كراسات التحالف|لماذا لا تصلح خطة الحكومة للخروج من الأزمة الاقتصادية؟.. استمرار الاقتراض والخصخصة وتنمية “هشة” والتضخم تجاوز “الخط الأحمر”
الكراسات: خطة حكومة مدبولي تستبق الحوار الوطنى وتفرغه من مضمونه.. وخصخصة الموانىء الكبرى “أمن قومى”
اعتراف بالأزمة وتنصل من المسؤولية عنها وإعادة لإنتاج السياسات المسببة لها.. والاقتراض الخارجي انتقل للمرحلة الصعبة
تناقضات واضحة وبيانات انتقائية وجزافية: تقديرات أعباء أزمة أوكرانيا ومعدل البطالة وغيرها تحتاج لمراجعة وضبط وتصويب
فوائد الديون تلتهم النسبة الأكبر من موارد الدولة وتصل إلى ٦٩٠ مليار جنيه فى موازنة ٢٠٢٢-٢٠٢٣.. وعجز الميزان التجارى وصل لحوالى ٤٤ مليار دولار
“الإصلاح الاقتصادى” اعتمد على المصادر الهشة لا تنمية الهياكل الإنتاجية.. و”الأموال الساخنة” تخارج منها في الشهور السابقة أكثر من ٢٠ مليار دولار
“المشروعات القومية” تتسم بالبذخ وغياب العائد الاقتصادى.. واستنزفت الموارد والقروض ودخلت أزمة تباطؤ بحكم الأمر الواقع
خطوات لوقف نزيف الديون: ترشيد الإنفاق العام وخطة تنمية مستدامة وحد أعلى للفوائد ووقف بيع الأصول وتحويل الديون المصرفية لمساهمات في مشروعات
مطالبة بعمل حوار وطني حول أولوية المشروعات وكيفية النهوض بالزراعة والصناعة ووضع خطة لاستخدامات أراضي الدولة
فند حزب التحالف الشعبي المحاور الرئيسية التي طرحها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفي يوم 15 مايو الماضي، لإعلان خطة الحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، والتي شهدت الاستمرار في السياسات التي تقلص القطاع العام، وتزيد نفوذ القطاع الخاص وحصته من الناتج المحلي، بالإضافة إلى طرح عدد من المشروعات المملوكة للدولة وانسحاب الدولة من بعض القطاعات، فضلا عن تجميع 7 موانئ مصرية كبري وكذلك تجميع فنادق كبري في شركة وطرحها في البورصة.
وقال الحزب في إصدار “كراسات التحالف” تحت عنوان “لماذا لا تصلح خطة الحكومة للخروج من الأزمة”: “إننا نعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة، والحكومة لها أكثر من 8 سنوات تطبق السياسات الاقتصادية والمالية نفسها من وزارة المهندس إبراهيم محلب إلى وزارة المهندس شريف إسماعيل وصولاً إلى حكومة الدكتور مصطفي مدبولي منذ يونيو 2018 وحتى الآن، حيث استمرت سياسات الاقتراض المحلي والخارجي، وسياسات الخصخصة وبيع الأصول، وكل السياسات التي فرضها صندوق النقد كشرط للقروض التي حصلت عليها مصر، وبدلاً من حدوث تنمية حقيقية وجدنا تدهور عام في كل مؤشرات الاقتصاد المصري، وأزمات متتالية مرتبطة بطريقة إدارة الاقتصاد المصري، تزيدها الأزمات الخارجية مثل جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية”.
وأكد الحزب رفضه استمرار تنفيذ السياسات التي ثبت بالتجربة العملية أكثر من مرة فشلها وتسببها في تفاقم الأزمة وعدم تقديمها حلولا، مع تحمل الكادحين أعباء الأزمة، طارحا رؤيته بشأن الخروج من فخ المديونية.
