في ذكرى ميلاد المبدع الكبير.. داود عبدالسيد في حوار سابق لدرب: مفيش سينما بلا حريات
المخرج الكبير: الحل أن تقوم الدولة بدعم السينما بدلا من فرض رسوم تصوير باهظة في الشوارع
المناخ العام لا يسمح بعمل سينما تعبر عن الجمهور وتصل إليه.. ولدينا نظام احتكاري في الإنتاج ورقابة بشعة
جمهور السينما تم تغييره منذ ما عرف بالسينما النظيفة ودور عرض المولات وتذاكرها المرتفعة
وصلنا لحال صعب واختيارين كلاهما مر بالنسبة لقطاع كبير من السينمائيين: إما سينما تجارية أو “سينما فنية” لا تصل للجمهور
أسعار التذاكر المرتفعة استبعدت الجمهور الرئيسي.. والسينما هي فن الطبقة الوسطى واستبعاد جمهورها يعني إغلاق المجال للعمل
يطفئ المخرج الكبير داود عبد السيد شمعة عام جديد، وتبقى أعماله المميزة علامة هامة في تاريخ السينما على مخرج كبير ومميز، ترك بصمته الخاصة وأفلامه الهامة.
في ذكرى ميلاده تعيد (درب) نشر حوار سابق لداود تحدث فيه عن كواليس اعتزاله الإخراج، ورؤيته لوضع السينما في السنوات الأخيرة.
وقال داود إن قرار اعتزاله، ليس قرارا احتجاجيا ولكنه “تحصيل حاصل” أو توصيف لوضع موجود، منذ فترة طويلة، لا يمنعه فقط من العمل، ولكن يمنع كل من يحاول تقديم سينما تعبر عن الواقع، قائلا: “أنا لم أقل جديدا أنا كنت باعتبر الاعتزال حصل بالفعل”.
وأضاف عبد السيد أنه لم يكن يتصور أن كلامه عن الاعتزال سيثير كل هذه الضجة، موجها الشكر لكل من اهتموا بتصريحاته، وتابع “لو عرفت من البداية، أن كلامي سيثير كل ردود الأفعل هذه ربما ما كنت أعلنت اعتزالي، لكن ذلك لم يكن سيغير من الوضع شيئا، فما قلته تحصيل حاصل وأنا لا أعمل منذ فترة، فالمناخ لا يسمح بسينما حقيقية تصل لجمهور عام وتعبر عنه، وليس متوقع أن يتغير الأمر في القريب”.
وأشار إلى أن “الأزمة لا تخص داود عبد السيد، ولكنها تخص مهنة، وجيل مختلف من حقه أن يعبر عن نفسه وعن واقعه، لكنه لا يستطيع التعبير عن نفسه، والمناخ الحالي لن يتيح له ذلك”. وتابع ” ربما اخذنا فرصتنا، لكن الأزمة الحقيقة هي أزمة الأجيال الحالية، لذلك فإن ما أعلنته كان توصيفا لوضع موجود، “وأنا متخيل لو أنا اصغر 20 سنة.. مش هاعرف اشتغل أيضا”.
وحول أسباب، هذا الإعلان قال عبد السيد، إن كل الأسباب موجودة، “مناخ عام لا يصلح لعمل فني درامي، ربما يسمح بالاشكال الأخرى كالكتابة والرسم لكنه لا يصلح لتقديم عمل سينمائي، ونظام احتكاري في الإنتاج، ورقابة بشعة، مضيفا كنت دائما اعتبر الرقابة بشعة، لكن الرقابة الحالية أسوأ بكثير مما كانت قبل ذلك”.
وتابع عبد السيد في سرده للأسباب مشيرا إلى أن جمهور السينما الحالي هو أحد هذه الأسباب، حيث حدث تغير في طبيعة الجمهور، موضحا إن هذا التغيير بدأ مع ما عرف بالسينما النظيفة، وتواكب مع سينمات المولات بأسعار تذاكرها المرتفعة، والتي استبعدت قطاعات واسعة من جمهور الطبقة الوسطى، بعد أن وصل سعر التذكرة إلى 100 جنيه طبقا لآخر رقم وصل لي، مشيرا إلى أن ذلك يعني استبعاد الجمهور الرئيسي للسينما في ظل أوضاع اقتصادية صعبة ومستويات الأجور الحالية، فالسينما هي فن الطبقة الوسطى وفن المدينة واستبعاد جمهورها يعني إغلاق المجال للعمل، فعندما تستبعد الطبقة المتوسطة فأنت تقوم بعمل تغيير للجمهور، ذو الاهتمامات الاجتماعية وتأتي بجمهور لديه هموم مختلفة، ويركز على التسلية، وهذا ما تفعله السينما التجارية.
