عن منى مينا وكفى.. صوت الأطباء القوي الذي لم تغيره المواقع أو تسكته التهديدات (بروفايل)
“لو الكلام ده عشان أخاف وأسكت عن كشف أي قصور في الإلتزام بتوفير وسائل الحماية للأطباء والأطقم الطبية.. فالحقيقة أنا آسفة جدا في الأزمة الخطيرة اللي بلدنا بتمر بها وفي القلب منها الأطقم الطبية مش هأسكت ولا أخاف” كان هذا هو رد الدكتورة منى مينا على حملة الهجوم ضدها واتهامها بالأخونة، مصرة على أن تكمل معركتها ومعركة الجميع حتى النهاية، وأن تبقى كما هي منى مينا.. وكفى.
حملة تشويه ظالمة تتعرض لها الدكتورة منى مينا، وكيلة نقابة الأطباء السابقة، خلال الأيام الماضية، بسبب دفاعها عن حق زملائها في الحماية أثناء أداء دورهم في مقاومة وباء كورونا، وكشفها لبعض أوجه القصور في المنظومة الصحية، والمطالبة بتلافي الأخطاء لحماية الأطقم الطبية والمرضى.
لم تهتم منى مينا بحملات التشويه التي تتعرض لها والتي وصلت إلى حد تقديم بلاغات ضدها، و لم تتوقف أمام هزلية الإتهام في إشارة إلى أن رسائل التهديد التي تحملها مثل هذه الحملات لم ولن تصل إليها “ناخد بالنا ان”نكتة” منى مينا اخوان و لا لأ تحولت لتصبح مركز المناقشة ..مش محتوى الحملة اللي هو كيفية حماية الأطقم الطبية” هكذا دعت زملائها ألا يشغلهم هذا الاتهام الهزلي عن المعركة الحقيقة.
رغم دعوتها، وفي مواجهة تصاعد حملات التشويه، لم يكن أمام من تدافع عنها إلا الدفاع عن السيدة التي وهبت نفسها للدفاع عن حقوق الجميع، وعن حق الطواقم الطبية والمواطنين في خدمة صحية لائقة، مؤكدين أنها ستبقى صوت الأطباء القوي الذي لم تغيره المواقع أو تسكته التهديدات.
«فهمي للعمل النقابي، أنه أوسع كثيرًا من عضوية مجلس النقابة، وأرى لأسباب كثيرة، أن الأنسب لي في الفترة القادمة هو العمل بهامش أوسع من الحرية، بعيدًا عن أي موقع رسمي بالنقابة»، كان ذلك جزءًا من بيان الطبيبة المناضلة منى مينا وهي تعلن عدم ترشحها مجددًا لعضوية مجلس نقابة الأطباء، بعد تنازلها عن الترشح لمنصب النقيب لصالح الدكتور حسين خيري، نقيب الأطباء الحالي عن تيار الاستقلال، ربما لم يدرك من يخوضون المعركة ضدها، معنى أن تكون مؤمنا بما تفعله وأن تظل تدافع عنه أيا كان موقعك، فصاحب الرسالة لا ينتظر مساحة ولا إذنا لخوض المعركة”
مع منى مينا لا يهم موقعها، المهم أن تصل رسالتها، فقبل ثورة 25 يناير 2011 أسست مع بعض زملائها حركة «أطباء بلا حقوق» للمطالبة بحقوق الأطباء، الحركة التي شكلت نواة تيار الاستقلال، وكانت منى من أبرز قيادات الحركة، وأحد أهم المدافعين عن حقوق الأطباء والمرضى في مصر، وبعد الثورة بشهور قليلة فازت بعضوية مجلس نقابة الأطباء، وتم تجديد انتخابها بعد 4 سنوات، وخلال 8 سنوات قضتهم في النقابة كانت صوتًا قويًا يدافع عن الأطباء ويرفض أي انتهاك لحقهم أو انتقاص من حقوقهم.