ووفقا لـ”كراسات التحالف”، تستبق خطة حكومة مدبولى الحوار الوطنى وتفرغه من مضمونه.، في الوقت الذي تعد خصخصة الموانيء الكبرى خط أحمر وقضية أمن قومى، رافضة اعتراف الحكومة بالأزمة مع تنصلها من المسؤولية عنها، وإعادة لإنتاج السياسات المسببة لها.
وكشفت “الكراسات” عن تناقضات واضحة وبيانات انتقائية وجزافية بشأن تقديرات أعباء أزمة أوكرانيا ومعدل البطالة وغيرها تحتاج لمراجعة وضبط وتصويب، فضلا عن تجاوز التضخم الخط الأحمر، تزامنا مع رفع سعر الفائدة الذي يزيده تفاقما بدلا من أن يعالجه.
وأوضحت أن الاقتراض الخارجي انتقل من المرحلة السهلة للمرحلة الصعبة من حيث التكلفة والمشروطية، وأن فوائد الديون تلتهم النسبة الأكبر من موارد الدولة وتصل إلى ٦٩٠ مليار جنيه في موازنة ٢٠٢٢-٢٠٢٣، في الوقت الذي يتحدثون عن زيادة الصادرات ويتجاهلون زيادة الواردات بدرجة أكبر، وعجز الميزان التجاري الذي وصل لحوالى ٤٤ مليار دولار.
كما أشارت إلى أن النموذج الاقتصادى المصرى لما يسمى الإصلاح الاقتصادى اعتمد على المصادر الهشة لا تنمية الهياكل الإنتاجية، وفى المقدمة الأموال الساخنة التى تخارج منها فى الشهور السابقة أكثر من ٢٠ مليار دولار (370 مليار جنيه)، وأن ما تسمى المشروعات القومية التي تتسم بالبذخ وغياب العائد الاقتصادى استنزفت الموارد والقروض، ودخلت لأزمة تباطؤ بحكم الأمر الواقع.
وإلى نص رؤية الحزب:
وشهدت الأيام الماضية سيلا من المواقف والتصريحات والخطط الحكومية من الدكتور مصطفى مدبولي ووزرائه، تتعلق بالأزمة الاقتصادية الراهنة، ومقترحات الحكومة لمواجهتها.
واجمالا يمكن القول بأن ما يميز الموجة الحالية من التصريحات والمواقف الحكومية، هو إقرارها بواقع وحقيقة الأزمة الاقتصادية الراهنة، ولكنها تتنصل من مسؤولية الحكومة وسياساتها عنها، بل تشيد بالسياسات السابقة التى تعتبرها إنجازات، وتلقى بالأزمة كلها على الأزمة العالمية متمثلة تحديدا فى آثار الحرب الأوكرانية التى تلت أيضا أزمة كورونا. وعلى الرغم من الاعتراف على استحياء، بعدم كفاية المدخل القديم للسياسات الاقتصادية الذى يركز على السياسات النقدية لمكافحة التضخم الزاحف، والذى ورد على لسان مدبولى على هامش المنتدى الاقتصادى المصرى التونسى، وهو ما قد يمكن فهمه على أنه نقد للمدخل النقدى المميز عموما للاتفاقات السابقة مع الصندوق، وما يقتضيه ذلك من مداخل أخرى تركز أكثر على الإنتاج، فإن المسار الحالى لمقترحات وخطط الحكومة لا يعدو أن يكون تكريسا وإعادة لإنتاج نفس السياسات القديمة التى أدت للأزمة الاقتصادية العميقة الحالية.
