كمال عباس يكتب: حكاية البحارة الستة
دى حكاية من الحكايات المنسية اللى عمرك ما هاتشوفها بتتحكى في برنامج تلفزيونى ولا هتقرا عنها في صحيفة.
الحكاية بدأت أحداثها من أكتر من سنتين وبالتحديد في شهر يونيو 2021، ومازالت أحداثها تجرى حتى الآن، بل ومازال أبطالها أو ضحاياها تزداد معاناتهم ومعاناة أسرهم يوماً بعد يوم، ورغم أن البحارة الستة مصريين وبالتحديد من دمياط إلا أن أحداث الحكاية كلها تدور في ميناء ليفكادا باليونان.
والحكاية بدأت عندما فوجئ البحارة الستة (زكريا محمد الخميسى، ومحمد يحيى الخميسى، وأحمد السيد حبيشى، ومحمود طه الكحكى، وصابر عبدالمعطى سليمان، وحامد محمد شرف) الذين يعملون على متن سفينة الصيد “كابتين نيكيتاس” بأن هناك بلاغ مقدم ضدهم يتهمهم بتهمة من أبشع التهم، تهمة من التهم التى تلطخ سمعة صاحبها وتجلب له العار وتجعله يعيش باقى أيام عمره يشعر بالخزي والإهانة.. خاصة إذا كان هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص من المعروف عنهم الأخلاق ويتمتعوا بسيرة حسنة بين زملائهم وبين أهل البلدة التى يعيشون بها، نعم.. فالبحارة الستة تخطوا سن الشباب وجميعهم متزوجين وأرباب أسر وآباء لأولاد وبنات ومنهم من له أحفاد، لذلك كانت الصدمة عنيفة عندما علم البحارة الستة أن هناك بلاغ مقدم ضدهم يتهمهم بالاعتداء الجنسى على السيد إڤستاثيوس ديچينيس كريستوس ويزداد عنف الصدمة عندما تعلم أن الضحية السيد إڤستاثيوس معاق ذهنيا ونسبة ذكاؤه لا تتجاوز 45% ورغم أن عمره 48 عاما وأن البحارة الستة يعيشون فى نفس الميناء الذى يعيش فيه منذ أكثر من عشرين عاما إلا أنه لم يكن بينه وبين أي منهم علاقة من أي نوع غير تبادل التحية عندما كان يمر عليهم راكبا دراجته وهو في طريقه إلى السوق وكان ذلك شأنه مع أهل البلدة جميعا.. تبادل التحية والنِكات لا أكثر.
جرت تحقيقات النيابة ونفى البحارة الستة الاتهام واستمعت النيابة إلى شهود أقروا بصحة الواقعة وشهود آخرين نفوا الواقعة تماما.
أصدرت النيابة بمنطقة ليفكادا قرارها بعدم مغادرة الصيادين الستة اليونان كشرط تقييدى وأن يدفع كل منهم 1000 يورو كضمان وعدم الاقتراب من محرر المحضر، ثم أحيلت القضية إلى المحكمة برقم ٢١ لسنة ٢٠٢٣.
وفى مذكرته يستند الأستاذ سامى إبراهيم غبن محامى أهالى الصيادين في نفى الاتهام عن البحارة الستة على عدة وقائع:-
أولا: أن شهود الاثبات عندما أقروا بشهاداتهم كانت شهاداتهم متطابقة تماما مع بعضهم البعض حرفياً وكأنهم كانوا جميعاً واقفين على باب غرفة المحركات مجتمعين يشاهدون واقعة الاعتداء -وهذا غير معقول- وإذا كان ذلك ما حدث فلماذا لم يتحرك أياً منهم لإنقاذ المدعى؟
ثانياُ: أن مكان الواقعة المذكور “غرفة المحركات” بالمركب هو مكان ضيق لا يتسع إلا لثلاثة أشخاص على الأكثر فمن المستحيل أن تجرى بها عملية اغتصاب جماعى، ومن الصعب أن يتمكن البحارة من السيطرة على المدعى واقتياده بالقوة إلى أعلى المركب ومنها إلى غرفة المحركات دون أن يلاحظهم أحد خاصة في منطقة الميناء المزدحمة خلال ساعات الصباح..
ثالثاً: أن التقرير الطبى قد جاء مخالفاً تماما لما ادعاه المدعى حيث جاء التقرير الطبي خالى تماما من أي نوع من أنواع الإيذاء الجسمانى، وجاء فيه أن حلقة الشرج الخاصة بالمدعى لم يظهر عليها أي علامة تدل على أنه قد تعرض للاغتصاب.
رابعاً: أن شهود النفى وعلى رأسهم صاحب المركب وبعض أهالى الميناء وبعض الصيادين كلهم من اليونانيين وقد أجمعوا على أن البحارة الستة يتمتعون بالسيرة والخلق الحسن، وأنهم يعيشون بينهم منذ سنوات عديدة ولم يبدر منهم أي إساءة لأحد.
ويرى الأستاذ/ سامى إبراهيم المحامى أن السر وراء هذه القضية يكمن في الخلاف بين صاحب المركب الذى يعمل عليه البحارة الستة وعمدة الميناء، وأن المدعى شقيق للعمدة والذى أراد أن يكيد لصاحب المركب فلفق هذا الاتهام للعاملين بالمركب.
وأخيرا.. أننى ومنذ أن أطلعت على ملف هذه القضية المزدحمة أوراقها بالأحداث المتشابكة وهناك سؤالان يلحان على ذهنى..
السؤال الأول: ما هى الدوافع التى دفعت البحارة الستة لإرتكاب مثل هذه الجريمة الشنعاء ضد شخص لا يحملون له أي ضغينة بل العكس فهم مثل كل أهل الميناء متعاطفون معه؟!
والسؤال الثانى: أنه رغم أن وقائع هذه القضية تجرى أحداثها على مدار أكثر من عامين إلا أن الدولة المصرية بكل هيئاتها غائبة تماما مما يجعلنا نتساءل أين السفارة المصرية فى اليونان؟ أين وزارة الخارجية؟ أين وزارة القوى العاملة؟ أين المستشار العمالى بسفارتنا باليونان؟
وقبل كل ذلك أين النقابة العامة للعاملين بالنقل البحرى؟ وأين اتحاد العمال؟
أين كل هؤلاء من قضية البحارة الستة المحتجزين منذ أكثر من عامين في اليونان، وهنا في دمياط يعيش أهلهم في قلق وترقب معلقين بين الرجاء والأمل.. يعانون قسوة العيش بعد أن انقطع مصدر رزقهم الوحيد.