كمال مغيث يكتب: أغنيات صلاح جاهين
ولد صلاح جاهين سنة 1930 فى بيت عريق فى الوطنية وفى الثقافة فأبيه قاض كبير، وجده أحمد حلمى واحد من أهم كتاب ورؤساء تحرير جريدة اللواء التى أصدرها مصطفى كامل، وبعد وفاة مصطفى كامل أصدر جريدته “القطر المصرى” ودعا لحكم الدستور وندد بالحكم الفردى للخديو عباس الثانى فحكم عليه بالسجن سنة 1909، وهو من رواد الحركة النقابية، ولذلك لم تضن عليه حكومة ثورة يوليو بإطلاق اسمه على واحد من أهم ميادين القاهرة
ولد فى حى شبرا ودرس الفنون الجميلة والحقوق، كتب الشعر صغيرا ولكن ضاقت الصحف عن موهبته وأفكاره الثورية وعندما أصدرت درية شفيق سنة 1945، مجلتها بنت النيل أصبح من أهم كتابها، وعندما قامت ثورة يوليو 1952، إنفتح الطريق أمام مجموعة كبيرة من الفنانين والشعراء للتبشير بالمجتمع الجديد كان منهم سيد مكاوى وعبد الحليم حافظ وبليغ حمدى وصلاح عبد الصبور صلاح جاهين وكانوا جميعا فى مطلع العشرينات من أعمارهم
ولثقافته الواسعة واهتماماته المتنوعة فقد كتب صلاح جاهين فى مختلف أنواع الغناء، فمن أعذب أغانيه العاطفية كتب لنجاة الصغيرة أغنية بان عليا حبه من تلحين كمال الطويل: وتقول: “بان عليا حبه من أول مابان يا ما كنت باحلم والله بحبه من زمان” وغنت له صباح من الحان سيد مكاوى، أغنية يحفظها المصريين جميعا: “أنا هنا يا ابن الحلال لا عايزة جاه ولا كتر مال، أحلم بعش أملاه أنا سعد وهنا” كما غنت له فايزة من ألحان الطويل: “ياما قلبى قاللى لأ وأنا ألاوعه لما قلبى إنشق شق قلت أطاوعه”، وغنى له محمد قنديل من ألحان سيد مكاوى: “لو كنتى ست الحسن والجمال يكون أمير أحلام غرامك أنا، ليكى أول الحدوتة فى الدلال وأنا آخر الحدوتة ليا الهنا” وغنى له قنديل أيضا من ألحان أحمد صدقى: “حلاوة زمان عروسة وحصان وآن الأوان تدوق يا وله”، وغنى له سيد مكاوى ومن ألحانه أيضا: “ليلة إمبارح مجانيش نوم وإحنا لسة فى أول يوم، قبل ماترمينى فى بحورك مش كنت تعلمنى العوم”وله من غناء ولحن مكاوى أيضا: “كان فيه زمان يا حبيبتى اتنين شبهنا تمام اتقابلوا زى انا وانتى فى حلم من الاحلام، والحلم دام على الدوام”
وله فى الغناء الاجتماعى العديد من الأغانى، منها ياصهبجية لإيمان درويش ولحن مكاوى وتقول: “ياصهبجية إيه يالاللى عاوزين شوية إيه يا لالاللى حاجة من إللى هية إيه يالالاللى ؟ حبة أهات على عين على ليلى على تراللى”، وغنى له محمد ثروت من لحن هانى شنودة: “يا طيور النورس ياللى مقابلنى، غنوا سوا كورس واهتفوا ورا منى، حياة البحر أخلى حياة ولو يقلب ويبقى نو، أنا القبطان حتنى وراه أحايله لما يصفى الجو” ، وغنت له لبلبة من لحن سمير حبيب: ” فى زنقة الستات يالافندى داخل بتعمل إيه؟ هى بس للحريمات وحضرتك هنا ليه؟
وغنى له محمد منير العديد من الاغانى منها: محنون واتكلموا وإيديا فى جيوبى
وولد وبنت، كما غنى له منير أيضا من لحن محمد الخولى: “يابنت يا أم المريلة كحلى، يا شمس هاللة وطالة من الكولة، لوقلت عنك فى الغزل قوله ممنوع عليا ولا مسموحلى”، كما غنى له أخمد عدوية من لحن ابراهيم رجب “مجنون” وتقول: مجنون مجنون سيبونى مجنون وسعيد بجنونى، واللى مجننى ما اتوب عنه حتى لو دبحونى”