ويهمنا فى معرض تحليل ونقد التصريحات والخطط الحكومية الأخيرة أن نرد على عدد من التصريحات، ونشير لعديد من الحقائق على النحو التالى :
اولا – أننا نرفض بشكل أولى ومطلق ما كشف عنه رئيس الوزراء من خطة حكومية لتسييل أصول للدولة المصرية تصل قيمتها إلى ٤٠ مليار دولار على مدى أربعة سنوات، وطرحها للخصخصة سوءاً فى البورصة أو البيع المباشر لمستثمرين أجانب أو محليين. ويثير قلقنا واستهجاننا خصخصة ١٠ شركات عامة منهم ثمانية شركات للقطاع العام وشركتين فقط تابعتين للجيش. وفوق ذلك الحديث عن ضم أكبر سبعة موانئ مصرية فى شركة قابضة واحدة تمهيدا لطرحها للخصخصة فى إطار تلك الخطة، وهو الأمر الذى يعنى أن الخصخصة تجاوزت مرحلة خصخصة وتصفية الشركات إلى مرحلة بيع المرافق الاستراتيجية للدولة وصولا للموانئ التى تعتبر خطا أحمر للأمن القومى المصرى. ونحذر عموما من الإعلان عن الانسحاب المخطط للدولة من النشاط الاقتصادى لصالح القطاع الخاص أجنبى ومصرى، بالتخارج من قطاعات عديدة وتصفية شركات متعددة وطرح أصول للخصخصة تصل إلى ٤٠ مليار دولار، وتحجيم دور الدولة حتى فى القطاعات الخدمية الأساسية المنصوص عليها دستوريا كالتعليم والصحة.
ثانياً – أشارت تصريحات رئيس الوزراء إلى تقديراته الخسائر المحتملة لمصر من الحرب الأوكرانية والموقف الدولى، وقد جائت تلك التقديرات فيما نرى مبالغا فيها بشدة، للتغطية فيما يبدو على الأوضاع المتردية أصلا بفعل السياسات الحكومية الصندوقية المشتركة فى الفترة الماضية. فرئيس الوزراء يتحدث عن أعباء قدرها بنحو ١٣٠ مليار جنيه تأثيرات مباشرة للأزمة الأوكرانية الروسية، نتيجة زيادة أسعار السلع (القمح والوقود) و٣٣٦ مليار جنيه تأثيرات غير مباشرة، فسرها بأنها لمواجهة التداعيات غير المباشرة مثل زيادة الأجور والمعاشات ودعم السلع. تلك إذن ٤٦٥ مليار جنيه أعباء إضافية للحرب وفق قوله. ومن غير الصعب أن نرى فى مثل تلك الأرقام الجزائية ازدواجية فى الحساب، فبعد أن حسب آثار ارتفاع السلع التى زادت بفعل تلك الحرب، عاد يضم معها أيضا زيادة الأجور والمعاشات كنتيجة، وهو فيما نرى بند آخر ليس له علاقة بآثار الحرب. ازدواج واضح ومبالغ فيه للغاية. ثم أن مايتحدث عنه أصلا من زيادة فاتورة القمح والبترول غير دقيق أصلا. فالبيانات المتاحة عن الميزان التجارى البترولى لمصر تشير لأن مصر تضررت وأيضا استفادت من زيادة أسعار البترول والغاز، لأنها دولة مستوردة ومصدرة أيضا، وهذا مايتجاهله عرض مدبولى، كما أن استفادتها أكبر من تضررها، رغم أنه يتذكر هذا تماما حين يتحدث عن طفرة فى الصادرات وصلت معها وفق قوله إلى ٤٥ مليار دولار.
