“فير سكوير” و”هيومان رايتس ووتش” تطالبان مصر بوقف “منع السفر التعسفي”: استهداف للمعارضة دون أساس قانوني أو سبل طعن
بيان: القرارات تشمل أعضاء بارزين في المجتمع المدني بسبب عملهم السلمي بمن فيهم محامو حقوق الإنسان والصحفيون والناشطات النسويات والباحثون.
15 حقوقيا وطالبا وباحثا يروون معاناتهم من حظر السفر: محرومون من وظائفنا وعائلاتنا وتعليمنا
قالت منظمتا “فير سكوير” و”هيومن رايتس ووتش” إن مصر تستخدم منع السفر التعسفي لاستهداف أعضاء بارزين في المجتمع المدني بسبب عملهم السلمي، بمن فيهم محامو حقوق الإنسان، والصحفيون، والناشطات النسويات، والباحثون.
وأوضحت المنظمتان، في بيان مشترك، اليوم الأربعاء، أن إجراءات المنع، التي لا تعلنها السلطات عادةً رسميا ولا تمنح طريقة واضحة للطعن فيها في المحكمة، أدت إلى تشتيت العائلات، والضرر بالمسيرات المهنية، والأذى بالصحة العقلية لمن يخضعون لها.
وقال جيمس لينش، مدير فير سكوير، إن “منع السفر التعسفي بلا نهاية يسمح للسلطات المصرية بفرض نظام عقابي له أثر كبير على الحياة ويكاد يكون خفيا لأي شخص باستثناء أولئك الذين تدمر حياتهم، حيث سمح المنع لمصر بضرب منتقديها بصمت دون خوف من إثارة حفيظة مانحيها وداعميها في لندن، وباريس، وواشنطن”، مطالبا بإنهاء هذه الممارسات فورا.
وتحدثت فير سكوير وهيومن رايتس ووتش إلى 15 مصريا فرضت عليهم السلطات منع سفر لمدة تصل إلى 6 سنوات في بعض الحالات.
سبق أن وثّقت هيومن رايتس ووتش ما وصفته بأنه استخداما منهجيا لإجراءات لمنع سفر عشرات المعارضين الفعليين أو المفترضين، كما أعد “معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط” و”مبادرة الحرية” تقارير عن هذه القضية، ووجدت المنظمات أن قرار وزير الداخلية في عام 1994 يمنح الأجهزة الأمنية سلطات واسعة لفرض منع السفر دون أوامر قضائية لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد.
وقال الخاضعون لمنع السفر لـ”فير سكوير” و”هيومن رايتس ووتش” إنهم علموا عادة بمنع سفرهم في المطار أثناء محاولتهم الصعود على متن رحلة جوية، وإن السلطات لم تقدم سبلا قانونية واضحة للطعن في هذا المنع في المحاكم.
وقال أحدهم إنه قدم التماسا إلى النائب العام، لكن الالتماس رُفض دون تفسير. ورفع آخر دعوى أمام محكمة الجنايات لإسقاط المنع، في حين قدم ثالث التماسا إلى ”مجلس الدولة”، الذي يستضيف المحاكم الإدارية، للتدخل، لكن في كلتا الحالتين رُفضت طلباتهما، وأكدت المنظمتان أن غياب الأساس القانوني الواضح للمنع وأي وسيلة للطعن فيه يؤكد طبيعته التعسفية.
من بين الأشخاص الـ15 الذين تمت مقابلتهم، واجه 6 تجميد أصول أدى إلى عزلهم عن النظام المصرفي تماما.
كانت الخسائر الشخصية طويلة الأجل لمنع السفر وتجميد الأصول مدمرة، حيث روى كل من تمت مقابلته تقريبا أنه فقد فرص العمل والدخل.
وقال كثيرون إن الأثر النفسي لعدم معرفة متى ستنتهي هذه القيود التعسفية أثر بشكل خطير على صحتهم العقلية، كما أن لهذه القيود تأثيرا محبطا على نشاط حقوق الإنسان لأنها تثني الجمهور عن انتقاد السلطات.
