كمال سدره يكتب: مفتوح على البحري
سعيد باهتمام الناس وحرصهم على حقهم في الخصوصية الرقمية، وهو ما يظهر ما بين الحين والآخر، عقب تحذيرات منظمات او مجموعات حقوقية من تغول شركة ما او حكومة ما على الحق الإنساني الأصيل في الخصوصية، حتي مع اناس لا يهتمون بالحقوق او الحريات، لكن مساس شركات او حكومات بخصوصية الناس المرتبطة ببرمجيات شعبية تستعملها شرائح كبيرة، قدم للناس فهماً سهلاً للمصطلحات الحقوقية “اللي بتستخدم عادة في حوارات او نقاشات نخبوية”.
وهو مادفع الكثيرين – بغض النظر عن الموقع الجغرافي او المستوي الثقافي- للاهتمام بموضوع شروط الاستخدام الجديدة لبرنامج المحادثات الشهير واتس آب WhatsApp واللي بتسمح للشركة المالكة للتطبيق وهي شركة فيس بوك Facebook بالاستخدام والتشارك مع آخرين ببيانات وسلوكيات المستخدمين للبرنامج.
الموضوع لسه في أوله وفيه شد وجذب بين منظمات وجماعات حقوقية وبين الشركة -Facebook- وفيه اتجاه كبير لكتير من المستخدمين لاستخدام برامج بديلة، كما حدث في الماضي القريب مع شركة Zoom ، والتي استجابت لضغوط المنظمات الحقوقية وقامت بتشفير برنامجها الشهير للاجتماعات، وبحكم عملي تواصل معي الكثير من الأصدقاء وشركاء العمل للسؤال حول الموضوع، وكانت نصيحتي الدائمة هي التحول للبرمجيات مفتوحة المصدر مثل Signal، وأيضاً مراجعة الصلاحيات اللي كل مستخدم بيمنحها للبرمجيات المثبتة على أجهزتنا سواء التليفونات أو الكومبيوتر، المراجعة ده كل فترة زمنية ومع كل انزال لبرمجية جديدة.
أتذكر أنني عملت منذ فترة بنظام جزء من الوقت (Part time) في مشروع لتطوير قدرة الذكاء الصناعي لصالح عملاق التكتولوجيا موقع جوجل “Google” كان عملي الأساسي فهم احتياجات وسلوكيات المستخدمين، شغل بسيط (تحليل بيانات مش برمجة) ولمدة قصيرة (سنة)، لكن النتيجة من شغلي وشغل الآلاف في المشروعات المشابهة في مجال Artificial intelligence الذكاء الصناعي، وخصوصاً Machine learning هي اللي بنشوفها دلوقتي من الاعلانات “المتفصلة” بدقة لتناسب احتياجاتنا وفي بعض الأحيان قبل ما تفكر انت نفسك فيها، شركات التكنولوجيا بتلم معلومات عن كل حاجة عنك وبيعالج المعلومات ده أجهزة كمبيوتر عملاقة ومن خلال رصد سلوكياتك اليومية وتجميعها من مصادر مختلفة، يقدر الذكاء الصناعي يتنبأ بخطواتك المستقبلية ويستدعي الاعلانات اللي تناسب هذه الاحتياجات المستقبلية.
القصة القصيرة القديمة دي ممكن تفهمك الموضوع بطريقة أكثر بساطة؛ في مقال لجريدة نيويورك تايمز في ٢٠١٢ (زمان أوي بمعدل تطور التكنولوجيا) تحت عنوان (?How Companies Learn Your Secrets) كيف تعلم الشركات اسرارك؟، نشرت قصة أب ذهب الي أدارة متاجر تارجت” Target” الأمريكية الشهيرة ليشكو من إرسال سلسلة المتاجر رسائل لابنته المراهقة الطالبة في المدرسة الثانوية عن عروض منتجات ملابس واثاث خاص بالاطفال حديثي الاولادة، واعتبر هذه الرسائل الغريبة تشجيع لابنته المراهقة علي الحمل في هذه السن، بالطبع اعتذر موظف الشركة عن هذه الرسائل والتي بالتأكيد ارسلها نظام التسويق الالكتروني للشركة بالخطأ، وتعهد بالتحقيق في الامر وايقاف ارسال مثل هذه العروض غير اللائقة، ولكن لاحقاً تم اكتشاف ان الابنة المراهقة اشترت اختبار حمل من سلسلة المتاجر وتم ربط عملية الشراء هذه علي برنامج متابعة العملاء، وبعد فترة من عملية الشراء وبناء علي برمجة نظام التسويق الالكتروني تم ارسال رسائل دعائية عن المنتجات التي عادة تشتريها الحوامل.