وغنت له سعاد حسنى عشرات الأغنيات الاجتماعية فقد كتب لها جميع كلمات الأغانى التى غنتها فى أقلام أميرة حبى أنا وخلى بالك من زوزو ومسلسل هو وهى، كما غنت له واحدة من أجمل أغنيات الاحتجاج الاجتماعى، من لحن كمال الطويل وهى “بانوا” وتقول: “بانو بانو على أصلكوا بانو والساهى يبطل سهيانو، ولا غنى ولا صيت دول جنس غويط وكتاب ما يبان من عنوانه بانو”، وغنى سيد مكاوى وعلى الحجار من لحن مكاوى العديد من الرباعيات التى نحبها جميعا ونحفظ الكثير منها والتى أودع فيها صلاح جاهين خلاصة تجاربه وفلسفته ورؤيته للحياة وللناس، وفى مطلع الستينيات عرض مسرح العرائس ذلك الأوبريت الخالد “الليلة الكبيرة” التى شغفت المصريين جميعا حبا، وأصبح أبطالها أبطلا شعبيين كالأسطى عمارة والريس حنتيرة والعمدة والأراجوز، ويندر أن يكون هناك مصريا لا يحفظ مقاطعا طويلة منه
ورغم هذا التراث الثرى فإن اسم صلاح جاهين هو أكثر الاسماء التى ارتبطت بالغناء الوطنى لثورة يوليو وزعيمها وأحداثها المختلفة، وكان من بواكير روائع غنياته من غناء أحلام ولحن محمود الشريف والتى كتبها عقب نهاية العدوان الثلاثى، وتقول: “يا حمام البر سقف طير وهفهف حوم ورفرف، على كتف الحر وقف والقط الغلة”، كما كتب فى نفس المناسبة، من غناء أم كلثوم وتلحين الموجى: “محلاك يا مصرى وانت ع الدفة والنصرة عاملة فى القنال زفة، ياولاد بلدنا تعالو ع الضفة، شاورولهم غنولهم وقولولهم ريسنا قال مافيش محال، راح الدخيل راح وابن البلد كفى” وكانت إيقاعت ألحان كمال الطويل الحماسية هى أجمل مايناسب قصائد جاهين الثورية ولذلك فقد شكلا ثنائيا جميلا فى العديد من أغنيات عبد الحليم حافظ، مثل: ” إحنا الشعب وبالأحضان وصورة وناصر يا حرية ويا أهلا بالمعارك والمسؤلية” كما لحن له الموجى: “على ر س بستان الاشتراكية”
وبعد هزيمة 1967 القاسية المريرة التى أثرت فى جاهين تأثيرا بالغا كتب لأم كلثوم ومن لحن السنباطى: “راجعين بقوة السلاح راجعين نحرر الحمى، راجعين كما رجع الصباح من بعد ليلة مظلمة”
وفى 12 فبراير سنة 1970، قام الطيران الاسرائيلى بضرب احد مصانع منطقة ابو زعبل بالقرب من القاهرة بعدد من الصواريخ ادت الى استشهاد اكثر من سبعين عاملا، فكتب صلاح جاهين ولحن سيد مكاوى غنت المجموعة:
إحنا العمال اللى اتقتلوا قدام المصنع فى ابو زعبل
بنغنى للدنا ونتلوا عناوين جرانين المستقبل
وحدة صف الثوار جبهة لكل الاحرار عبور الجيش لسينا الزحف من الاغوار
جيش العدوان يتقهقر الارض قايدة نار والبحر قايد نار
وبعد شهرين فقط وفى ابريل من نفس العام قامت الطائرات العسكرية الاسرائيلية بقصف مدرسة بحر البقر بمحافظة الشرقيم مما ادى الى استشهاد اكثر من خمسين تلميذ واصابة العشرا غيرهم فكتب جاهين ولحن سيد مكاوى وغنت شادية:
الدرس انتهى لموا الكراريس بالدم اللى على ورقهم سال
فى قصر الامم المتحدة مسابقة لرسوم الاطفال
ايه يأيك فى البقع الحمرا ياضمير العالم ياعزيزى
كانت تلك مجرد لمحة إلى آثار صلاح جاهين الغنائية الباقية، تلك الآثار التى لم تنته حتى اليوم فإبنه بهاء جاهين شاعر جميل وابنته سامية فنانة محترمة أما ابنته أمينة فقد تزوجت من أمين حداد الشاعر الكبير ابن فؤاد حداد ومنهما معا خرج شاعرنا الشاب الرائع أحمد حداد، سلسال مصرى ثرى ورائع ومبدع.