عشرات المعارك خاضتها ببسالة نادرة، قادت المظاهرات لمبنى وزارة الصحة، ولم تمانع أن تجلس مع قيادات الوزارة تتفاض عن حقوق زملائها، عرضها العمل العام لبعض الهجوم لكنها كانت ومازالت في طريقها لا تلفت إلا لقضيتها وما تؤمن به وتدافع عنه.
الآن تعلب منى مينا دورًا جديدًا وهي تكمل مسيرتها، بعدما أصبحت تدافع عن قضايا الأطباء بعيدًا عن المنصب الرسمي، فالمواقع تتغير لكن إيمانها بقضيتها ثابت لا يتغير. فهي ليست مجرد طبيبة تؤمن بحقوق المرضى والغلابة في الحصول على حقوقهم وأبسطها رعاية صحية وإنسانية مناسبة ولا مجرد طبيبة تدافع عن حقوق زملائها في مهنة تحترمهم ودخل يكفل تحولهم مثلها إلى ملاك حقيقي للرحمة .. وليست مجرد حالمة بغد مختلف تدافع عنه أينما أمكنها الدفاع عنه.. ولا حتى مدافعة عن حقوق المرضى والفقراء والبسطاء والمطحونين في غد أفضل فقط.. هي كل ذلك.. وأينما كان حلمها وما تؤمن به ستجدها موجودة.. وأن رأتك ستدفعها إنسانيتها أن تخفف عنك فهي موجودة لتحمل مع الجميع عبء أحلامهم وتساعدهم في تحقيقها.
ولدت منى مينا في 26 يونيو عام 1958، وتخرجت في كلية الطب جامعة عين شمس عام 1983، وحصلت على دبلوم الدراسات العليا في طب الأطفال عام 1990.
تقول عنها الصحفية إكرام يوسف في مقال لها بعنوان الحرة “منى مينا هي نفسها الطبيبة التي اختارت ان تفتتح عيادتها في منطقة شعبية عمالية لعلاج غير القادرين، وتنقل عن الزميلة الصحفية ايمان عوف قولها “فتحت عيني لاقيت جيراني في بهتيم؛ زوجات العمال وابناءهم بيروحوا عيادتها حتي لو ممعمهش تمن الكشف ويرجعوا مجبورين الخاطر، وبيحلفوا بحياتها. مني مينا عارفه يعني ايه ميكونش معاك تمن العلاج وعارفه يعني ايه تكون نضيف وشريف”.
اختارت منى مينا طريق النضال من أجل الفقراء، كما اختارت العمل النقابي دفاعا عن مصالح الأطباء، حماية لحق الجميع في علاج حقيقي. وكان باستطاعتها أن تقضي حياة مرفهة، تكفلها لها عيادة في منطقة راقية، وربما استطاعت ان تشارك في ملكية مستشفى خاص، مثل زملاء لها كثر. لكن الحياة اختيارات.. وقد اختارت أن تكون “حرة” ليست طامعة في منصب أو ثروة أو جاه، ولا تخشى في الحق لومة لائم.
كانت منى مينا أول سيدة في تاريخ النقابة تفوز بمنصب الأمين العام، وهو المنصب الذي شغلته لمدة عامين، كما أنها لم تتوقف عن خوض المعارض وتنظيم الوقفات، للدفاع عن حقوق زملائها، مهما اختلف موقعها، لذلك يم يكن غريبًا أن ترفض حقيبة وزارية في وزارة كمال الجنزوري في 2012، وأن تقيم مستشفى ميداني أمام مجلس الوزارء في الاعتصام الشهير وقتها لرفض حكومة الجنزوري.
خاضت المعارك الواحدة تلو الأخرى بثبات وشجاعة، هاجمت إبراهيم محلب، رئيس الوزراء الأسبق، بعد زيارته لمعهد القلب، ووصفت زيارات عادل عدوي، وزير الصحة الأسبق، بأنها تهدف إلى عمل «شو إعلامي».
