كارم يحيى يكتب: عصام رأفت وداعا.. ومشيناها معا ليال طويلة
علمت برحيل زميلي الأستاذ عصام رأفت مدير تحرير ” الأهرام المسائي” .. لم نلتق منذ سنوات طويلة.. لكنه عاد وكأنه من قريب وليس من بعيد ليجتاح ذاكرتي ويهز كياني عندما علمت قبل ساعات معدودة برحيله وتصادف انني كنت في طريقي إلى ” الأهرام المسائي” لزيارة زملائي في اطار الجولات الانتخابية.
زميلي عصام رفيق سهرات في الاهرام المسائي عقد التسعينيات. سهرات تمتد من الثانية عشر ليلا واحيانا من التاسعة إلى العاشرة صباحا وحتى ما بعدها .. في تلك الأيام كنا نتقاضى جنيهات معدودة ، وقد عملنا سنوات دون تعيين أوتثبيت أوتأمينات كالعديد من الصحفيين المحترفين المعتزين بالمهنة ممن بلا واسطة.. وهل تدركون جناية العمل الليلي حتى على مزاج وصحة الإنسان النفسية، فضلا عن عواقب العمل لساعات طويلة فوق كرسي منكبا فوق سطح مكتب يعج بالأوراق على الإبصار والفقرات والعظام ؟.
كانت سهراتنا مع كل هذا الشقاء والتعاسة ـ الذي بالضرورة الحق الأذى بالصحة والأعمار ـ لا تخلو من المتعة. كنا معا في حوار دائم حول المسرح الذي عشقته منذ الصغر، ولمع هو في الكتابه عنه بوصفه أبرز الصحفيين المتخصصين باللغة العربية ونقاده. كنا نجوب بحواراتنا وخيالنا وذاكرتنا أزمنة وآفاقا من نصوص وخشبات المسرحيات العالمية والمصرية،.نطوي بملاحظاتنا قرونا بكاملها من سيفوكليس إلى نعمان عاشور ومحمود دياب و…
كان يرحمه الله عنده طاقة عجيبة على السهر والحكي عن المسرح والمسرحيات بتدفق، مع سمته الباسم واخلاقه الراقية وصوته الحي البهيج الخفيض. لاحظت في مرات كثيرة انه يأتي معنا ومعي للسهر في غير يومه الأسبوعي. وكأنه قد تعلق تماما بليل المكان وبناسه .
في طريقي للمسائي وقبيل دقائق من معرفه الخبر الفاجع بوفاة عصام، توقفت للحوار مع الزملاء الأعزاء في قسم التصحيح بالدور الثالث لمبنى الأهرام الأقدم بين الثلاثة. تحدثوا معي عن هاجسهم ألا يحصلوا على معاش كامل من نقابة الصحفيين لأنهم لم يستكملوا مدة الخمسة وعشرين سنة عضوية. لفتوا نظري لما كاد يغيب عن برنامجي. قلت لهم بأن عندي بندا خاصا ببلوغ الستين وما بعدها، وبأنني سأعمل على رعاية النقابة ولجنة معاشاتها للصحفيين قبل بلوغ الستين بعامين لترافقهم في الحصول على مستحقاتهم التي يجرى العدوان عليها، بما في ذلك صناديق العاملين. حقا نحتاج الى نقيب ومجلس يحترم الجمعية العمومية، ويشعر بملح الأرض بين اعضائها ويراعي ان يحصل الجميع مهما كانت مدة الالتحاق بالنقابة على معاش نقابي كامل.. شخصيا انا اعرف معني الظلم وقسوته ووقعه على اولئك ـ الذين كابدوا مثلي ـ التأخر في الالتحاق بالنقابة بسبب انهم اصحاب كفاءات وشخصيات مستقلة تحترم المهنة،لكنهم بلا واسطة من نائب في الحزب الحاكم أو وزير أو ظابط رفيع في الجيش أو جهاز أمني أو سيدة قريبة أو مدللة من متنفذ في نظام مبارك المستبد الفاسد وما بعده. وبل ومنذ أيام وساطات الاتحاد الاشتراكي .
عندما دخلت قبل ساعات إلى “الأهرام المسائي” متقينا إنني لن اقابل ابدا عصام، شعرت بغيمة ظلام تطفئ انوار الجريدة . جلست الى جوار زميلي الاستاذ عبد الخالق صبحي نتذكر زميلنا الراحل الاستاذ عصام رأفت . حكي لي عن مرضه الاخير بكورونا مع اصابته بأول نوبة قلبيه قبل نحو عشرين سنة وأكثر . وعلمت انه مثل حالي تماما لم يتمكن من الزواج إلا متأخرا جدا جراء مهنة تأكل أبنائها غير المدللين و بسبب ظروف عمل ظالمة غير متكافئة. شخصيا الفارق بيني وبين إبني الوحيد يتجاوز 46 سنة. والآن اعلم بأن هذا الفارب ربما يقارب الاربعين بين الراحل عصام مع نجليه.
يالله .. كم عانينا في هذه المهنة المبتلى أهلها من المخلصين العاملين بجد وكدح. حتى مواقع نقابتها المنتخبة القيادية وإلى الآن لا يتورعون بعدما كل ما اكتسبوه من اولوية ومزايا واسبقيات من غير حق أو جدارة أو عدالة يريدون عن استخدما مطية وكعب حذاء وسلم لمزيد من المناصب الرسمية الحكومية وفي ادارات الصحف ولجنى المزيد من الأموال والامتيازات من دم الشعب المسكين ..
يالله.. إنهم لايكتفون بإهدار سنوات شبابنا ورجولتنا فيطاردوننا في كهولتنا بالسطو على نقابة يفترض انها وجدت لتدافع عن حقوقنا وحريتنا . يريدون استمرار استلابها لمصالحهم الشخصية و ليجعلوها رهينة لمكاسبهم ومصالحهم الخاصة وفسادهم وفساد من يمثلون ويعملون لديهم .
هكذا هم أبا عن إبن ومازالوا.
رحم الله زميلي المولع بالمسرح وبالسهر
والذي دفع ثمن العمل في صحافتنا المصرية من صحته وحياته العائلية.. ..
عصام رأفت رفيق السهرات الطويلة : نلتقي عند مليك مقتدر لنستأنف حوارتنا عن المسرح ومشاق تربية أبناء يصغروننا بعقود، وحتما سينصفنا من كل ظلم. .
وتعازي للزميلات والزملاء ولأسرته وأهله واصدقائه ومحبيه.. ولنفسي أيضا.