اللي داخل في الحياة مرغماً
* انت مصر على أن تحيرنا معك أم أنك حائر بالفعل ؟
وأنا في الضلام .. من غير شعاع يهتكه
أَقف مكاني بخوف ولا أتركه
ولما بيجي النور وأشوف الدروب
أحتار زيادة .. أيهم أَسلكه ؟ !
* هل نحن عدم بسير إلى العدم وفق نظرتك المتشائمة ؟
خرج ابن آدم من العدم قلت: “ياه
رجع ابن آدم للعدم.. قلت: “ياه
تراب بيحيا.. وحى بيصير تراب
.. الأصل هو الموت ولا الحياة؟..
*هل هذه خلاصة تجربة الحياة موت له رائحه ؟
.
ضريح رخام فيه السعيد اندفن.
. و حفره فيها الشريد من غير كفن.
. مريت عليهم.. قلت يا للعجب..
الإثنين ريحتهم لها نفس العفن.
*
*يقول ديكارت أنا أفكر إذن أنا موجود ماذا يقول صلاح جاهين في مسألة الوجود؟
“يا باب يا مقفول.
. إمتى الدخول..
صبرت ياما واللى يصبر ينول
.. دقيت سنين.. و الرد يرجع لي: مين؟”.
“لو كنت عارف مين أنا كنت أقول.
*هل تخاف من الحياة او من ذاتك ؟
“أنا شاب لكن عمري ألف عام
.. وحيد لكن بين ضلوعي زحام.
. خايف ولكن خوفي مني أنا..
أخرس و لكن قلبي مليان كلام.
.
ورغم كل هذا الخوف والعدمية تحرضنا علي حب الحياة ؟
أحب أعيش ولو في الغابات..
أصحي كما ولدتني أمي و ابات
طائر.. حيوان.. حشرة.. بشر..
بس أعيش
.محلا الحياة.. حتي في هيئة نبات.. !!.
* رغم أن الفنان يحترق في هذه الحياة فهل تستعذب عذابك ؟
“عجبتني كلمة من كلام الورق.
. النور شرق من بين حروفها و برق.
. حبيت اشيلها ف قلبي.. قالت حرام.
. ده أنا كل قلب دخلت فيه اتحرق!
* عدميتك ربما تكون احتجاجيا فلسفيا تجاه العالم فهل سخريتك التي تخيف الطغاة اختيار أيضا؟
.“أنا قلبي كان شخشيخة أصبح جَرس
.. جلجلت به صحيوا الخدم والحرس
.. أنا المهرج.. قمتو ليه خفتو ليه..
لا في إيدي سيف ولا تحت مني فرس.
*وهل يمكن أن يكون الشاعر مجرد مهرج ؟
بين موت وموت .. بين النيران والنيران
ع الحبل ماشيين الشجاع والجبان
عجبي عَلادي حياة .. ويا للعجب
إزاي أَنا – يا تخين – بقيت بهلوان
ولكن البهلوان يتفلسف أحيانا ويسخر من العالم ؟
بلياتشو قال إيه بس فايدة فنونــــي ؟
و تلات وقق مساحيق بيلونونـــــــي
و الطبل و المزامير و كتر الجعـــــــير
إذا كان جنون زبوني زاد عن جنوني
* لماذا كان الحزن دليلك للأبدية ؟
ليه يا حبيبتي ما بيننا دايماً سفر
ده البعد ذنب كبير لا يُغتفر
ليه يا حبيبتي ما بيننا دايما بحور
أعدي بحر ألاقي غيره اتحفر
ولماذا لا تعبر الجسر يا سيزيف العصر ؟
ورا كل شباك ألف عين مفتوحين
وأنا وانتي ماشيين يا غرامي الحزين
لو التصقنا نموت بضربة حجر..
ولو افترقنا نموت متحسرين..
* كلما قرأت عن الحب عندك أشعر أنك لا تأخذ الحب بجدي بل بسخرية من نفسك ،ومن حبك؟
حبيت .. لكن حب من غير حنان
وصاحبت لكن صُحبه ما لهاش أمان
رحت لحكيم واكتر لقيت بلوتي
إن اللي جوّه القلب مش ع اللسان
* لماذا ربطت الراحة والصفاء بالموت والفلسفة ؟
“في يوم صحيت شاعر براحة وصفا
الهم زال و الحزن راح و اختفي
خدني العجب و سألت روحي سؤال.
أنا مت؟ ولا وصلت للفلسفة..