وواصل عبد السيد تحليله للمناخ السائد وتوصيفه لوضع السينما قائلا ” على الضفة الأخرى من السينما التجارية، ستجد أفلام الشباب، “اللي بيعملوا افلام ممولة”، وأنا لست ضد التمويل بمعناه السياسي الذي يتكلمون عنه، ولكن مشكلة التمويل بالنسبة لي، أن الفيلم يتم اختياره، حسب رؤية الممول وليس الجمهور”، وتابع هذا لا ينفي أن هناك أفلام هايلة من بين هذه الأفلام ، لكن مشكلتها أنها ليست موجهة للجمهور أو أن جمهورها محدود”.
وهكذا فإننا وصلنا إلى حال صعب، واختيارين كلاهما مر، بالنسبة لقطاع كبير من السينمائيين وليس لي وحدي، وهما أن عندنا سينما تجارية، أو سينما فنية – إن صح التعبير- لا تستطيع الوصول للجمهور”.
يضاف إلى هذه الأسباب – والكلام لازال لداود عبد السيد- المناخ العام، وهو مناخ الحريات الموجودة في المجتمع، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي تعرقل العمل، فالحريات بمثابة الأكسجين للسينما والفن، وفي رأيي أنه طالما هناك من يتم حبسهم لتعبيرهم عن رأيهم فلن يكون هناك مناخ ملائم للعمل، القضية هي “فيه اكسجين ولا مفيش”، فأنا لو كنت سأتعرض للحبس بسبب فيلم بعينه فربما لن أقوم بعمله، وأستطيع أن أقول أنه لن يكون هناك فرصة حقيقية للعمل طالما هناك من يتم حبسهم بسبب تعبيرهم عن رأيهم”.
وأكد عبد السيد أنه لم يكن يتكلم عن نفسه فقط، ولا عن اعتزاله، ولكن عن وضع عام، ومناخ يسمح بالعمل، فطالما أن السينما غير قادرة على التعبير ولا تصل لجمهورها، ومناخ العمل مقيد للأسباب التي سردتها، فالعمل سيظل شديد الصعوبة، ليس في وجهي ولكن في وجه الجيل الجديد، ولذلك اقول ان هدفي من إعلان ذلك، لم يكن احتجاجيا، ولكني كنت أوصف وضعا قائما، أو “تحصيل حاصل”.
وحول ما إذا كان ذلك يعني أنه سيعود عن قراره إذا تغيرت الأوضاع والأسباب التي سردها أو سمحت بهامش للحركة، قال داود عبد السيد: رأيي أن القاعدة اتظبطت على حاجة بعينها، معرفش تغييرها هيحصل إزاي، واعتقد أن ذلك ربما يحتاج لفترة طويلة، ربما إذا تم رفع مستوى الأجور، ليتيح لجمهور الطبقة الوسطى العودة للسينما.
وفي رده على سؤال أن الأمر ربما يكون معكوسا وهو أن هناك قطاع واسع من الجمهور لا يجد سينما تعبر عنه، وينتظرون افلام مختلفة وسينما مختلفة كالتي يقدمها داود عبد السيد قال ” أنا ادرك أن بين القادرين على الذهاب للسينما الآن جانب من هذا الجمهور وبعضهم مثقفين، ولكن السينما تستهدف جمهور عام واسع وليس فئة بعينها، وتنقل همومه واهتماماته وتناقش مشاكله، بحريه، وهذا الجمهور تم تغييره كما قلت، بالإضافة إلى أن المناخ العام ربما لن يسمح بالتعبير عن هذه الهموم، مشددا: “مفيش سينما بلا حريات”.
وحول بداية حل هذه المعضلة قال عبد السيد: “الحل في رأيي أن تقوم الدولة بدعم السينما، على أن يكون هذا الدعم موجها لسينما بعينها، بدلا من فرض رسوم تصوير باهظة في الشوارع”، وتابع “لازم الدعم يختار، ويتم توجيهه لسينما تعبر عن الجمهور الواسع، حتى يتيح للجيل الجديد التعبير عن نفسه، وكما قلت فإن هذا الحل يلزمه مناخ يتيح لهم التعبير عن هذه الهموم”.