هاجمت سياسات الدكتور حاتم الجبلي، وزير الصحة في عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، ووقفت ضد سياسات الخصخصة، ونادت بزيادة ميزانية وزارة الصحة، لم تغير خطابها طوال السنوات الماضية ولم تهادن على حقوق زملائها وكرامتهم.
في ثورة 25 يناير كانت من أوائل الأطباء الذين أقاموا مستشفى ميداني بالتحرير لعلاج المصابين، وبعد الثورة قادت مسيرات الأطباء للتحرير في فاعليات عديدة كانت ترى أن الفرصة سانحة من أجل تحسين المنظومة الصحية بالكامل، لتؤكد دائمًا أنها تدافع عن حق المريض في رعاية جيدة وحق الطبيب في وضع أفضل، وأن تحسين منظومة الصحة سيعود بالنفع على الجميع.
قادت منى مينا عدة مسيرات لوزارة الصحة ومجلس الوزراء للمطالبة برفع ميزانية الصحة، وحل مشكلة الاعتداء على المستشفيات، وإقرار كادر الأطباء.
كما اعتصمت مع بعض الأطباء أمام وزارة الصحة في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي للمطالبة بكادر خاص للأطباء، وشاركت في تنظيم أطول إضراب جزئي عن العمل بالمستشفيات الحكومية من أجل تحسين المنظومة الصحية وحل أزمة تكرار الاعتداء على الأطباء في 2012.
كما شاركت في إضرابي الأطباء في 2011، و2014 للمطالبة بتحسين الأجور، وتأمين المستشفيات، ورفع ميزانية الصحة، وحل مشكلة الاعتداء على المستشفيات.
أكدت أكثر من مرة أن مستشفيات الوزارة «خربات للموت»، كما وقعت طبيبة الأطفال على استقالة مسببة من وزارة الصحة ضمن حملة جمع توقيعات للاستقالة كوسيلة ضغط للاستجابة لمطالب الأطباء.
رغم عدم وجودها ضمن المرشحين في الانتخابات التي جرت في أكتوبر الماضي إلا أنها كانت تجوب المستشفيات للدعاية لمرشحي تيار الاستقلال والذين اكتسحوا الانتخابات وبقيت هي تواصل معركتها وحلمها أن تحل مشاكل الأطباء ومعاناة المرضى معًا وهو الحلم الذي جعلته عنوانًا لمسيرتها الممتدة في العمل العام غير عابئة بحملات التشهير وصعوبات الواقع.
الأن تخوض منى مينا معركة حماية الوطن من كوفيد 19، تدافع عن المواطنين والمرضى وحقوقهم في مواجهة الجائحة، وتدافع عن حقوق زملائها، ولا تكف عن إطلاق نواقيس الخطر وهي تعلم أنها قد تدفع الثمن، من أجل ذلك يهاجمونها، لكن من يفعلون ذلك لا يدركون أنك عندما تكون مؤمنا بما تقعل متحررا من المطامع، عينك دائما على من هم أولى بالحماية وجهدك مسخر للدفاع عن حقوق الآخرين فإن مثل هذه الحملات لن تخيفك”
هكذا هي منى مينا لا ولم تكف يوما عن إبهارنا بمواقفها، تحلم بالجميع وللجميع دون أن تتبدل أو تتغير.. في كل يوم ربما تفكر أن تكتب عن منى مينا.. وفي كل مرة ستعجزك الكلمات عن وصفها.. وفي كل مرة ستكتشف أنها باقية على عهدها مع ما تراه حق وحقيقة ربما يتغير شكلها قليلا ربما تتخلل بعض خصلات الشعر الأبيض شعرها لكنها ستبقى دوما الجميلة الحالمة بالعدل والحرية والثورة.. وستظل دائما منى مينا وكفى”