ثالثاً – الأزمة تعود فى جذورها لسياسات الحكومة وعجزها وعجز برنامجها مع الصندوق عن إحداث تحول حقيقى فى الهياكل الإنتاجية لمصر لصالح القطاعات الإنتاجية والصناعية والتصديرية، واستمرار اعتماد الإقتصاد على عدد محدود من المصادر الهشة والريعية، كالقروض الخارجية، و تحويلات العاملين فى الخارج، والأموال الساخنة التى تسعى للاستفادة من سعر الفائدة المرتفع للغاية فى مصر إذا وجد. وقد تجاوزت مصر المرحلة السهلة فى الاقتراض الخارجى بعد أن وصلت مديونيتها إلى ١٤٥ مليار دولار، وأصبحت الحكومة مضطرة للدخول للاقتراض الخارجى الصعب من زاوية ارتفاع التكلفة، وتزايد المشروطية، سواء بسندات دولارية بسعر من بين الأعلى فى العالم، أو رفع سعر الفائدة المحلية فى محاولة عبثية لإعادة جذب ما يسمى الأموال الساخنة التي اعترف مدبولي بتخارج ٢٠ مليار منها من مصر فى الشهور الماضية. وجدير بالذكر أن رفع سعر الفائدة أول أمس وحده بنقطتين مئويتين سيكلف الخزانة المصرية حوالى ١٠٠ مليار جنيه فوائد إضافية، وهو ما يزيد عن ارتفاع أسعار السلع بسبب حرب أوكرانيا.
رابعاً – نتيجة لذلك فقد أصبحت المديونية الحكومية الكبيرة تمثل مشكلة حقيقية تثير القلق، ولا تجدى فى معالجتها التطمينات التقليدية التى تقول انها مازالت فى الحدود الآمنة. وبالأخص فإن الديون الخارجية قد تضاعفت منذ عام ٢٠١٠ أكثر من أربع أمثال من ٣٣.٧ مليار دولار فقط إلى ١٤٥ مليار دولار حالياً. واذا كانت كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي فى حدود ٤٠ فى المائة فقط، فإنها وبإضافة الدين الداخلى تتجاوز النسبة ٩٠ فى المئة، وهى تفوق المعدلات الآمنة. وبينما تقول الحكومة إنها تستهدف خفض نسبة الديون للناتج المحلى إلى ٧٥ فى المئة فقط مع عام ٢٠٢٦، فإن ذلك مشكوك فيه للغاية فى ظل مايعلن عنه من مخططات لاقتراض ٧٣ مليار دولار إضافية عن طريق بيع سندات حكومية دولارية.
وفى ظل ذلك الوضع فإن أهم سمة تميز الديون المصرية ليس فقط نسبتها للناتج المحلى الإجمالي بل ارتفاع تكلفة خدمتها نتيجة الاقتراض بسعر فائدة مرتفع خارجياً وداخلياً، ولذلك تزايدت فوائد الديون وأصبحت أكبر بند يستنزف موارد الموازنة العامة للدولة. وقد قدرت فوائد الديون فى موازنة ٢٠٢١ – ٢٠٢٢ ب ٥٧٩ مليار جنيه، وباضافة اقساط الديون وقدرها ٥٩٣ مليار يكون إجمالى خدمة الدين ١.٣٦٥ مليار جنيه بما يساوى ٨٦ فى المائة من إيرادات الموازنة. ومن المقدر أن تتزايد فوائد الديون فى موازنة ٢٠٢٢ – ٢٠٢٣ بنسبة كبيرة تصل إلى ١٩.١ فى المئة لتبلغ ٦٩٠ مليار جنيه، وذلك لمواجهة قرارات رفع سعر الفائدة، بما يوضح أننا بالفعل فى حلقة مفرغة من الديون والفوائد.
خامساً – الحديث عن إنجاز فى مجال الصادرات بتجاوزها ٤٠ مليار دولار العام الماضى، يتجاهل تزايد الواردات بدرجة أكبر، ومن ثم استمرار تزايد عجز الميزان التجارى الذى وصل فى عام ٢٠٢١( اى قبل الحرب الأوكرانية ) إلى حوالى ٤٤ مليار دولار، لأن الواردات السلعية غير البترولية وصلت إلى ٧٦.٧٩٨ مليار دولار. هذا بينما حقق الميزان التجارى البترولى فائضا فى النصف الثانى من عام ٢٠٢١ وصل إلى ٢.١ مليار دولارا لارتفاع صادرات البترول والغاز لما يقارب ١٢ مليار دولار، بما يعنى عدم تضررنا من زيادة أسعار البترول، وهو ما أشار رئيس الوزراء لعكسه.