ولماذا تسخر من الفلاسفة بقسوة ؟
الفيلسوف قاعد يفكر سيبوه
لا تعملوه سلطان ولا تصلبوه
ما تعرفوش إن الفلاسفه يا هوه
اللي يقولوه بيرجعوا يكدبوه
*هل ضاع منك المعنى في الحياة فصار الحزن ثقيلا لأنه بلا معنى؟
ياحزين يا قمقم تحت بحر الضياع
حزين أنا زيك و إيه مستطاع
الحزن ما بقالهوش جلال يا جدع
الحزن زي البرد … زي الصداع
*تسخر دائما من البشرية مع أنك دنيوي النزعة ؟
“إنسان.. أيا إنسان ما أجهلك
ما أتفهك في الكون وما أسألك.
شمس وقمر وسدوم وملايين نجوم.
وفاكرها يا موهوم مخلوقه لك؟.
ألسنا مركز الكون يا شاعرنا في هذه الدنيا ان لم نكن كذلك فما هي الدنيا لديك ؟
الدنيا أوده كـبيره للانتظار
فيها ابن أدم زيه زي الحـــــــمار
الهم واحد .. و الملل مشــــــترك
و مفيش حمار بيحاول الانتحار
*وما سر عذابك في هذه الغرفة التي يطول فيها الإنتظار ؟
أيوب رماه البين بكل العـــــــــلل
سبع سنين مرضان وعنده شلل
الصــــبر طيب .. صبر أيوب شفاه
بس الأكـــــــــاده مات بفعل الملل !!
*الملل ده مرض البرجوازيين اللي طالعين فيها ومغرورين ؟؟
يا طير يا عالي في السما طظ فيك
ما تفتكريش ربنا مصطفيك
برضك بتاكل دود و للطين تعًودً
تمص فيه يا حلو .. و يمص فيك.
الشتاء و الربيع
*هل لانك مولود في الشتاء تمتلك كل هذا الاكتئاب الخاص بالخواتيم ؟
“دخل الشتا وقفل البيبان ع البـــيوت.
. وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت
.. وحاجات كتير بتموت في ليل الشتا.
. لكن حاجات أكتر بترفض تمــــــوت.
*وعلى الرغم من شتويه الميلاد الكئيبة إلا أنك ربيعي الهوى ؟
الدنيا من غير الربيع ميّته
ورقة شجر ضعفانه ومفتفته
– لأ يا جدع غلطان تأمّل وشوف
زهر الشتا طالع في عز الشتا
*ولكن الربيع أيضا لم يسلم من تشاؤمك؟
دخل الربيع يضحك لقاني حزين
نده الربيع على إسمي لم قلت مين
حط الربيع أزهاره جنبي وراح
وإيش تعمل الأزهار للميتين
* عندما أصبت بالذبحة الصدرية ماذا قلت لطبيبك قبل العملية؟
يا مشرط الجراح أمانة علـــــــــــيك
و انت ف حشايا تبص من حواليك
فيه نقطة سوده في قلبي بدأت تبان
شيلها كمان .. و الفضل يرجع إليك !
وماذا قلت له بعد العملية ؟
كيف شفت قلبي و النبي يا طبيــــــــــــب
همد و مات و الا سامع له دبيـــــــــــــب
قاللي لقيته مختنق بالدمــــــــــــــــــــ ـوع
و ما لوش دوا غير لمسه من إيد حبيب
وكيف قابلت الموت للمرة الأولى ؟
أنا كنت شئ و صبحت شئ ثم شــئ
شوف ربنا .. قادر علي كل شـــــــئ
هز الشجر شواشيه ووشوشني قال :
لابد ما يموت شئ عشان يحيا شئ
تحريض علي الحب
* انا لا اصدق حزنك واكتئابك إلا باعتبارهما تحريضا على الحياه والسعا
كرباج سعاده وقلبي منه انجلد
رمح كأنه حصان و لف البلد
و رجع لي نص الليل و سألني .. ليه
خجلان تقول انك سعيد يا ولد
*ولماذا تحرضنا على الحب ما دمت “خجلان” من السعادة ؟
إنشد يا قلبي غنوتك للجمال
وارقص في صدري من اليمين للشمال
ما هوش بعيد تفضل لبكره سعيد
ده كل يوم فيه الف الف احتمال
*هل يمثل الغناء إذن طوق النجاة في هذا العالم ؟
العشب طاطا للنسايم و نخ
أخضر طري مالهش في الحســن أخ
عصفور عبيط انا .. غاوي بهجه و غنا
ح انزل هنا.. و انشا لله يهبرني فـخ
إنت حر
* ماذا قلت لبهاء عندما بدأ يعي العالم ؟
خوض معركتها زي جدك ما خــــاض
صالب و قالب شفتك بامتـــــــــــعاض
هي كده…ما تنولش منها الأمـــــــل
غير بعض صد ورد ووجاع مخاض
* ولكن الحياة قاسية يا وتدفعنا ومعنا بهاء لليأس؟
“يأسك وصبرك بين إيديك وانت حر
.. تيأس ما تيأس الحياة راح تمر.
