مجلة التحالف| نقابات العاملين بالزراعة والصيد بين سندان الدستور والقانون ومطرقة الممارسات التعسفية
بقلم / وائل توفيق – عضو المكتب السياسي بحزب التحالف الاشتراكي
باتت قضية تنظيم أصحاب المصالح المشتركة من المكاسب الكبرى، التي نجحت الطبقة العاملة في تحقيقها، وانتزاع الحق في تأسيسها، بعد أن اكتشفوا أن حاجتهم إلى التوحد في مواجهة أصحاب العمل المنظمين أصلاً، كونهم -أي العمال- الطرف الأضعف من طرفي علاقات العمل.
وفي السياق ذاته؛ أصبحت أهمية تنظيم الفلاحين في نقابات تمثلهم أمراً ملحاً بعد تزايد الهجوم على حقوقهم السياسية والاقتصادية، ووجود أهمية في السعي إلى تكوين تشكيل تنظيم ديمقراطي مستقل، ولا شك أن وجود تنظيمات سلمية الطابع وعلنية المقصد تعبر عن فئة ما أمراً مهماً، خاصة إذا تزايدت الانتهاكات التي تتعرض لها حقوقهم.
فبعد أن تزايدت عمليات انتهاك حقوق الفلاحين في مصر، بدايةً من إهدار حقوقهم كأصحاب الحق في حيازة الأراضي التي غير أنها تعد مصدر رزقهم الوحيد؛ فهم من يسيل عرقهم ويفنوا حياتهم لتخضيرها، وحتى تثمر للمجتمع ما يطعمهم ويحييهم، ناهيك عن ظروف العمل الصعبة لمن يمتهن هذه المهنة، وفي ظل القصور الشديد والواضح للتنمية في الريف المصري، والتراجع المستمر في تقديم الخدمات “صحة وتعليم وطرق وصرف..إلخ”، ليس هذا فقط؛ بل إن الأمر وصل إلى حد عدم الاعتراف بمهنة عمال الزراعة في قوانين العمل، وهو الأمر الذي يؤدي إلى عدم قدرتهم في الحصول على حقوقهم حالة العبث بها وانتهاكها، أيضاً تراجع دور الجمعيات الزراعية، وزيادة تكلفة إنتاج المحاصيل الزراعية، بسبب الزيادات المستمرة في أدوات الإنتاج.
كل ذلك وغيره جعل من الضروري أن ينظم الفلاحون أنفسهم في كيانات تدافع عنهم وعن حقوقهم المهدرة، وللعمل من أجل تحسين شروط وظروف عملهم، وبغرض الدفع من أجل الاهتمام بالريف المصري وجعل تنميته على قائمة المسئولين، كيانات تعمل من أجل الدفاع عن حقوقهم المدنية والاقتصادية والاجتماعية بأنفسهم، من خلال عملهم المنظم والمشروع، القائم على أساس من الاختيار الحر للأفراد في تشكيل تكويناتهم التي تعبر عنهم، ما دامت أنها قامت على أساس العمل السلمي المشروع، والتي نصت عليه الاتفاقيات والعهود الدولية، وكذلك الدستور المصري المعمول به حالياً “دستور 2014”.
لهذا سرعان ما اشتبكت مجموعات من الفلاحين بعدد من القرى المصرية؛ بشمال البلاد وجنوبها مع الحركة النقابية المستقلة التي بدأت منذ عام 2009، وانطلقت بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وعملوا على تشكيل المئات من نقابات الفلاحين، وتزامن ذلك مع غياب أية تنظيمات فلاحية فاعلة وغياب دور نقابات العمال الزراعيين في الريف المصري، ولذلك فإن الفلاحين سيكون لديهم فرصة أفضل لعمل جماعي على مدى أطول، واتخاذ أشكال تنظيمية أرقى وأكثر وعياً، وانطلاقاً من هذا فإن الفلاحين والعمال الزراعيين يستطيعون من خلال عملهم الجماعي المنظم أن يجعلوا من تلك الروابط أطراً للدفاع عنهم والتعبير عن رأيهم وتمثيلهم والدفاع عن مصالحهم.
والمثير للدهشة أن من يقوم بشن الحرب على الحرية النقابية والحق في التنظيم النقابي والنقابات المستقلة.. وزارة القوى العاملة، وهو ما يعكس توجه واضح وقاطع الدلالة على انحياز الحكومة لطرف ثبت فشله في الدفاع عن حقوق العمال أكثر من نصف قرن؛ وهو اتحاد نقابات عمال مصر الحكومي.
وعلى الرغم من أن الحق في التنظيم والتجمع مكفول بموجب اتفاقيات منظمة العمل الدولية والدستور المصري 2014 إلا أن تلك المضايقات استمرت وتطورت أساليبها ومنها:
تعُرض قيادات عدد من نقابات الفلاحين والصيادين للملاحقات والتلفيقات الأمنية لأعضائها؛ كما حدث مع نقابة صيادي الجزيرة الخضراء بمحافظة كفر الشيخ، والتي صدر ضد رئيس مجلس إداراتها “كمال حسن”؛ حكماً بالحبس لمدة عام في مارس 2014، في الجناية رقم 29 لسنة 2014 بتهمة مطاطة “مقاومة السلطات”، انتقاماً منه لدفاعه عن حقوق صغار الصيادين.
