محب عبود يكتب: فقر التعلم وباء يهدد الحياة في بلادنا
كثيراً ما يسألنى أحد الأصدقاء “إنت شايف الدنيا رايحه فين!”، وفى الحقيقه أعرف جيداً أن السائل لا ينتظرمنى إجابة، بل أن هذا السؤال ليس سوى مدخل يعبر به عن تخوفاته من المستقبل! الناجم عن تدفق قدرهائل من المعلومات والنبوءات من مؤسسات دولية تنبئ بمسقبل ملئ بلحظات صعبة! إذ أن هذه المؤسسات وحدها لها الحق فى تداول المعلومات وإجراء الاستبيانات داخل بلادنا، دون ان تقع فى مصيدة مخالفة القانون! غير أن أكثر هذه المعلومات والنبوءات أثارت رعبى هو ما أشار إليه تقرير فقر التعلم الصادر عن البنك الدولى 2019 أن 70% من التلاميذ المصريين الذين فى سن العاشرة لا يستطيعون قراءة نص مناسب لأعمارهم فضلاً عن فهمه! ولهذا أشرت فى عنوان هذا المقال إلى وباء فقر التعلم الذى سيبتلع الجميع!
مواجهة هذا الوباء تستلزم حشد وتجهيز الجيش الذى يقوم بهذه المهمة، وهم المعلمون سواء فى داخل قاعات الدرس اوخارجها، ومعهم الإداريين والعمال، ماهى أحوال هذا الجيش الآن؟ مفكك! غير مترابط! معنويات هؤلاء الجنود منخفضة! لا يثقون فى أنفسهم ولا فى قادتهم! يعانون عدم التقدير المادى والمعنوى، ويشعرون أنهم فى أدنى درجات السلم الاجتماعى! كما أن قدراتهم المهنية منخفضة!
المقارنة فى الأجور بين العاملين فى التعليم والعاملين فى مؤسسات أخرى مثل الجيش والشرطة والقضاء والمياه والغاز والكهرباء والبترول والبنوك والاتصالات تشير الى تفاوت هائل، لصالح العاملين فى تلك المؤسسات، هذا غير التفاوت بين العاملين فى ديوان الوزارة وباقى الفئات، يحصل العاملون فى التعليم بالمدارس على 200 يوم مكافأة كل عام تعرف باسم مكافأة الامتحانات، بينما يحصل العاملون بديوان الوزارة على 200 يوم كل شهرين بحد أقصى 900 يوم إضافة إلى 200 يوم المكافأة مع باقى العاملين أى يصل الرقم إلى 1100 يوم فى العام، هذا بخلاف أن من يستمر فى العمل حتى الساعة الخامسة مساء يحصل 750 جنيه شهرياً ومن يتأخر إلى السابعة يحصل على 900 جنيه شهرياً، كيف يمكن لنا أن نحتفظ بروح معنوية عالية للعاملين فى هذا الجيش بينما هم يعانون من هذا التمييز الفج!
يعانى هذا الجيش من ضآلة الأعداد أمام الاحتياجات الفعلية وقد صرح وزير التربية والتعليم السابق أنه يوجد عجز 320 الف معلم وهو رقم يكاد يصل إلى ثلث عدد المعلمين الموجودين الان، وسنقرأ شهادة لأحد العاملين فى التعليم لنعرف معا الواقع الذى يعيشه هؤلاء!( (يقول سامى أ.إ وهو يعمل بأحد المدارس المعروفة بالمعاهد القومية (أعمل فى هذه المدرسة منذ عام 2013، لقد ظللت ابحث عن عمل منذ تخرجى عام 2010 ولهذا حين قبلت بى المدرسة للعمل، لم أفكر فى شروط هذا العمل أو الراتب، واستمريت فى العمل حتى العام الدراسى 2017 /2018 احصل على الراتب الشهرى وهو كان مرتفعاً منسوباً لزملائى العاملين فى المدارس الخاصة كان راتبى قبل خصم التأمينات الاجتماعية 700 جنيه، وهو الراتب المدون بالعقد، وقد اكتشفت بعد ذلك أنه لم يكن يتم توريد هذه المبالغ للتأمينات، وكنت فى نهاية شهر يونيو من كل عام أغادر المدرسة لأعود فى شهر سبتمبر، وبالطبع كنت فى كل عام أعاود الكرة بالتقدم للمدرسة مع الراغبين فى العمل ويتم قبولى للعمل ثم فى نهاية العام الدراسى 2017 /2018 تم ابلاغى بالاستمرار فى العمل فى الصيف لأن مجلس الإدارة قرر تثبيتى اعتباراً من العام القادم ولقد قفز راتبى إلى 1200 جنيه بعد الخصومات يصل إلى 1000 جنيه تقريباً، ويمكن لك أن تقول اننى بعد 6 سنوات من العمل أتقاضى 1000 جنيه شهرياً، ….طبعاً أشعر بالمهانة! ولكن انا أفضل من غيرى كثيراً، لى زميل دفعتى حاصل على تقدير جيد جداً يعمل منذ التخرج فى مقهى يرص المعسل للزبائن!!).
