لا حق لحي إن ضاعت في الأرض حقوق الأموات.. في ذكرى ميلاد نجيب سرور: قصة شاعر آمن بالحب وبالفقراء وقتله الظلم
كتب – أحمد سلامة
في قرية إخطاب بمركز أجا في محافظة الدقهلية وُلد الشاعر نجيب سرور في الأول من يونيو عام 1932، لعائلته تعمل في الزراعة وتحصل على قوت يومها من الزراعة وتربية الماشية على غرار سائر الفلاحين في القرية.
البيئة القاسية والفقيرة التي نشأ فيها سرور كان لها دور كبير في تأسيس شخصيته، فشبّ على رفض الاستغلال والإقطاع، والمناداة بتحقيق الحرية والعدالة في المجتمع، خاصة بعدما شاهده من كفاح أسرته ومعاناتها من أجل تعليمه.
بعدما أنهى سرور دراسته الثانوية، التحق بالجامعة لدراسة الحقوق، لكنه تركها في السنة الأخيرة كي يحقق حلمه في الانضمام إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، وهناك درس التمثيل والإخراج وتخرج منه ليبدأ حياته المهنية.
سنة 1956، بدأت رحلة نجيب سرور مع الشعر إذ نظم أولى قصائده والتي جاءت تحت اسم “الحذاء” ومن خلالها صور فيها ما عاناه والده من ظلم وقهر على يد عمدة القرية.
أنا ابـن الشـقاء
ربيب (الزريبــة و المصطبــة)
وفي قـريتي كلهم أشـــقياء
وفي قـريتي (عمدة) كالإله
يحيط بأعناقنــا كالقــدر
انضم سرور إلى الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو)، وهي إحدى أشهر المنظمات الشيوعية في مصر، وفي عام 1958، سافر سرور في بعثة دراسية إلى الاتحاد السوفييتي لدراسة الإخراج المسرحي هناك، غير أن الحكومة المصرية قررت سحب المنحة الدراسية المقدمة إليه بعد أن هاجمها بسبب السياسات القمعية.. غير أنه لم يعد إلى القاهرة فقد توجه إلى المجر بداية ثم عاد إلى مصر عام 1964.
وخلال الفترة التي قضاها سرور بالاتحاد السوفيتي ثم المجر، تزوج من طالبة الآداب السوفيتية ساشا كورساكوفا فى 23 مايو، وبعد عام رُزق بابنه “شهدي”، وهو الاسم الذي أطلقه عليه نجيب تيمنًا بالمناضل الشيوعي الكبير شهدي عطية والذي كان قد توفي في السجن.
لم يعد سرور إلى مصر إلا بعد مناشدة من الناقد رجاء النقاش على صفحات جريدة الجمهورية فى 5 يوليو بالسماح بعودته (تائبا) من منفاه في بودابست.
عاد نجيب سرور إلى مصر، ونجح في تجربته مع المخرج كرم مطاوع في مسرحية نجيب الشعرية الرائعة (ياسين وبهية) والتي قدمت خلال موسم 1964/1965، بعدها تم تعيينه أستاذا بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وهى الوظيفة التى فقدها نجيب بعد عامين.
آمنت بالحب.. من فيه يباريني
والحب كالأرض أهواها فتنفيني
إني أصلي ومحراب الهوى وطني
فليلحد الغير ما غير الهوى ديني
بعد نكسة عام 1967، كان وقع الهزيمة كبيرًا على نجيب سرور فكتب مجموعته الشعرية الأولى (التراجيديا الإنسانية)، غير أنه سافر إلى سوريا حيث قضى هناك فترة وبعد عودته عام 1969 تم إيداعه مستشفى الأمراض العقلية.
مع حلول عام 1970 أطلق الشاعر أحمد عبد المعطى حجازي على صفحات مجلة “روز اليوسف” مناشدة لانقاذ نجيب سرور من الضياع، والسماح لزوجته الروسية وولده شهدي بالقدوم إلى مصر.
وفي عام 1973 دخول سرور مستشفى النبوي المهندس للصحة النفسية والعقلية بالمعمورة، تلبية لدعوة مديرها الدكتور كمال فوال، ثم خرج منها عقب حرب أكتوبر حيث تم تعيينه في عام 1974 مديرا للمسرح القومي (براتب متواضع وبدون السماح بممارسة اختصاصاته)، وذلك عقب استغاثة زوجته الروسية بوزير الثقافة آنذاك يوسف السباعي.
ويســدل ستر الظــلام الكثيــف
عــلى مشـهد من صراع الحياة
ليبدأ في الصبح فصــل جــديد
فتمضي الجمــوع بمصباحــها
لتبحــث عـــن لــقمة ضــائعة
يرى بعض النقاد أن أعمال نجيب سرور تعرضت للاغتيال الأدبي، وتم تهميش اسمه ومساهماته في المجالات الثقافية، وهو ما دفعه إلى كتابة قصائد انتقد سياسة النظام القائم حينها ورئيس الجمهورية أنور السادات وتجاوزاتهم تجاه الوطن والشعب وخصوصًا قمع الحريات العامة وحرية التعبير والتسلط على المثقفين والتنكيل بالمواطنين، فلفقت له الحكومة -وفق آراء النقاد- التهم المختلفة وساقته إلى مستشفى الأمراض العقلية.
ارتباكات كثيرة تحملها نجيب سرور وحده، جعلته نزيلاً في مستشفي العباسية للأمراض العقلية، بعد أن أصابه اليأس، فنُقل عنه أنه قال “أنا عارف أني هموت في عمر الورد.. وساعتها هيقولو لا قبله ولا بعده، وبطانة بتقول ياعيني مات في عمر الورد.. وعصابة بتقول خلصنا منه مين بعده”.
تدهورت الحالة الصحية والمعيشية لنجيب سرور خلال الفترة الأخيرة من حياته، واشتدت دائرة التضييق الأمني عليه، فأودعته أجهزة الأمن مستشفى الأمراض العقلية، ليتوفى هناك بتاريخ 24 أكتوبر عام 1978.
الحق الحق أقول لكم: لا حق لحي إن ضاعت في الأرض حقوق الأموات
لا حق لميت إن يهتك عرض الكلمات
وإذا كان عذاب الموتى أصبح سلعة أو أحجية أو أيقونة أو إعلانًا أو نيشانًا فعلى العصر اللعنة، والطوفان قريب