عمال “بشاي للصلب” يتحدثون لـ”درب” عن أسباب إضرابهم: بعض زملائنا انتحروا بسبب الحاجة.. مش عايزين نحوش من المرتب بس مش عايزين نستلف
بعض العمال انتحروا بسبب مرورهم بضائقة مادية.. وآخرون ماتوا في حوادث بسبب ضعف احتياطات الأمن والسلامة.. والرواتب هزيلة للغاية
العمال لـ”درب”: إحنا طالبين هيكلة المرتبات.. ولا هم مستنيين يجي علينا الدور وننتحر من قلة المصاريف.. عايزين حياة كريمة بجد
الإدارة حاولت اللعب على نغمة “مسلم ومسيحي” لتفتيت الإضراب لكن الكل الآن مُجمع على التصدي للظلم.. وتعرضنا لضغوط شديدة من الأمن
كتب – أحمد سلامة
أكد عمال مصنع “بشاي للصلب” أنهم مستمرون في إضرابهم عن العمل حتى الحصول على كامل مستحقاتهم المالية، خاصة بعد وقوع سلسلة من حوادث الانتحار لعدد من العاملين بسبب مرورهم بضائقة مالية شديدة تسببت فيها إدارة المصنع بعد حرمانهم من حقوقهم.وتحدث أحد العاملين -فضل عدم ذكر اسمه- قائلا لـ”درب”: الأخبار لا تسر، هناك حوادث انتحار كثيرة وقعت خلال الآونة الأخيرة في المصنع، بالإضافة إلى وقوع العديد من الحوادث داخل المصنع بسبب غياب احتياطات الأمن التي يجب أن تتخذها الشركات والمصانع.. مضيفًا “نحن من أضعف المصانع في اتخاذ احتياطات الأمن”.
وأضاف “منذ نشأة المصنع، راح ضحية ذلك الإهمال العشرات، إحنا نعرف إن لو حالتين أو تلاتة سقطوا في مصنع.. المصنع بيتقفل، لكن إحنا عندنا العشرات ماتوا وراحوا ضحايا عدم وجود إجراءات الأمن والسلامة، كتير من العمال سقطوا من فوق السقف وماتوا، ومع ذلك المصنع شغال وإحنا نفسنا مضطرين نشتغل لأن دا في الآخر أكل عيش ولادي”.
وحول حالات الانتحار قال عامل آخر “في الفترة الأخيرة حالة العمال المادية والمعنوية أصبحت سيئة للغاية، كتير بيفكروا في الانتحار، وخلال الأسابيع القليلة اللي فاتت في اتنين انتحروا بالفعل، الأول ألقى بنفسه من أعلى أحد الكباري فسقط ميتا، والآخر شنق نفسه بعد أن تكاثرت عليه الديون”.
ويستكمل “إدارة المصنع بخيلة، بيكسبوا فلوس كتير، لكن رافضين يعطوا للعمال حقوقهم، كدا حرام، إحنا مش عارفين نعيش والله والمرتبات عندنا ضعيفة للغاية، إحنا الرواتب عندنا حوالي ثُلث ما يتحصل عليه الزملاء بالمصانع الأخرى، وإحنا طالبين زيادة في الرواتب بحيث نتساوى مع العاملين في المصانع الأخرى”.
وعن تفاصيل تفاصيل هيكلة الأجور التي تفاوض العمال والإدارة بشأنها، قال أحد العاملين إن “إدارة المصنع بتقول إن أقصى ما تستطيع زيادته في الرواتب 300 جنيه فقط، وبررت دا بإنها زودت المرتبات 90 جنيه من فترة، ودا اللي هم ناويين يعملوه لما يبدأو هيكلة الأجور اللي قالوا عليها في يناير اللي جاي”.
وأردف العامل “العمال عندنا مورست ضدهم ضغوط شديدة، والأمن تدخل من أجل فتح البوابات أمام جرارات الحديد بعد أن تم إغلاقها في سياق الإضراب والاحتجاج على سوء معاملة الإدارة”.. مُشددًا بالقول “إحنا مستمرين في الإضراب بقوة العمل كاملة، وحتى الآن المصنع بالكامل متوقف، لكن ضغط الأمن هو الذي دفع العاملين إلى فتح البوابات.