وانفصل وليد سالم، وهو طالب دراسات عليا، عن ابنته التي تعيش في الخارج منذ 4 سنوات ولم يتمكن من إنهاء الدكتوراه في “جامعة واشنطن”، ووصف غياب الحد الزمني لمنع السفر بأنه ”كابوس مستمر”.
كما لم يتمكن الحقوقي كريم عنارة من الانضمام إلى زوجته منذ 18 شهرا في لندن، حيث كانا يعتزمان العيش معا، حيث يقول “أشعر كأنني أفسد زواجنا بنفسي”. وفي أبريل، حال منع السفر بحق المحامي البارز ناصر أمين دون أن يقدم مرافعات أمام “المحكمة الجنائية الدولية” بشأن جرائم الحرب في دارفور، كان “حلم حياته” وقضية عمل عليها طوال عقدين من الزمن.
بعد تجميد تعسفي للأصول منذ العام 2016، لم تعد المحامية النسوية البارزة ومؤسسة “مركز المساعدة القانونية للمرأة المصرية” عزة سليمان قادرة على العمل في الأمم المتحدة، بعد أن انقطعت عن النظام المصرفي، ما منعها من الحصول على راتب. كما أنها لم تستطع بيع سيارتها، حيث سيعتبر البيع نقلا لأحد الأصول، وقال المدافع عن حقوق الإنسان جاسر عبد الرازق إنه مُنع من تجديد رخصة سيارته، على ما يبدو لأنها من الأصول.
أدى منع السفر فعليا إلى تهميش أعضاء المجتمع المدني الذين كانوا على اتصال منتظم بصانعي السياسات في الولايات المتحدة، وأوروبا، والأمم المتحدة، حيث مُنع محمد زارع، مدير “مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان” من السفر منذ عام 2016، ما منعه من حضور فعاليات مثل ”الاستعراض الدوري الشامل” العام 2019 في الأمم المتحدة للسجل الحقوقي المصري.
وصادر عناصر الأمن جواز سفر المحامية الحائزة على جوائز حقوقية دولية ماهينور المصري لدى عودتها من “مؤتمر فاتسلاف هافيل لحقوق الإنسان” في براغ في العام 2018، وقبض عليها في سبتمبر 2019 في إطار قمع المظاهرات المناهضة للحكومة واحتُجزت تعسفا حتى يوليو 2021.
وأعلن الرئيس السيسي العام 2022 “عام المجتمع المدني”، كجزء من استراتيجية حقوق الإنسان الجديدة التي كشفت عنها مصر العام 2021 بعد أن انتقدت 32 دولة عضو في “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” سجلها الحقوقي. تخضع الحكومة لتدقيق دولي خلال العام 2022 لأنها ستستضيف “قمة المناخ العالمية” في نوفمبر.
ووصفت هيومن رايتس ووتش اختيار مصر بأنه “خيار سيئ جدا” في ضوء الأزمة الحقوقية في البلاد، التي تشمل سَجن نشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان على نطاق واسع، والقوانين التي تجرم التجمع السلمي.
يُطبَّق منع السفر كعقوبات على العمل السلمي، كما في حالات الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، تعسفا وانتهاكا لحقوق الإنسان، بما في ذلك عندما يكون المنع جزءا من محاكمة جنائية ذات دوافع سياسية تستهدف هذا النشاط. يجب أن يتمكن أي شخص خاضع لمنع السفر من الطعن في المنع أمام المحكمة.
يكفل الدستور المصري الحق في حرية التنقل في المادة 62. كما ينص على ضرورة وجود أمر قضائي مسبب لفرض مثل هذه القيود، وحتى في هذه الحالة، يجب أن يكون ذلك لفترة زمنية محددة فقط. لم تُستَوفَ هذه الشروط في أي من الحالات الموثقة هنا.
قال عمرو مجدي، باحث أول بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: ”ينبغي للسلطات المصرية دون قيد أو شرط أن ترفع منع السفر في جميع الحالات حيث يكون الهدف هو قمع الحقوقيين أو منع أعضاء المجتمع المدني الآخرين من القيام بعملهم وأن تنهي ممارسة منع السفر التعسفية. على شركاء مصر الاستراتيجيين، بمن فيهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتان تضمّان أُسرَ العديدِ من الممنوعين من السفر، الضغط على القاهرة لإنهاء مثل هذه الإجراءات”.