ومن ناحية أخرى؛ تعرضت نقابة صغار المزارعين بالإمام مالك بالبحيرة منذ عام 2011، لضغوط كثيرة كادت أن تعصف بنشاطها، لكن الهجمة ضد النقابة زادت بعد تقديمهم لمركز الشرطة في أوائل شهر إبريل 2014، طلبا للتصريح لهم بالتظاهر ضد قرار وزير الزراعة المتعنت برفع أقساط ثمن أراضيهم، رغم قيامهم بسداد أقساط الأرض على الأسعار القديمة.
وذلك بعد أن لعبت النقابة دوراً في مواجهة تعسف جهات الإدارة وفسادها خاصة في مجال تسليم السماد، وتمكنت من وقف محاولات الإدارة رفع أسعار الكهرباء والصيانة لمواتيرهم التي تروي أراضيهم، والتف حول النقابة المئات من الشباب وصغار المزارعين نتيجة نشاطها المباشر في خدمة مصالح صغار المزارعين.
حيث قامت قوات من الأمن العام في شهر يوليو 2014 بالقبض على بعض أعضاء نقابة فلاحي البحيرة بعد رفعهم أمام مجلس الوزراء بالقاهرة أوراقاً تفيد إعفاءهم من أقساط ثمن الأرض التي لا تزيد مساحتها عن فدانين ونصف، والتي دفعوها أكثر من مرة، واحتجزتهم قوات الأمن بقسم السيدة زينب عدة أيام قبل إخلاء سبيلهم على ذمة قضية تظاهر.
وكما تعرضت نقابة الخلطة بمحافظة الفيوم للعديد من الحملات البوليسية، عقاباً لهم على دفاعهم عن أراضيهم، فهي النقابة التي تأسست بهدف أساسي لمؤسسيها، وهو مواجهة محاولات عائلة “والي” طردهم من أراضيهم، وأشهرت في مايو 2011، وفي حملة بوليسية هجمت قوات الأمن على الأرض وقبضت على العشرات من الفلاحين وسلمت الأرض لعائلة “والي”، وفي شهر مايو 2014 قبضت الشرطة على العشرات من أعضاء نقابة الخلطة بعد تمكن أعوان وزير الزراعة السابق من استصدار أحكام بحبسهم عشرات السنين، وللأسف وتحت الضغوط تنازلوا عن الأرض لصالح عائلة “والي” وإجهاض عمل نقابتهم، وأجبروا أعضاء النقابة على توقيع إقرارات تفيد بيع أراضيهم للعائلة المذكورة.
وواجه عدد من أعضاء نقابة أطسا لصغار المزارعين، إلى تلفيق قضايا حرق وإرهاب، باستغلال أحداث عناصر تيار الإسلام السياسي في 2013، وزاد تهديد الأمن للأهالي حتى الآن، واستمرت الملاحقات الأمنية وحملة التخويف بالقرية ضد أعضاء النقابة لإبعاد الأهالي عن أنشطتهم، خاصة أن أحد قادتها تم القبض عليه بدعوى انتمائه لتنظيم الإخوان، وأجهض حلم أهالي القرية في تملك منازلهم، ووقف حبسهم من قبل هيئة أملاك الدولة، التي تدّعى ملكيتها أراضيهم وتفرض عليهم مبالغ طائلة كل عام، على الرغم من كفالة الدولة لدعم حقوقهم في السكن، وأجهضت تجربتهم الوليدة بعد تهديد باقي الأعضاء بالقبض عليهم وحبسهم.
ومورس ضد أعضاء نقابة صيادي الإسماعلية التي تأسست في 2011، تعسف قوات الأمن التي تقبض على الصيادين بشكل مستمر، وتلفق لهم عشرات القضايا باعتبارهم مخالفين لقوانين الصيد، وتصادر مراكبهم وأدوات صيدهم، وللأسف تحرر ضدهم قضايا عسكرية.
حاول بعض أعضاء النقابة التقدم بشكوى ضد ممارسات قوات الأمن بالمحافظة فقبضت قوات الأمن عليهم بدعوى مخالفته لقرار الهيئة المتعلقة بتنظيم الصيد في المجرى المائي، وهددته بتوجيه تهمة المشاركة في تنظيم الإخوان مما أدى إلى خوف معظم الصيادين.
كما قام رئيس مباحث مركز دسوق بعمل القضية رقم 3369 لسنة 2014 جنح مركز دسوق ضد رئيس نقابة صغار المزارعين بدسوق بعد اتهامه بتوزيع منشور بعنوان “عايزين حقنا” يحتوي على مطالب النقابة بضرورة توزيع الأرض على صغار الفلاحين وإلغاء ديون المتعثرين في سداد بنك التنمية، وضرورة دعم الدولة لمستلزمات الإنتاج، وللأسف فإن العمدة وبعض فلول حزب الرئيس المخلوع مبارك قد شهدوا على النقيب بتوزيع أوراق من شأنها قلب نظام الحكم.