عامل آخر لفت النظر إلى محاولات الوقيعة بين العاملين، فحسب نص حديثه لـ”درب” قال “الناس متماسكة بشكل أول مرة نشوفه، كانوا خلال الفترة اللي فاتت بيلعبوا (يقصد إدارة المصنع) على نغمة إن المعترضين أعداء للدولة وعايزين يهدموا النظام أو يتقال إنهم إخوان مسلمين، لكن دلوقتي اخواتنا المسيحيين هو اللي متصدرين المشهد والمطالبة بالحقوق، وهم بيمثلوا حوالي 1700 عامل من إجمالي العاملين”.ويضيف العامل “إحنا في انتظار إن الإدارة تحل الموقف، إحنا طالبين هيكلة المرتبات، ولا هم مستنيين يجي علينا الدور وننتحر من قلة المصاريف، أنا مش عايز أحوش من مرتبي، لكن كمان مش عايز أستلف، عايزين نعيش حياة كريمة بجد”.
وكان عمال شركة “بشاي للصلب” قد أعلنوا تعليق التفاوض مع إدارة الشركة، وإغلاق الأبواب الرئيسية لمنع خروج “جرارات نقل الحديد”، بعد تكرر حوادث الانتحار بين العمال خلال الفترة الأخيرة بسبب عدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم المالية واحتياجات أسرهم، إضافة إلى تحرير محاضر من قبل الإدارة ضد 11 عاملا بدعوى التحريض على الإضراب والقيام بأعمال تخريبية.
وقال وائل توفيق، الناشط العمالي، لـ”درب” إن عدد العمال المتضررين يبلغ نحو 3500 عامل يتفقون جميعهم على المطالب المرفوعة إلى إدارة المصنع والتي أهمها علاج تشوهات الأجور حيث تتراوح متوسطات الرواتب ما بين 1200 و 4 آلاف جنيه، وهو مبلغ ضئيل لا يفي باحتياجات العامل وأسرته.
وأضاف توفيق، أنا هناك عمال حاولوا الانتحار بسبب الضائقة المالية الشديدة التي يمرون بها، مستكملا “عدد المنتحرين 3 عمال، آخر واحد منهم الإدارة تعمدت نقله بين أكثر من إدارة ثم نقلته إلى مكان بعيد عن محل سكنه وعاملته معاملة شديدة السوء، مع الضغوط التي تعرض لها، وبعد عودته إلى منزله طلبت منه زوجته مصروفات لم يستطع الوفاء بها، ودخل إلى غرفته، ليفاجئ الجميع بأنه انتحر”.
وتابع “الشركات تحقق أرباحا كبيرة، ويدخل مُلاكها في مصاف المليارديرات، ومع ذلك يمنعون تحسين الرواتب عن العاملين، رغم أن هذه الشركة وهذا المصنع على وجه التحديد -بشاي للصلب- بفروعه الخمسة كان يضم نحو 7200 عامل، وعلى مدار السنوات الخمس الماضية تم تقليص وتخفيض العمالة إلى النصف تقريبًا مع الإبقاء على نفس الرواتب الضعيفة رغم مضاعفة الأعباء على العمال”.
وشدد توفيق “على أن العمال عقدوا جلسة مع الإدارة أمس، ضمن إحدى جلسات التفاوض المستمرة، والإدارة عرضت إعادة هيكلة الأجور في شهر يناير المقبل، لكن العمال من جانبهم طالبوا بتوضيح أسس هذه الهيكلة ومعرفة قيمة الزيادة المنتظرة في الرواتب، وهو ما لم ترد عليه الإدارة.. العمال طالبوا بـ(كلام واضح) ومدّون ومكتوب وموقع عليه من مكتب العمل بهذه الهيكلة وذلك بعد مناقشات حقيقية حول هيكلة الرواتب تُراعي التضخم وزيادة الأسعار لكي تكون اتفاقية واضحة يتم الاعتداد بها أمام القضاء حال عدم الالتزام بها.. لكن يبدو أن الإدارة لم تقبل بذلك وأنها ستستمر في مماطلة العمال”.