يمنح قرار وزير الداخلية لعام 1994 السلطات الأمنية اليد العليا في وضع أي فرد على قوائم الممنوعين من السفر، ولا ينص على وجوب إعلام أولئك المدرجين في القائمة أو إخطارهم.
وينص القرار على أنه يمكن للجنة الإدارية، المكونة في الغالب من ضباط أمن وليس مسؤولين قضائيين، تلقّي التماسات الاستئناف. لم تجد هيومن رايتس ووتش وفيرسكوير أي دليل على أن مثل هذه اللجنة كانت نشطة ولم يقل أحد ممن تمت مقابلتهم في هذا التقرير إنه تمكن من إيجاد طريقة للتواصل مع اللجنة.
وحتى في حالة تدخل النيابة العامة أو القاضي أو المحكمة، استخدمت السلطات منع السفر التعسفي كإجراء عقابي.
منذ 2015، فُرض منع السفر على أكثر من 30 ناشطا في القضية 173 لعام 2011 سيئة السمعة، والتي تحقق فيها الدولة مع عشرات المنظمات غير الحكومية لتلقي تمويل أجنبي.
ولم يتمكن سوى قلة من هؤلاء النشطاء من السفر إلى الخارج، ولم يتمكنوا من ذلك قبل أواخر 2021 وأوائل 2022، وما يزال العديد ممن وردت أسماؤهم في القضية يخضعون للمنع رغم عدم إحالة أي شخص إلى المحاكمة.
وجُمدت أصول العديد من العاملين في المنظمات غير الحكومية الذين حوكموا في القضية لسنوات، وظلت أصول 11 ناشطا بها مجمّدة، من بينهم اثنان تمكنا من رفع منع السفر.
وضغطت السلطة على منتقديها من خلال منع السفر وتجميد الأصول بلا نهاية. رغم أن هؤلاء الأفراد قد نجوا من السَّجن، إلا أن هذه الإجراءات تفرض عليهم في كثير من الأحيان خسائر خفية، ولكن عقابية، على حياتهم الشخصية والمهنية. هذه بعض قصصهم.
المحامي الحقوقي البارز ناصر أمين وثق الفظائع في إقليم دارفور في السودان على مدى عقدين من الزمن بهدف مقاضاة مرتكبي جرائم الحرب. وعينته المحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر/كانون الأول 2021 لتمثيل ضحايا دارفور – وهي أول قضية من العالم العربي تخضع لمحاكمة. كانت معظم الدول لتحتفل بنجاح أمين، لكنّ مصر منعته من حضور الجلسة الافتتاحية في 5 أبريل 2022.
يشغل أمين منصب مدير “المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة”، الذي يدعو إلى استقلال القضاء. أمين وزوجته هدى عبد الوهاب، التي تشغل منصب المدير التنفيذي للمركز، هما من بين ما لا يقل عن 31 عاملا في منظمات غير حكومية ممنوعين من السفر منذ العام 2015.
وتخضع منظمتهما للقضية 173، التي تتهم فيها منظمات غير حكومية بالحصول على تمويل أجنبي، وبدأ قاضي التحقيق في العام 2021، بإغلاق التحقيقات ضد بعض المنظمات والأفراد.
وكان أمل أمين في البداية، والذي كان أيضا عضوا في “المجلس القومي لحقوق الإنسان” في ظل حكومة السيسي، في أن يعني ذلك السماح له بالسفر إلى لاهاي. لكن النيابة العامة لم تستجب لطلبه بشأن السفر. قال أمين: “لقد كان حلم حياتي”. وأوضح أنه كان قادرا فقط على الحضور عبر الإنترنت، ما منعه من تقديم حججه.
تسبب منع السفر بضرر كبير لمسيرة أمين المهنية، ومنعه من التقدم لوظائف في الأمم المتحدة بشأن اختصاصات متعلقة بالتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء. وقال إن موكليه في القاهرة بدأوا في الانسحاب من مكتبه بعد حملة تشويه إعلامية مرتبطة بالقضية 173. أضاف: “ترك الكثير من الموكلين المكتب بسبب الخوف”. كان عدد المغادرين كبيرا لدرجة أنه، كما قال، اضطر إلى بيع مكتبه لدفع الرسوم الجامعية لولديه. يقول أمين إنه لا يتحمل رؤية طائرة تحلق في السماء لأنها تذكره بمنع السفر: “من المؤلم سماع صوتها”.