وتعرض أعضاء نقابة قوته قارون لصغار المزارعين للعديد من الضغوط المتتالية على أعضائها؛ والتي كان منها إرهاب “أحمد جنيدي”، وهو شاب معاق في العشرينات، دخل نقابة الفلاحين ليدافع عن أرض أجداده كي تستمر في إنتاج المحاصيل.
وفي شهر يوليو 2014 قام جنيدي بتأسيس صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي باسم “فلاحين بلا حقوق.. صامدون حتى العدالة” ونشر عليها صور الحقول، ومشاكل المزارعين، ومظالمهم من مدعين الملكية أبناء عائلة يوسف والي وزير زراعة عدد من حكومات مبارك، وفوجئ في شهر نوفمبر بتحرير محضر ضده يحمل رقم 3392 لسنة 2014 إداري يوسف الصديق من محامي عائلة “والي” يتهمه بنشر الفوضى وتوزيع منشورات تعيب في شرطة وجيش البلاد.
تأسست نقابة قوتة قارون بالفيوم في مايو 2011 من مجموعة من صغار المزارعين المتضررين من سياسات الإصلاح الزراعي وخصوم عائلة وزير زراعة نظام ما قبل الثورة د.يوسف والي منذ تطبيق القانون 96 لسنة 92، وتأثرت المجموعة بمشكلتهم الرئيسية وهي تمليكهم الأرض ووضع أياديهم على أراضي هيئة الإصلاح، غالبيتهم شاركوا في الاحتجاجات وموجات الغضب منذ 2011 للمطالبة بحقوقهم في وقف فساد هيئة الإصلاح وتمليكهم الأرض التي يضعون أيديهم عليها.
وحاولوا عبر اجتماعاتهم التنظيمية حل المشكلات المتعلقة بتجميع الاشتراكات والانخراط في العمل النقابي لمواجهة تعسف السلطة والدفاع عن مصالح الأعضاء، ونظموا احتجاجات أمام مكاتب وزارة الزراعة والجهات الرسمية ذات الصلة بمنازعتهم.
تواجه نقابات العاملين في الزراعة والصيد في مصر العديد من المعوقات التي تعيق عملها وتقلل من فعاليتها. ومن بين هذه المعوقات:
1- قيود التنظيمات الحكومية: تفرض الحكومة المصرية قيودًا كثيرة على عمل النقابات وتتحكم فيها بشكل كبير، مما يمنعها من القيام بمهامها بشكل فعال.
2- ضعف البنية التحتية: تعاني النقابات في الزراعة والصيد من ضعف البنية التحتية والتجهيزات اللازمة لعملها مثل المقرات والتجهيزات المكتبية والتقنية.
3- الفقر وسوء الأحوال المعيشية: يعاني الكثير من العاملين في الزراعة والصيد في مصر من الفقر وسوء الأحوال المعيشية، مما يجعلهم غير قادرين على الانضمام إلى النقابات أو الاستفادة من خدماتها.
4- عدم الوعي بأهمية النقابات: يعاني الكثير من العاملين في الزراعة والصيد في مصر من عدم الوعي بأهمية النقابات ودورها في الدفاع عن حقوقهم وتحسين ظروف عملهم.
5- الضغوط الحكومية والعمالية: يتعرض النشطاء في نقابات الزراعة والصيد في مصر للضغوط الحكومية والعمالية، مما يؤثر على حريتهم في العمل وقدرتهم على الدفاع عن حقوق العاملين.
هذا في ظل الاشكاليات والتحديات التي تواجه الحماية الاجتماعية لدى الفلاحين والصيادين في مصر، ومن بين هذه الاشكاليات:
1- غياب التأمين الصحي: يواجه الفلاحون والصيادون في مصر صعوبة في الحصول على التأمين الصحي، وذلك لارتفاع تكاليف التأمين وعدم توفره في كثير من مناطق الريف والصعوبات التي يواجهونها في الوصول إلى المرافق الصحية.
2- ضعف التغطية الاجتماعية: يعاني الفلاحون والصيادون في مصر من ضعف التغطية الاجتماعية، وذلك لعدم توفر برامج حماية اجتماعية كافية تغطي جميع العمالة الفلاحية والصيدية وعدم وجود تشريعات واضحة تحمي حقوقهم.
3- قلة الإنفاق الحكومي: يعاني القطاع الزراعي والصيد في مصر من قلة الإنفاق الحكومي، مما يؤثر على جودة الخدمات الاجتماعية والصحية المقدمة للعمالة الفلاحية والصيدية.
4- الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي: يتعرض الفلاحون والصيادون في مصر لمشاكل اقتصادية واجتماعية كثيرة، وذلك لعدم وجود فرص عمل كافية ولعدم تحقيق الأجور المناسبة، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي، ويؤثر ذلك على قدرتهم على الحصول على الخدمات الاجتماعية والصحية اللازمة.