عشر سنوات على ثورة يناير.. عاطف عبد العزيز يكتب: حين أمطرت السماء.. بصلًا وخلًا (ذكريات يناير)
والزمن فات..فات سنين فى خيالى
وأنا قاعد والميدان مليان قبالى
شوفت نفسى حواليا عيال كتار
شوفتهم صبحوا كبار
وإحنا ماشيين فى المظاهرة
بنت مالت ناحيتى واديتنى وردة
وردة حمرة
قمت من القهوة سعيد
وبقول
بكرا أحلى من النهارده
صلاح جاهين
حين أمطرت السماء.. بصلًا وخلًا
من بين كل أيام ثورة يناير المجيدة تظل “جمعة الغضب” أحد أعظم أيامها المجيدة، التي أنهت حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك.
كنت يومها حديث عهد بالقاهرة، لا أعرف من شوارعها إلا القليل، جئت إلى المحروسة فور تخرجي بقسم الصحافة بآداب جنوب الوادي للعمل بالصحافة، بدأت فترة التدريب في موقع البديل الإلكتروني في نهاية 2010.
كانت شوارع القاهرة تتهيأ لمظاهرات الغضب التي اندلعت يوم 25 يناير في ربوع الجمهورية، خرجت صباح 28 يناير من عين شمس، حيث كنت أقيم في ذلك الوقت قبل ساعة من صلاة الجمعة، كانت وجهتي لمسيرة مسجد النور بالعباسية التي تم الإعلان عنها في مواقع التواصل الاجتماعي.
استقللت المترو من محطة عين شمس، نزلت بمحطة الدمرداش، صليت الجمعة في مسجد صغير بجوار محطة المترو، أسرعت باتجاه مسجد النور، رأيت تجمع أكثر من 3 آلاف متظاهر أمام المسجد، انطلقنا باتجاه ميدان رمسيس.
سرت مع الجموع الكبيرة دون أن أعرف وجهة المسيرة أو أي من المشاركين فيها، كان عدد المشاركين في المسيرة يزداد باستمرار، فئات عديدة تنضم لنا تباعًا، بائع في مطعم فول وطعمية انضم لنا في أحد شوارع العباسية بمجرد مرورنا بجواره بملابس العمل، وكان يهتف بحماس مع الغاضبين.
لم تمض دقائق إلا وأخرج صاحب سوبر ماركت كراتين المياه ووزعها هو وصبية معه على المشاركين في المسيرة، مررت إلى جواره كانت عيناه تلمعان من الفرح.
سيدات ورجال يقفون في شرفات المنازل يلوحون لنا بأيديهم، كان الهتاف طوال الوقت “يا أهالينا انضموا لينا”، و”سلمية سلمية”، لدرجة أننا حينما مررنا بجوار متظاهرين يحملون فروع أشجار يرفعونها، رفض الجميع وهتفوا “سلمية سلمية”، فما كان من رافعي الفروع إلا أن ألقوها.
أطلقت علينا قوات الشرطة قنابل الغاز أكثر من مرة، تفرقنا في ميدان عبده باشا، كنت في الصفوف الأولى، سقطت بجواري قنبلة غاز، أمطرت شرفات المنازل علينا بصلاً وخلا وزجاجات بيبسي، جلست فوق الرصيف ألتقط أنفاسي، خرجت طفلة من أحد المنازل، وأعطتني بصلة وقليلًا من الخل وهي تناديني “خد ياعمو”، لم أفكر يومها في المشهد لكن هذه الطفلة ظلت عالقة بذهني حتى اليوم، كثيرًا ما سألت نفسي من علمها الثورة ومتى؟ ربما لو صادفتها اليوم لن أتعرف عليها، لكن صورتها الأولى محفورة في أعماقي كأجمل تجسيد لثورة عظيمة خرجت لتنادي بالعيش والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
مع العصر زاد عددنا إلى أكثر من الضعف، كانت الشرطة تلقي علينا قنابل الغاز بلا هوادة، ولم يكن بوسعنا فعل شيء سوى الجري والاختباء في الشوارع الجانبية، كنا نتقاسم الماء والخل والبصل، كأن كل منا يعرف من يهتف إلى جواره منذ زمن بعيد، اقتربنا من ميدان رمسيس، لم تكن الشرطة تكف عن إطلاق الغاز ومطاردتنا في الشوارع.
شاهدت بائع كبدة في العقد الخامس من عمره، فتذكرت أنني لم أتذوق طعامًا منذ الصباح، جلست على كتلة أسمنتية لتناول الكبدة، توقف الرجل عن العمل لدقائق وسارع بتقطيع كل البصل الذي كان معه، ثم أمر طفل كان يساعده في البيع بتوزيع البصل على المتظاهرين، كان يراقب ما يحدث حوله بفرح وهو يباشر عمله.
فور وصولنا ميدان رمسيس انحصر بيننا عدد من مجندي الأمن المركزي، سارعنا بعمل كردون حولهم لتأمين خروجهم، أحد المتظاهرين وزع على المجندين قطع بسكوت كان يأكل منها، كان أحد المجندين خائفًا فقال له أحد المتظاهرين: “إحنا إخواتك ما تخافش مننا”، فبكى المجند وارتمى في حضن المتظاهر.
رغم التعب بدأنا نشعر بالانتصار، وقعت حالات كر وفر مرة أخرى بميدان رمسيس، توقفت حركة المرور واشتعلت النيران في إطارات السيارات القديمة، كان ذلك مع بداية حلول الظلام.
قررت الذهاب لموقع البديل في عابدين، ركبت المترو، نزلت في محطة محمد نجيب، بمجرد خروجي من المترو شاهدت دبابات الجيش تخرج بشوارع وسط البلد، بينما تنسحب الشرطة بشكل عشوائي، وصلت لموقع “البديل”، واستمعت إلى بيان القوات المسلحة الأول.
كان ذلك يوم جمعة الغضب الذي غير خريطة مصر وكتب نهاية نظام الديكتاتور المخلوع مبارك.
عاطف عبد العزيز
صحفي