قال أمين لـ فير سكوير وهيومن رايتس ووتش إن تعيين موظفين جدد لم يكن يوما بهذه الصعوبة. وقال: “منع جميع نشطاء حقوق الإنسان يبعث برسالة مرعبة للجيل القادم. لا أحد يستطيع العمل في حقوق الإنسان دون دفع ثمن باهظ.”
وليد سالم طالب دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة واشنطن وباحث زائر في “الجامعة الأمريكية بالقاهرة”. في مايو 2018، وبينما كان ينهي بحث الدكتوراه عن القضاء المصري، قيّد رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية يديه، وعصبوا عينيه، ودفعوه داخل سيارة أثناء مغادرته مكتب خبير دستوري في القاهرة.
وقال: “كانت واحدة من مقابلاتي الأخيرة. كان من المفترض أن أعود إلى سياتل في يونيو للتدريس. بدل ذلك، أمضى قرابة سبعة أشهر في سجن طرة بالقاهرة بتهمة الانضمام إلى منظمة إرهابية ونشر أخبار كاذبة.
ومنعت السلطات سالم من مغادرة مصر منذئذ. في جلسة 3 ديسمبر 2018، رفض القاضي استئناف النيابة العامة الهادف إلى إبقائه في السجن. أطلق سراحه بعد أسبوع وتضمّن أمر الإفراج عنه المراقبة؛ وخلال الأشهر الـ14 التالية، كان عليه أن يحضر إلى قسم الشرطة مرتين في الأسبوع.
ولدى الإفراج عنه، لم يتلقَّ أي معلومات تشير إلى أنه كان ممنوعا من السفر. إلا أنه بعد إنهاء فترة المراقبة في مايو 2020، حاول العودة إلى الولايات المتحدة، كما استجوبه عناصر “الأمن الوطني” في المطار وصادروا جواز سفره.
وقال سالم إن السجن كان أسهل من “كابوس الحبس بلا نهاية” الذي يعيشه منذئذ. كان يسعى سالم قبل إلقاء القبض عليه إلى الانتقال ليكون قرب ابنته البالغة من العمر 13 عاما، والتي تعيش في بولندا مع زوجته السابقة، إذ لم يرَ ابنته منذ أكثر من أربع سنوات لأن زوجته السابقة تخشى إحضارها إلى مصر: “آخر مرة رأيت فيها ابنتي كانت في فبراير/ 2018، كان طولها يزيد قليلا عن 100 سنتيمتر. أما الآن يبلغ طولها 165 سنتيمتر تقريبا. إنها شخص مختلف تماما”.
أدى المنع إلى تغيير مسار دراسته للحصول على الدكتوراه. قطعت جامعة واشنطن أموال الزمالة التي كانت مشروطة بالتدريس في سياتل. كانت منحة التدريس مصدر دخله الأساسي والتي كانت تهدف إلى المساعدة في تغطية الدَّيْن الجامعي. قال: “أعتمد الآن على أشقائي لأنني بالكاد أجني أي أموال”. أغرقته المحنة برمّتها في الاكتئاب. أصبح عاجزا عن الكتابة، ويخشى أن تكون مقابلات المتابعة من مصر محفوفة بالمخاطر.
كتبت جامعة واشنطن والعديد من الجمعيات الأكاديمية في الولايات المتحدة، مثل “جمعية دراسات الشرق الأوسط” و”الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية”، رسائل إلى الرئيس المصري، والنائب العام، والمجلس القومي لحقوق الإنسان تطلب فيها السماح لسالم بمغادرة البلاد والعودة إلى دراسته، لكنها لم تتلقّ ردا على أي من رسائلها.