سادساً – حديث رئيس الوزراء ووزير التخطيط عن النجاح فى خفض نسبة البطالة من ٧.٤% فى الربع الأول من العام الماضى إلى ٧.٢% فى الربع الأول من العام الحالى، يثير شكوكاً قوية لأسباب ظاهرة للغاية. فببساطة رئيس الوزراء يتحدث عن أن قوة العمل وصلت إلى ٢٩.٨٩ مليون شخص فى العام الحالى بينما كانت نحو ١٩ مليون فقط فى عام ٢٠٠٠. فلنلاحظ هذا المعدل للزيادة السنوية واعداد الداخلين الجدد لسوق العمل سنوياً، لكن قوة العمل سجلت فى السنوات الأخيرة زيادة محدودة غير مفهومة بل أحيانا انخفاضاً، وهذا مستحيل على ضوء ما يقرب من مليون من الداخلين الجدد للسوق سنويا. فقوة العمل التى كانت قد وصلت إلى ٢٩.٠١٨ مليون فى عام ٢٠١٧ مازالت فى عام ٢٠٢٢ اى بعد خمسة سنوات عند مستوى ال٢٩ مليون ! لا يوجد سوى تفسير واحد وهو فى جانب منه بالمناسبة معلن عنه من سلطات الإحصاء، وهو إنها بدلا من أن تضيف ملايين الأشخاص إلى اعداد المتعطلين، تقوم بالعكس فى سابقة غير معمول بها فى اى دولة بحذفهم من قوة العمل بدعاوى غير مقنعة، وبالتالى ينخفض معدل البطالة بشكل مصطنع. لابد من شفافية وتدقيق ومراجعة للبيانات حتى تكون معبرة بشكل صحيح عن الواقع.
سابعاً – يتحدث رئيس الوزراء ووزيرة التخطيط عن التضخم، ورغم الاعتراف بخطورته، فإنهما يشيران دائما للتضخم العالمى وأن التضخم مميز لكل الدول فى ظل الأزمة الراهنة. وفى الواقع فإن ذلك يخفى الفوارق الكبيرة بين التضخم فى مصر وفى البلدان الأخرى من عدة زوايا. فمن ناحية فالمصريون يعانون من تضخم ممتد لسنوات طويلة تصل لحوالي عشرة سنوات، وبلغ فى بعض السنوات ذروة فاقت ٣٣%، وهو من الأرقام غير المقبولة نهائيا، هذا فى الوقت الذى كان التضخم فى الدول الأخرى لا يتجاوز اثنين فى المئة. ومن ناحية أخرى فالمعدل الحالى هو ١٥ %، وهو أيضا من المعدلات بالغة الارتفاع كما أنه مرشح لمزيد من التصاعد فى ظل وضع مصر الاقتصادى الهش الحالى، ورفع أسعار الفائدة جرياً وراء الأموال الساخنة، واحتمالات قوية لمزيد من خفض سعر صرف الجنيه فى مواجهة الدولار. وبالتالى فإن استمرار السياسات الراهنة لن يعالج الأمر، وسيستمر تدهور مستوى معيشة غالية المصريين، ويستمر التضخم مبرهناً أن السياسات المتبعة كلها بعكس مايروج لها ليست سياسات مناهضة للتضخم بل سياسات محفزة له بقوة.
ثامناً – استمر رئيس الوزراء فى الدفاع عما يسمى المشروعات القومية، المعروف إنها فى الغالب مشروعات غير منتجة بددت وأهدرت مليارات القروض فى مشروعات لا تقدم إضافة حقيقة للإنتاج القومى، وبالتالى تتسبب بشكل مؤكد فى التضخم، ورفض مدبولي الانتقادات المطالبة بوقفها وإعادة النظر فيها.