القصة دي وغيرها كتير، وخصوصاً ما يتعلق بظهور إعلانات لموضوعات لسه بنفكر فيها – علي حد تعبير البعض – بتدل علي أن الشركات دي أو غيرها من المهتمين بمراقبتنا يعرفوا، أو يقدروا يعرفوا، ببساطة لو عندك تليفون محمول وكمبيوتر وساعة ذكية، كل دول يقدوا يعرفوا مواعيد أنشطتك اليومية والأسبوعية والسنوية والموسمية، وسلوكياتك في الاوقات دي مربوطة بموقعك الجغرافي ومربوطة بسرعة نبضات قلبك ونسبة الأكسجين في دمك، وربط ده ببيانات أشخاص آخرين مشتركين في الموقع الجغرافي أو شبكة التواصل الاجتماعي أو قرابة من أي نوع، وربطها كمان ببيانات من الشركات اللي بتتعامل معاها أو كاميرات المراقبة، ولو عندك أجهزة منزلية الكترونية ذكية، ممكن يعرفوا امتي استخدمتها ونوع الاستخدام ومدته ومعدل تكراره الزمني، ده بخلاف سلوكياتك علي مواقع الانترنت المختلفة، واللي فيه شركات شغلتها تجميع المعلومات دي كلها عنك من شركات كتير تانية مكسبها الاساسي من بيع معلوماتك زي فيس بوك وجوجل Google و Facebook، وشركات تجميع البيانات دي ظهر تأثيرها بوضوح في فضيحة التأثير علي الناخبين في الانتخابات الرئاسية الامريكية ٢٠١٦ واللي شركة بريطانية اسمها Cambridge Analytica اشترت بيانات المستخدمين من شركات كتير كبيرة اكبرها Facebook واستخدمتها لتوجيه الناخبين لمرشح معين وهو ترامب ، ببساطة كل المعلومات دي وغيرها وعن طريق أجهزة كمبيوتر عملاقة وبرامج ذكاء صناعي متطورة -اكبر بكتير من قدرات اي بشر- تعرف عنك اكتر ما انت بتعرف عن نفسك وتقدر مش بس تعرف ايه اللي هتعمله لا تقدر كمان توجهك للي هي عايزاه.
فيلم رعب مش كده؟! بس شطارتك انك تتحكم في البيانات اللي عايز تشاركها مع الشركات او المنظمات قدر المستطاع، اتذكر زميل في العمل، بيشتغل استاذ في احد الجامعات الاوروبية في مجال الأمان الرقمي، لما بنسافر في مهام عمل مع بعض بيستخدم البوصلة التقليدية مش Google Maps، ومعندوش كارت أئتمان بيتعامل كاش وبس، وحتي تليفونه شاري تليفون بدون نظام تشغيل وهو اللي مفصل نظام تشغيل لنفسه بدون برمجيات تتبع، وعندي قصص للصبح عن سلوكياته تجاه الحفاظ علي خصوصيته، لكن هو اووفر اوي الصراحة وبتطرف ومعظم الناس اووفر اوي برضه ناحية التفريط في خصوصيتهم، خليك متزن في النص اولاً تعرف ايه المعلومات اللي بتشاركها؟ وثانياً تبذل مجهود انك تقلل المشاركة قدر المستطاع وتتحكم فيها، لان الحق في الخصوصية حق انساني اصيل.
*قد يري البعض مبالغة في تناولي للموضوع، مش بالضرورة قدر المعلومات ده، يكون في كل دولة وكل مجتمع وفي نفس الوقت، ولا بالضرورة تكون الآلية دي موجهة لشخص بعينه، لكنها بيانات عامة قد تستخدم بشكل فردي شخصي، واذا ارادات بعض الجهات استخدامها تجاه اشخاص بعينهم لفعلت، انها للاسف الحقيقة الحالية او “اللي نعرفه او اللي مسموح بمعرفته” ولا احد يعرف ما يخبئه المستقبل في هذا المجال، وارجو ان لا تصاب بتوتر او خوف زائد، لكن عليك ان تخاف علي خصوصيتك بدرجة معقولة،انه خوف صحي ذلك الخوف يظل دافعاً لحرصك على خصوصيتك واستمرارك “واخد بالك عليها”.
خبير الأمان الرقمي بالمنظمة الدولية للأمان الصحفي