رُفض الالتماس الذي قدمه سالم بنفسه إلى النائب العام لإنهاء المنع في فبراير/شباط، بعد ثمانية أشهر من المراجعة، دون تفسير. أمضى سالم العقد الماضي في دراسة القضاء في مصر، لكنه لم يتمكن من الاستفادة من هذه الخبرة للتأثير على وضعه. قال سالم: “لا أستطيع تصوّر قسوة فصل أب عن ابنته لأسباب غير معلنة – وبهذه السهولة”.
وبعد اعتقال مدير “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” جاسر عبد الرازق وزملائه كريم عنارة ومحمد بشير في نوفمبر 2020، دفعت الإدانة الدولية لاحتجازهم السلطات إلى إطلاق سراحهم بعد 15 يوما. كان مشاهير مثل إيما طومسون، وستيفن فراي، وسكارليت جوهانسون من بين أولئك الذين تحركوا من أجل إطلاق سراحهم.
إلا أنه سرعان ما اكتشف الثلاثة أنهم تعرضوا تعسفا لمنع السفر وتجميد الأصول. بعد أن رفض مسؤولو أمن المطار السماح لعنارة بالصعود على متن طائرة بحجة وجود “أمر قانوني”، ذهب محاميه إلى مكتب النائب العام لمعرفة ما إذا كان هناك منع بحقه. فقط عندما زار عبد الرازق مكتب النائب العام اتصل المسؤولون بـ “جهاز” غير محدد أكد وجود منع بحق كل من عبد الرازق وعنّارة.
رغم طلبات عدة، لم يحصلوا بعد على جلسة استماع لاستئناف تجميد الأصول، ورفضت المحاكم منحهم استئناف ضد منع السفر. يخضع مؤسس المبادرة حسام بهجت أيضا لمنع السفر وتجميد الأصول منذ العام 2016، كجزء من القضية 173. علّق بهجت لـ فيرسكوير وهيومن رايتس ووتش: “منع السفر لا يتصدّر العناوين مثل صور الأشخاص المقيّدين بالأصفاد وداخل الأقفاص ولا يوجد غضب إثر منع السفر.
باتريك زكي، وهو عضو خامس في المبادرة، يخضع أيضا لمنع السفر بعد إطلاق سراحه في ديسمبر 2021، بعد 22 شهرا من الحبس الاحتياطي، على ذمة المحاكمة.
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، التي تأسست العام 2002، هي إحدى المنظمات الرائدة في البلاد، وقد جعلها عملها لتوثيق الانتهاكات الحقوقية وحملتها ضد هذه الانتهاكات هدفا للسياسات القمعية المتزايدة من جانب حكومة السيسي. تواجه المنظمة وأعضاؤها مجموعة من التدابير التي تجعل من المستحيل عليهم العمل بشكل طبيعي.
قال موظفو المبادرة الخاضعين لمنع السفر وتجميد الأصول إن الإجراءات فككت حياتهم الشخصية والمهنية. قبل اعتقاله، كان من المقرر أن ينتقل عنارة إلى لندن ليكون مع زوجته، وهي مخرجة بريطانية. لأنه لا يستطيع السفر، ولأنها لا تستطيع نقل عملها إلى مصر، فقد أُجبرا على عيش علاقة عن بعد، ما جعله يشعر “بالوحدة بسبب الانفصال، ولكن بالذنب أيضا في معظم الأوقات”.
وتراجعت جامعة في مصر وعدد من المنظمات الأخرى عن عروضها المقدمة إلى عنارة لعدم إمكانيتهم الدفع له خارج النظام المصرفي. حيث يقول: “هناك فترات أشعر فيها بالاكتئاب الشديد والعزلة. عدم القدرة على العمل أمر منهك تماما. إنه وضع قانوني ومالي دائم يعلق فيه الشخص… تم الاتصال بي بشأن بعض الوظائف لكنهم دائما ما يسحبون العرض عندما يكتشفون أن لدي تجميد مصرفي”.
أحد أصعب الجوانب بالنسبة للمتضررين من المنع هو كونه بلا نهاية وغياب قدرتهم على الطعن فيه. يقول عنارة: “في ذهني، هناك طوال الوقت فكرة الشعور بالحصار الدائم. أعلم أن الإجراءات القانونية لا تعدو كونها شكلية”.