ونلاحظ هنا أن مفهوم تلك المشروعات القومية وتعريفها فى استخدامه لها غير محدد بدقة، فهو يستغرق فى الحديث أحيانا عن مشروعات الغاز والكهرباء، فى حين أن المقصود أساسا بتلك المشروعات هو مايسمى العاصمة الجديدة والعلمين الجديدة وأشباهها، والطرق والكبارى، والمونوريل والقطار السريع والكهربائى، وتوشكى العقيم، والإسراع فى توسعة قناة السويس بتبديد العملة الصعبة سابقا وخلافه.
من الملاحظ أن ما رفضه رئيس الوزراء إنما فرضه الواقع عليه، بإقرار عند سؤاله من الصحفيين، أنه نتيجة لتداعيات الأزمة الاقتصادية قد نتج تباطؤ فى معدلات تنفيذ المشروعات لفترة زمنية، وهو أمر فى حد ذاته كاشف لعمق المأزق الراهن وفشل السياسات الاقتصادية الحكومية.
كيف تخرج مصر من فخ الديون ؟!
منذ حرب الخليج ودخول نادي باريس واسقاط حصة من ديون مصر الخارجية مقابل مشاركتها في حرب الخليج بدأ تخفيض الديون الخارجية والاعتماد علي الديون المحلية. في يونية 2013 كانت ديون مصر المحلية لا تتجاوز 1.4 تريليون جنيه والديون الخارجية 43.2 مليار دولار. لكن منذ 2014 حدث انفلات غير مدروس في الاستدانة بشقيها المحلي والخارجي. فارتفعت الديون المحلية 3 تريليون جنيه وارتفعت الديون الخارجية بأكثر من 102 مليار دولار وليصل اجمالي الديون إلى ما يقرب من 7.2 مليار جنيه.
بالنظر إلى إنعكاس الأزمة علي الموازنة العامة الجديدة 2022/2023 نجد ان الحكومة مطالبة بسداد 1.6 تريليون جنيه منها 690.1 مليار جنيه فوائد قروض و 965.5 مليار جنيه أقساط. لذلك تمثل الاقساط والفوائد 54% من إجمالي استخدامات الموازنة، 80% من مصروفات الموازنة و 18.2% من الناتج المحلي الإجمالي، 54% من إجمالي موارد الموازنة و 109.1 % من الايرادات في موازنة 2022/2023.
لم يتوقف الأمر علي سداد 1.6 تريليون جنيه فوائد وأقساط بل أعلنت الموازنة انه سيتم اقتراض 1.5 تريليون جنيه قروض جديدة في 2022/2023 وهي تمثل 49.7% من موارد الموازنة. لذلك بحث حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مع عدد من الخبراء عن وسيلة لوقف نزيف الديون ورسم خارطة طريق للخروج من فخ المديونية.
يؤثر إرتفاع المديونية والاقتراض علي معدلات التضخم وارتفاع الأسعار وعلي سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار وكذلك علي عجز ميزان المدفوعات ومعدل البطالة.هنا يبرز تساؤل وهو هل تم إجراء دراسات اقتصادية لكل قرض وقدرته علي السداد. وهل أجرت مصر دراسة لاقتصاد الدين ولمدي القدرة علي السداد. هل يساهم القرض في تحقيق قيمة مضافة للناتج القومي بما يضمن السداد؟! وما هي أكبر القطاعات المدينة ومدي قدرتها علي السداد؟!.والكارثة الأكبر هي التصريحات حول مبادلة الديون بالأصول والتي لم تقف عند ملكية المصانع والشركات بل امتدت لكل القطاعات بما فيها الموانئ المصرية كما أعلن رئيس مجلس الوزراء.