. أنا دقت من ده ومن ده عجبي
.. لقيت الصبر مر وبرضه اليأس مر
*اعترفت أخيرا بالحرية ؟
“أنا مش تبع مخلوق يا سيدنا البيه.
. أنا حُر في اللي يقول ضميري عليه
.. وإن كنت تُحكم جوا ملكوتك.
. الشارع الواسع فاتح لي إيديه”.
* و ماذا نفعل عندما تقابلنا أشباح النهار الليل في هذا الشارع الواسع ؟
“ولدي نصحتك لما صوتي اتنبح.
. ما تخفش من جني ولا من شبح.
. وان هب فيك عفريت قتيل اساله
.. ما دافعش ليه عن نفسه يوم ما اندبح.
*غلبتني يا عم صلاح إنت مين في كل دول: الشاعر والا الحكيم والا الفيلسوف والا المغني ؟
“أنا اللي بالأمر المحال اغتوى.
. شفت القمر نطيت لفوق في الهوا
.. طلته ما طلتوش.. إيه أنا يهمني؟.
. وليه مادام بالنشوة قلبي ارتوي..
* وما هي أغنيتك للعالم ؟
“اوقات أفوق ويحلّ عني غباياً
وأشعر كأني عرفت كل الخبايا.
و افتح شفايفي عشان أقول الدرر
ما أقولش غير حبة غزل في الصبايا..
وإيه كمان؟
.
“أنا قلبي مزيكا بمفاتيح..
من لمسة يغني لك تفاريح.
. مع إني مفطرتش وجعان.
. ومعذب ومتيم وجريح”
تحرض على الغناء وتحذر من الهوس بالذات والغناء عشق للذات في الأصل ؟
“غمض عينيك وارقص بخفة ودلع.
. الدنيا هي الشابة و انت الــــــــ جدع..
تشوف رشاقة خطوتك تعبــــــــدك.
. لكن انت لو بصيت لرجليك تـقع..
*لكن الغناء الآن يبدو مستحيل على الطير والإنسان، والغنوة محبوسة ؟
يا عندليب ما تخافش من غنوتك
قول شكوتك و احكي علي بلوتك
الغنوه مش ح تموتك إنمــــــــــا
كتم الغنا هو اللي ح يموتــــــــك
الوصايا الخمس
* يقولون إن الشاعر نصف نبي فما هي وصايا صلاح جاهين الخمس ؟…………….
الوصية الأولى
يا للي بتبحث عن إله تعبده
بحث الغريق عن أي شيء ينجده
الله جميل وعليم ورحمن رحيم
إحمل صفاته … وانت راح توجده
الوصية الثانية
.غسل المسيح قدمك يا حافي القدم
طوبى لمن كانوا عشانك خدم
صنعت لك نعليك أنا يا أخي
مستني إيه .. ما تقوم تدوس العدم
الوصية الثالثة
قالوا السياسة مهلكة بشكل عـــــــــــام
و بحورها يا بني خشنة مش ريش نعام
غوص فيها تلقي الغرقانين كلهــــــــــم
شايلين غنايم .. و الخفيف اللي عـــــام
الوصية الرابعة
لولا اختلاف الرأي يا محـــــترم
لولا الزلطتين ما لوقود انضرم
و لولا فرعين ليف سوا مخاليف
كان بيننا حبل الود كيف اتبرم ؟
الوصية الخامسة
*إقلع غماك يا تور وارفض تلف
إكسر تروس الساقية و اشتم وتف
قال : بس خطوة كمان .. وخطوة كمان
يا اوصل نهاية السكة يا البير تجف
عجبي !!!
صحيت في فزع بسبب تلك الوصايا التي أفسدت علي الحلم الجميل، لكني خرجت للشارع أدندن الرباعيات على ايقاع سيد مكاوي ولا أعرف لماذا كنت أكرر هذه الجملة ” الدنيا من غير الربيع ميته “
بس للأسف وقف الشريط في وضع ثابت وبدأت افحص المنظر