قال عنارة إن الكثيرين ممن يخضعون للمنع يجدون صعوبة في طلب التضامن الدولي والدعم للقضايا بينما يقبع الكثير من المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمحامين في السجون المصرية، حيث يواجهون التعذيب والمحاكمات الجائرة. “إنها طريقة اضطهاد صامتة فعّالة للغاية. تحديدا لأنه يوجد عدد كبير من الناس في السِّجن. يكاد يُعتبر منع السفر ثمنا ضئيلا مقارنةً بذلك”.
أٌقيل عبد الرازق من منصب رفيع في منظمة دولية كبرى بعد علمهم بكونه “مشتبه إرهاب” في قضية بلا نهاية. وقال: “ما دفعنا الثمن لتعلمه هو أن الناس يفترضون عند إطلاق سراحك أن القضية قد أُغلقت، أجريتُ ثلاث مقابلات عمل، ومقابلة أخيرة مع رئيس المنظمة. في المقابلة الأخيرة، شعرت أنهم لا يدركون أنني في الواقع “مشتبه إرهاب”، حتى أن تجميد الأصول منعه من تجديد رخصة سيارته.
إلى جانب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، قلة من المدافعين عن الحقوق أزعجوا السلطات المصرية كما فعل المحامي جمال عيد. على مدى عقود، ناضل عيد من أجل حرية التعبير ووثّق أفظع انتهاكات الدولة للحقوق. فاز بموجب عمله على جوائز دولية عدة. لو سُجن، فمن المرجح أن سَجنه كان ليشعل إدانة دولية. لتجنب ذلك، حاصرته مصر بوسائل أخرى.
عيد هو مؤسس “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان”، إحدى المجموعات العالقة في شِباك القضية 173. خضع عيد لمنع سفر وجُمِّدت أصوله العام 2016 كجزء من القضية. في يناير/كانون الثاني 2022، أعلنت الشبكة عن إنهاء عملياتها بسبب الحملة الحكومية، لكن عيد ظل أحد أبرز الأصوات المنتقدة للدولة.
انتقلت زوجة عيد، وهي مواطنة أمريكية، وابنته إلى نيويورك العام 2017. حرمه منع السفر من زيارتهم. نتيجة لذلك، انتهت صلاحية إقامته الأمريكية. كما فقد الكثير من دخله، والذي كان يأتي عبر محاضرات وندوات وورش عمل لحقوق الإنسان كان يقودها بانتظام قبل منع السفر. كما خسر عيد العمل مع المنظمات الدولية والأمم المتحدة. فقال: “كانت هناك فرص متعددة، لكن لا يمكنني العمل”.
في العام 2019، تعرض لاعتداء عنيف في مناسبتين من قبل أفراد يعتقد أنهم إما أعضاء في أجهزة الأمن أو يعملون تحت إشرافها. في المرة الأولى، أصيب بكسر في الضلوع، وفي الهجوم الثاني، تم تثبيته بالأرض وصبّ الطلاء عليه. وقال عيد إن المهاجمين في الاعتداء الأول كانوا يحملون أجهزة اتصال لاسلكية، وهي سمة مميِّزة لعناصر الأمن، إذ إنه في مصر من غير القانوني للمدنيين حمل هذه الأجهزة. وسُرقت سيارته في العام نفسه. وقال عيد: “التقطت الكاميرات الرافعة وعسكريا يرتدي الزي الرسمي”. عندما استعار سيارة صديق، سُرقت تلك السيارة أيضا. قال إن السلطات القضائية لم تفعل شيئا تقريبا للتحقيق في الهجمات.