ويثار تساؤل حول أين إنفقت مليارات الديون التي حصلت عليها مصر؟! وهل كانت لدينا خطة توازن بين تمويل البنية التحتية وتمويل الاستثمار في المشروعات الانتاجية؟! هل يعلم الرأي العام ما هو حجم ديون القطاع الخاص والذي تكون الحكومة مسئولة عنها أمام الدائنين؟! بل هل تعلم الحكومة حجم القروض التي حصل عليها البنك الأهلي المصري وبنك مصر ؟!
هل توجد إمكانية للإفلات من فخ الديون؟!
بالتاكيد توجد طريقة للخروج من فخ المديونية ولكنه يحتاج لسياسات نقدية ومالية مختلفة، ولترتيب مختلف للأولويات يعتمد علي تعويم المشروعات المتعثرة وتوفير تمويل للاستثمار في الزراعة والصناعة والمشروعات التي تحقق قيمة مضافة وعوائد حقيقية يمكن السداد منها اضافة إلى توفير سلع يحتاجها المواطن المصري وتقلل الفجوة الغذائية وتوفر فرص عمل منتج حقيقي دائم وليس عمل موسمي مؤقت مثل الاستثمار في قطاع الطرق والمقاولات.
وإذا بحثنا عن أهم الخطوات اللازمة لوقف نزيف الديون نجد الآتي:
- التشجيع علي زيادة معدلات الادخار من القطاع العائلي وقطاع الأعمال العام والخاص.
- فرض ضرائب علي الفوائد التي يحصل عليها الجهاز المصرفي من الديون المحلية.
- وضع حد أعلي للفوائد.
- الوقف الفوري لخصخصة وبيع الأصول عالية الربحية لسداد القروض لأننا بذلك نفقد الأصل وإذا حدثت أزمة جديدة لن نجد ما نبيعه وفاء للدين. لكن الحفاظ علي الأصول المنتجة وتطويرها وتنميتها هو ضمانة لتوفير عوائد تسمح بسداد الأقساط والفوائد.
- وقف الديون الخارجية ووضع خطة للسداد خلال فترة محددة.
- عدم الاستجابة للمطالبات ببيع الأصول المصرية فهي ضمانة للتنمية وتوفير السيولة اللازمة لسداد الأقساط والفوائد من عوائد حقيقية بدلا من الاستدانة لسداد الأقساط والفوائد كما أوضحنا في بداية التقرير.
- تحويل ديون الجهاز المصرفي ( الديون المحلية) إلى مساهمات في مشاريع انتاجية زراعية وصناعية وتصبح البنوك شريكة بنسبة في رأس المال ويتحول الدين إلى مساهمة في الاستثمار بما لا يشكل أعباء علي الاقتصاد المصري.
- زيادة المدة الزمنية لتنفيذ بعض المشروعات مثل المونوريل والقطار الكهربائي السريع لكي لا تمثل ضغط واستنزاف للموارد المالية ولا نضمن تحقيقها ايرادات تسمح بسداد الفوائد والأقساط المستحقة.كما نريد معرفة نسب التصنيع المحلي في هذه المشروعات والإضافات التي تحققها لمصر.
- توفير الرشادة والشفافية في استخدمات الموارد المالية المصرية والإنفاق العام.
- فرض رقابة علي ديون القطاع الخاص مع إعطاء أولوية لتمويل المشروعات في القطاعات السلعية في الزراعة والصناعة وفرض سعر فائدة أعلي علي مشروعات العقار التي يوجد تشبع تسويقي منها.
- نحتاج خطة تنمية حقيقية ومستدامة والانفاق العام يجب ان يكون إنفاق تنموي.
- وضع خطة لاستخدامات أراضي الدولة مرتبطة بترشيد الانفاق العام.
- عمل حوار وطني حول أولوية المشروعات وكيفية النهوض بالزراعة والصناعة.
بذلك يمكن وقف نزيف الاستدانة وتوفير موارد وعوائد مستدامة للسداد ودفع عجلة التنمية الحقيقية.