فى بلد لا يحكم فيه القانون لايوجد مستقبل، حين تتجاهل الدولة القوانين الظالمة التى تضعها هى بمعزل عن ارادة الشعب، وتتمثل فى هذه الحالة فيما يعرف بقانون الكادر، لتنفذ قوانين للبلطجة، تعتمد فيها على الاستغلال المجحف لازمة البطالة التى تسبب فيها هؤلاء الذين يديرون البلاد منذ عقود طويلة، لتعقد مع المواطنين عقود هى اقرب لعقود الاذعان منها لعقود متكافئة بين طرفين، يجبر فيها الطرف الاول (صاحب المدرسة او مديرها او مدير الادارة او وكيل الوزارة او مجلس الامناء) الطرف الثانى وهو المعلم على العمل بدون اى ضمانات لاستمرار التعاقد، فيستطيع الطرف الاول انهاءه فى اى لحظة كما انه فى معظم العقود ينتهى التعاقد فى نهاية شهر 5 أو شهر 6 واحياناً نهاية شهر 8 ، ليعاود المعلم التقدم مرة اخرى للعمل مع بدء العام الدراسى الجديد، السؤال هل هذا يتم فى مدارس الحكومة، نعم …السؤال الثانى ولماذا يقبل المعلم ؟ يقول المثل العامى ( ماذا رماك على المر ….قال لك الأكثر مرارة).
كيف تجاوزت الدولة القانون؟ هذا المعلم يعمل بمدارس حكومية، وتحت اشراف التوجيهات، وادارة المدرسة، فهو لم يتسلل خفية الى قاعات الدرس، والقانون 155 المعروف بقانون الكادر قد حدد الانماط الوظيفية للعمل بالدولة فى 6 انماط، وقد حدد بداية السلم الوظيفى لهؤلاء الذين يعملون بالمدارس الحكومية، بدرجة المعلم المساعد، إذن كل هؤلاء الذين يعملون بمدارس الحكومة هم اما معلم مساعد او معلم او معلم اول او معلم اول أ او معلم خبير او معلم كبير، على الدولة اذا ارادت ان تحترم القانون ان تعترف بهؤلاء الزملاء معلم مساعد منذ لحظة عملهم الاولى بالمدارس الحكومية، على ان تعطيهم حقهم فى الدرجات الوظيفية اعتباراً من هذا التاريخ.
خطوات عاجلة لابد من اتخاذها قبل بداية العام الدراسى المقبل
1. رفع متوسط أجور المعلمين إلى ما يساوى 750 دولار حسبما أشارت منظمةاليونسكو والبنك الدولى، مع بدء خطوات جادة ومدروسة للقضاءعلى ظاهرة الدروس الخصوصية.
2. الالتزام بالنص الدستورى الوارد فى المادة ( 19) …والتعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون…. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.)، على أن يتم رفع نصيب المنظومة التعليمية إلى 25% من الموازنة العامة خلال 4 سنوات القادمة.
3. التعاقد مع جميع المعلمين الذين على رأس العمل خلال العام الدراسى 2022 / 2023 بدرجة معلم مساعد وتسوية أوضاع كل من تجاوزت مدة خدمته العامين، حسب القانون.
4. إعادة التكليف لخريجى كليات التربية، على أن يتم استدعاء خريجى كليات التربية دفعة 2021 / 2022 فوراً وتدريبهم خلال فترة الاجازة الصيفية، وكذلك خريجى دور مايو دفعة 2022 / 2023 ، على أن يتم تكليف 55% منهم للعمل فى الحلقة الاولى من التعليم الأساسى ( المرحلة الابتدائية)، و 25% منهم للعمل بالمرحلة الاعدادية، والباقين بالمراحل التعليمية الأخرى.
5. معاملة المعلمين العاملين بالمعاهد القومية، والمدارس الخاصة وفقاً لنفس قواعد المعاملة المادية للعاملين بالمدارس الحكومية كحد أدنى لهم.
6. بدء تدريبات رفع الكفاءة المهنية للعاملين بالتعليم خلال الإجازة الصيفية القادمة، على أن تتم التدريبات فى المدارس التى يعملون بها، وخلال فترات الدوام