وأشار الناشط العمالي إلى أن “حوادث الانتحار المتتالية هي السبب في التعجيل بالإضراب، حالتا الانتحار السابقتين ادعت الإدارة أنهما وقعا بالخطأ، لكن الحالة الأخيرة استفزت العاملين بشكل غير مسبوق، العمال من 2017 وهم مستمرون في المطالبة برفع الأجور”.. لافتًا إلى أن الإدارة استعانت سابقًا بأحد الخبراء من فرع لندن لتطوير المصنع لكنه رفض البدء في عملية التطوير قبيل تحسين ظروف العمال المالية وهو ما رفضته الإدارة.
وقالت التعاونية القانونية لدعم الوعي العمالي، عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، إن عمال بشاي للحديد والصلب؛ قرروا تعليق التفاوض مع الإدارة لحين عرض رؤية واضحة للحلول، والتنازل عن المحضر الذي حمل رقم 6464/ 2022 وحرره كمال بشاي ضد 11 عاملا، مدعياً أنهم من قاموا بالتحريض على الإضراب وتخريب المصنع.وأضافت التعاونية أن “كمال بشاي تجاهل السبب الحقيقي لإضطرار العمال لتنظيم إحتجاجهم المشروع، والمتمثل في إقدام أكتر من عامل على الإنتحار، وكان آخرهم عامل قام بشنق نفسه الأسبوع السابق على الإضراب، كنتيجة لتدهور أوضاعهم المعيشية، وعدم قدرتهم على أداء واجبهم تجاه أسرهم، نظراً لتضاؤل أجورهم وتأخر الإدارة في صرف بعض مستحقات العمال، ناهيك عن سوء معاملة الإدارة للعمال خلال الفترة الماضية”.
واستكملت التعاونية القانونية “عنون العمال ورقة مطالبهم بالمساواة بزملائهم بمصانع الحديد والصلب الأخرى، وخصوصاً الموجدان بالمنطقة الصناعية بالسادات (حديد عز وأركوستيل للصلب)، حيث تضمنت: صرف الأرباح بأثر رجعي من 2015 وحتى 2022، صرف حافز ثابت بما لا يقل عن 15% من إجمالي المرتب، صرف شهر كامل على المرتب في الأعياد والمناسبات ومع بداية المدارس، صرف بدل طبيعة العمل شهرياً وبشكل منتظم، تحرير بوليصة تأمين على الحياة وتأمين صحي للعاملين وأسرهم، صرف شهرين عن كل سنة على شامل المرتب عند خروج العامل على المعاش، تجديد عقود من مضى عليه ثلاث سنوات في العمل تلقائيًا، وأن يعوض بأثر رجعي حال عدم تجديده العقد، عدم خصم اليوم الرابع من كل شهر من رصيد الإجازات، وقف كافة الإجراءات التعسفية ضد العمال، وهو الأمر الذي ذادت وتيرته خلال الفترة الماضية”.
وأردفت التعاونية “وجاء رد الإدارة مماطلاً كالعادة، حيث عرضوا إنهم سيقومون بإعادة هيكلة الأجور خلال شهر يناير، وذلك دون أن يقدموا توضيح لعملية الهيكلة ومقدارها، مع تقديم عدة وعود لا تغني ولا تسمن من جوع (حسب تعبير أحد العمال) وكانت كالتالي: زيادة البدل على الوجبة والانتقالات بنسبة 15% اعتبارًا من الشهر الجاري. مع صرف حافز الإنتاج يوم 20 من كل شهر. وكذا تعديل المسميات الوظيفية بالتأمينات الاجتماعية بعد استيفاء المستندات. فضلًا عن الموافقة على التأمين على العمال ضد إصابات العمل.
واختتمت التعاونية “إلا أن العمال رفضوا عرض الشركة، وقالوا إنه ليس أكثر من التفاف على مطالبهم، مؤكدين تعليق عملية التفاوض التي شبهوها بالمراوغِة، لحين الإعتراف بكامل مطالبهم، وعلى رأسها إعادة هيكلة الأجور بزيادات واضحة، تساويهم بالعاملين في الشركات الأخرى الشبيهة، وكذلك التنازل عن المحضر المحرر ضد زملائهم”.