بالنسبة لمنظمة عيد، كان تجميد الأصول هو القشة التي قصمت ظهر البعير، بعد أن تعرض العديد من الموظفين لاعتقالات تعسفية وأشكال أخرى من المضايقات على مدى سنوات. يُلزم قانون من العام 2019 المنظمات بالتسجيل لدى الحكومة، لكن تجميد الأصول جعل ذلك مستحيلا. “لا يمكنني حتى التوقيع على الأوراق أو فتح حساب مصرفي بسبب تجميد الأصول، فكيف سيمكنني التسجيل؟”
الباحث القبطي
كان باتريك زكي عائدا من إيطاليا في فبراير/شباط 2020 عندما اعتقله عناصر الأمن الوطني في مطار القاهرة. أثناء استجوابه، عصّب العناصر أعين زكي لمدة 17 ساعة، وصعقوه بالكهرباء، وضربوه. زكي (31 عاما) هو باحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وينتمي إلى الأقلية المسيحية القبطية في مصر. جريمته المزعومة هي “نشر أخبار كاذبة” على خلفية مقال كتبه في يوليو/تموز 2019 عن التمييز الذي يواجهه المسيحيون في مصر في الحياة اليومية. حُبس زكي احتياطيا قرابة العامين. بدأت محكمة طوارئ أمن الدولة، التي لا تخضع قراراتها للاستئناف، محاكمته في سبتمبر/أيلول 2021 وفي ديسمبر/كانون الأول 2021 أمرت بالإفراج عنه أثناء استمرار محاكمته. ينتظر زكي قرار المحكمة النهائي، وفي حالة إدانته يمكن الحكم عليه بالسجن حتى خمس سنوات.
زكي طالب دراسات عليا في “جامعة بولونيا”، يحضّر الماجستير في الدراسات الجندرية. كان قد أكمل فصلا دراسيا واحدا فقط وقت اعتقاله. في اليوم التالي لإطلاق سراحه في ديسمبر/كانون الأول 2021، تقدم فورا بطلب للحصول على جواز سفر جديد للعودة إلى إيطاليا بعد مصادرة جواز سفره السابق وعدم إعادته على الإطلاق.
قال: “أردت السفر فورا لحضور الفصل الدراسي لأكون هناك في موعد الامتحانات”. عندما أفرجت عنه المحكمة، لم يُعطَ أي سبب للاعتقاد بأنه يخضع لمنع السفر. لكن بعد وقت قصير من حصوله على جواز سفر جديد، أبلغ وسيط من مصادر في وزارة الداخلية زكي أنه مُنع من السفر إلى حين إغلاق القضية. قدم زكي طلبا إلى مكتب النائب العام للسماح له بالسفر إلى إيطاليا لاستكمال الامتحانات حتى جلسة المحكمة التالية. رفضت اللجنة الطلب دون تفسير.
تم تأجيل جلسات محكمة زكي منذ ذلك الحين. وفي جلسة المحكمة الأخيرة، في 21 يونيو/حزيران 2022، أرجأ القاضي القضية حتى 27 سبتمبر/أيلول 2022. وستصادف الجلسة القادمة مرور عام كامل على تأجيل الجلسة الأولية في سبتمبر/أيلول الماضي. أدى التأخير الطويل إلى تعريض زكي لخطر الاضطرار إلى ترك الدراسة. مع انتهاء قيود فيروس ”كورونا”، أعلنت جامعته أنه اعتبارا من الخريف المقبل، لن تجري المزيد من الفصول الدراسية أو الاختبارات عبر الإنترنت.
يقول زكي: “إذا أبقوني هنا، فلن أتمكن من إكمال دراستي. سأتضرر كثيرا”. لا يوجد برنامج دراسة مماثل في الجامعات المصرية. كانت خطته هي الحصول على الدكتوراه مع مواصلة البحث والمناصرة حول الأقليات الدينية والجندر في الشرق الأوسط. والآن خطته هذه على المحك. ويضيف: “أنا أحب الأوساط الأكاديمية وأحب حقوق الإنسان، لذلك، أردت المتابعة في كليهما جنبا إلى جنب”.
ستعود شريكة زكي، التي تجمعه بها علاقة طويلة، إلى إيطاليا في سبتمبر/أيلول لمواصلة دراستها. يعاني زكي قلق أن تفصل ظروفه ما بينهما، ويقول: “هذه إحدى أكبر المشاكل بالنسبة لي”.
وأضاف أن منع السفر حرمه أيضا من حضور العديد من المؤتمرات المهنية المهمة حول حقوق الإنسان، بما فيها مؤتمر نظمته مؤخرا صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية في بولونيا حيث كان المتحدث الرئيسي. وقال: “لدي الكثير من المؤتمرات التي من المفترض أن أحضرها وأحداث مهمة للغاية، لكن لا يمكنني الذهاب. هذا يؤثر على مسيرتي المهنية بشكل كبير حقا”.